لوم الذات وطريقة التخلص من كره الذات
هل تتخيل يوماً أن شخصاً يكرهك بشدة، ورغم ذلك يتبعك طيلة اليوم، وكل يوم، يوجه لك الانتقادات على كل صغيرة وكبيرة، ويتتبع عثراتك دائماً، فيتعمد إحراجك في كل مرة ترتكب فيها خطأ حتى لو تافهاً؟.. بالطبع شعور سيء، وستبتعد عنه بقدر الإمكان، حتى لو تعمدت إلى إحداث قطيعة بينه وبينك.
الأمر لن يسير هكذا دائماً، خاصة لو أن ذلك الشخص هو أنت نفسك، فيما يسميه خبراء علم النفس بـ"كره الذات"، حيث يأتي الانتقاد من الداخل, وبما أنه كذلك، فالخبر الجيد أنك المتحكم في هذا الشعور وإيقافه، ولا تنتظر تغييره من أحدهم.
ولمن لم يجرب كُره الذات فهذه بعض الأفكار التي تتردد بداخل من يعانيها، مثل "أعلم أنك ستفشل"، "لا أدرى لماذا تحاول أصلا"، "أنت خاسر"، "لا أحد يريد أن يبقى بجانبك"، "انظر لنفسك قد أخفقت مجددا".
ويستقبل حلوها عشرات المشكلات المتعلقة بكره الذات أو كره صفات بعينها في أنفسهم، ولكل سبب بالطبع تشخصيه وطريقته الخاصة بالعلاج، وهذه نماذج من مشكلات المتابعين وردود أخصائي حلوها عليها:
في البداية لابد أن تعرف لماذا قد يقدم أحدهم لكره نفسه، والقسوة عليها دائماً، بانتقادها وعدم منحها الأعذار، وإليكم أبرز أسباب كره الذات:
- وضع سقف توقعات أعلى من القدرات: نرغب جميعاً أن نكون مثاليين، مقبولين من الجميع، وأن نؤدي جيداً في جميع مهامنا، إلا أن توقعات البعض من أنفسهم أحياناً تكون أعلى من قدراتهم، بل وأحياناً أعلى من قدرات البشر العاديين، فتجعلهم هذه التوقعات تشعر بالقِزَم، وفي تلك اللحظات يدفعهم النقد الداخلي على الشعور بالعار أو الإحراج, ومن ثم الحزن والإحباط.
- توقعات الآخرين: لا نعيش بمفردنا، وإنما نتواصل في حياتنا مع الآخرين، وفي حال كونهم سعداء بنا أو معنا، نشعر بحالة جيدة, لكنها ليست طريقة صحية للتفكير حول العلاقات لأنها قد تؤدي لأنماط خطيرة من السلوك التابع، و رغم ذلك, بعض الناس يشعرون بالدمار و الإحباط إن لم يكونوا على قدر احتياجات الآخرين، وفى حالة كره الذات هذا يعنى للبعض أن الخطأ بهم وليس بالآخرين, فنحن فشلنا في مساعدتهم، أو إسعادهم، وربما لا نستحق أن نكون محبوبين و ذو قيمة لديهم.
- الرغبة الدائمة في الكمال: الباحثون عن الكمال عادة ما يظهرون كأشخاص لا يسمحون لأنفسهم بالذلل أو الخطأ, دائما ما يبحثون عن الكمال في أنفسهم وفي الآخرين، فنبحث عن المثالية في كل شيء.
- التعرض لصدمة سابقة: كثير من الأشخاص الذين يعانون من الكراهية الشديدة لأنفسهم, قد عانوا من تحديات وصدمات عاطفية سابقة, قد تكون تلك التجارب جنسية, أو فسيولوجية, أو عاطفية كالإهمال وسوء المعاملة، حينما يمر الأطفال بمثل هذه الصدمات يكبرون وفى داخلهم شعور بعدم الأمان والقلق تجاه العالم, والخوف من الآخرين، مما هذا يجعلهم يرون أنفسهم غير جديرين بالمحبة والتقدير, وتصبح عبارات كره الذات وتعبيراته شيئاً متأصلاً من حديثهم لأنفسهم وللأخرين.
- مقارنة نفسك بالآخرين: عادة ما تكون هناك قيمة خطرة مبنية على الأداء أوالتصرف, على الرغم من أنه أمر طبيعي أن نميل لأن يكون أدائنا جيداً وألا نكون مُهمَلين أو يتم تجاهلنا,لكننا أيضا نهتم ونركز على ما يفعله الآخرين، وبالطبع ليس أمراً مضراً أن تنظر حولك وتلاحظ ما يفعله الآخرين, لكن المضر حقا هو النظر لما يفعله الآخرون بمبالغة أو انبهار شديد وبنية مقارنة أدائهم الجيد بأدائنا, ومن ثم نسترسل في عبارات كره الذات والنقد.
كُره الذات يؤثر بشكل كبير على حياتنا اليومية, فهو قد يعوق اتخاذ القرارات ومواجهة المخاطر, والتواصل مع الآخرين في العمل أو العلاقات العائلية والاجتماعية، ويؤثر على الثقة بالنفس، ويؤدي بك في نهاية المطاف للاكتئاب.
- العلاقة مع النفس: من خطورة كره الذات هو ذلك التأثير الذى يتركه فى علاقة الشخص بنفسه, فهو يجعله دائما يفكر في نفسه بشكل متدني، فينتقدها ويوبخها دائماً, و كما ذكرنا لا يشعر بقيمته، فبالتالي لا يشعر بأحقيته في الحب، فهو يهبط بتقدير الشخص لنفسه، ويفقده الشعور بالأمل والسعادة والثقة في قدراته.
- علاقاتك في العمل: عندما نشعر بعدم القيمة أو العجز ننسحب تلقائيا من أي مبادرة او مشروع وًكل إلينا, ونجد صعوبة في العمل الجماعي والتعاوني, وغالباً ما نشعر بانزعاج من زملاء العمل، لأننا دائما نضع أنفسنا فى مستوى أدنى منهم ونراهم دائم أفضل.
- العلاقات الاجتماعية: فكرة أنك ليس لديك ما تقدمه للآخرين، وليس هناك قيمة لوجودك, يسبب صعوبة في تكوين علاقات اجتماعية قوية, وفى محاولة لتجنب الألم النفسي والانتقاد والحكم والتجاهل, تجد كارهي أنفسهم يتجنبون التعرف على أشخاص جدد أو الدخول فى علاقات متعددة, لخوفهم من أن يعاملوا بعدم اكتراث، فيعانون الوحدة.
- العلاقات العائلية: التفاعلات والتعاملات العائلية تصبح في غاية الصعوبة بالنسبة لمن يعاني من كره الذات, لأنهم كالعادة يركزون على أقوال وأفعال الآخرين ويهتموا بمقارنة أدائهم بأداء الآخرين, تلك المقارنة التي غالبا ما تنتهي للشعور بالخزي والانتقاد, مما يحول بينهم وبين الاستمتاع بالتجمعات العائلية أو التعامل في جو عائلي، وبالتالي يكون الشعور بالوحدة مصيرهم.
- العلاقات العاطفية: ككائن بشري أنت بحاجة للانتماء لشخص ما والشعور بالاستحسان والقبول منه, ولكن يعلو بداخلك دوما صوت الكره الانتقاد لنفسك فتبتعد وتتحرى دائما عدم التقرب أو الملاطفة، لخوفك من اكتشاف الطرف الأخر لنقصك و أنك لست مكتملا، ويقودك للاكتئاب.
- تحقيق الأهداف: أنت تخبر نفسك أنك لست قادر أو مؤهل لتحقيق هدف أو القيام بفعل ما, وتظل رغباتك، أهدافك وأحلامك منطوية بين ما أنت عليه وما تود أنت تكون عليه, بين أين أنت الآن، وبين أين تريد أن تكون.
- استمرار تلك المشاعر والأفكار السلبية يفقدك الرغبة فى بناء هدف أو رسم حلم, لإنك فى نظر نفسك "عاجز".
- صناعة القرار: كبناء الهدف تماماً الأمر يعد تحدياً خطيراً وصعباً لمن يعاني من كره الذات, فقبول التحديات والدخول في علاقات وتجارب جديدة يتطلب ثقة وقدرة على المواجهة, لذلك دائما ما يهرب كارهي أنفسهم من أي فرصة لاتخاذ القرار, فهم دائماً في صدام مع أنماطهم وأصواتهم الداخلية المليئة بجلد الذات.
دائما يوجد حل، وهذا هو الخبر الجيد فى موضوعنا, فهناك طرق متعددة لتقبل الذات ومنها:
- تحدي القصة- الأسطورة القديمة : امنح نفسك الإذن في ألا تستخدم وتكرر عبارات كره الذات حتى لا تصير مسلمات بداخلك يصعب التخلص منها أو تغيرها, تحدي أفكارك السلبية و فرًق بين المشاعر والحقائق.
- مخزون نقاط قوتك: عُد دائما لنقاط قوتك وذكر نفسك بها, لأن كره الذات ما هو إلا صوت يتردد بأنك لست قوياً ولست مستحقاً لشيء، وعديم القيمة, فواقعك أو ماضيك قد يحمل العديد من المواقف الإيجابية التى تهدم كل تلك الأفكار والمشاعر, ويمكنك أيضاً طلب المساعدة من الآخرين حول ما يميزك, أو عبر الموقع الإلكتروني VIA) Values in actions), سيساعدك في معرفة نقاط قوتك.
- تقبل المجاملات: من يكره ذاته يجد غرابة فى أى عبارات ثناء أو مجاملة, و لكن هذا خاطئ جدا, فقط قُل شكرا بدون أن تتبعها بانتقاد نفسك أو التقليل منها أو من مجهودك وعملك, فقط تقبل المجاملة و"صدقها".
- تعاطَف و تسامَح: أنت دائما تتعاطف وتعذر الآخرين بينما لا تحمل تجاه نفسك أي تعاطف أو شفقة, فبدلاً من عدم الرحمة والنقد اللاذع للنفس تحلى بالعطف و سامح نفسك فذلك يعنى أنك ناضج وتستطيع فهم الأمور كلياً، ننصح بالعودة للماضي حقاً، لكن للماضي القوي والجيد فقط, فتوقف عن تذكر ماضيك السيء والضعيف واغفر لنفسك.
وتذكر أن الأمر يتطلب وقتاً, وقد يبدو محال فى بعض الأوقات, لأنه تحدي حقيقي وكما يمكنك البعد عن أفكارك السلبية ففى الوقت نفسه يمكنك أن تفسح مجالاً لمزيد من المرح والسلام فى حياتك.