علامات الحرمان العاطفي عند الطفل وتأثيره على شخصيته
قد يصعب على الأهل أحياناً معرفة أن طفلهم يعاني من الحرمان العاطفي وما أثر ذلك على شخصيته وهو طفل أو حتى بعد أن يكبر، لكن في الحقيقة فإن آثار الحرمان العاطفي على شخصية الطفل ونفسيته قد تكون خطيرة وطويلة الأمد، ولذلك يجب فهم العلامات التي تدل على الحرمان العاطفي وكيفية التعامل معها للعلاج الطفل من آثار الحرمان.
ما هو الحرمان العاطفي عند الطفل؟ تقول الجمعية الأمريكية لعلم النفس أن الحرمان العاطفي هو عدم حصول الطفل على ما يحتاجه من الحنان والتعاطف والتواصل العاطفي ما يضعف الروابط الشخصية أو يقطعها بين الطفل وأسرته أو مقدمي الرعاية.
والحرمان العاطفي عند الطفل ينعكس على شخصيته وشعوره تجاه نفسه وتجاه المقربين كالوالدين والأخوة والأصدقاء، فالتواصل الذي يفتقده الطفل المحروم عاطفياً مهم للغاية لتأكيد الحب والانتماء وهو جزء أساسي من التربية.
كيف أعرف أن طفلي لديه حرمان عاطفي؟ تظهر بعض العلامات والأعراض الرئيسية على الطفل الذي يعاني من الحرمان العاطفي، أهمها اضطرابات الشهية والنوم واضطرابات السلوك والمزاج، إضافة إلى العزلة وصعوبات التواصل الاجتماعي وصعوبات التعلّم، وصولاً إلى بعض العلامات الأكثر خطراً مثل التلعثم بالكلام والتبول اللاإرادي وغيرها.
وأهم علامات الحرمان العاطفي عند الأطفال:
- اضطرابات الطعام: في كثير من الحالات التي يتعرض فيها الطفل للحرمان العاطفي، يؤدي به ذلك لاضطرابات في الطعام والشهية، مثل زيادة الشراهة كتعويض عن الحرمان، أو نقص الشهية بسبب المشاعر السلبية والاكتئاب الناتجة عن الحرمان.
- اضطرابات النوم: قد يتطور لدى الطفل المعرض للحرمان العاطفي اضطرابات في النوم، فيكون نومه غير منتظم، أو يمر بحالات قلق وأرق، أو تفكير زائد، ما يؤدي لاختلال نظام النوم لديه، مثل النوم ساعات طويلة في بعض الأحيان وعدم النوم أحيان أخرى، والسهر ليلاً والنوم نهاراً، وكثرة الاستيقاظ الليلي، ومشاكل تململ الساقين وغيرها.
- الاضطرابات الانفعالية والسلوك العدواني: الطفل الذي يعاني من الحرمان العاطفي لا يحصل على الاهتمام الكافي والحب وطريقة التربية السوية التي تساعده على ضبط عواطفه وفهمها وبالتالي تنمية انضباط انفعالي في سلوكياته وردود أفعاله، وهذا قد ينتج عنه حالات عصبية أو عدوانية أو ردة فعل مبالغ فيها، مثل الحزن الشديد بدون سبب مبرر، أو المبالغة في الغضب تجاه مواقف لا تستحق، أو ضعف الثقة بالنفس، أو ضعف التفاعل ونقص الدافعية بشكل عام.
- الوحدة والعزلة: ممكن أن يؤدي الحرمان العاطفي لنشوء فهم لدى الطفل أنه مرفوض وغير محبوب، وهذا يؤثر على ثقته بنفسه وفعاليته الاجتماعية ورغبته بالتواصل مع الآخرين بشكل سلبي، وهذا كله قد يسبب له حالات الوحدة والعزلة.
- حالة الحزن والاكتئاب: في معظم الأوقات يتوقع أن يبدو على الطفل الذي يعاني حرمان عاطفي أنه حزين ومكتئب، ولا تبدو عليه مشاعر البهجة والمرح البديهية في مرحلة الطفولة.
- اليأس والإحباط: يشعر الطفل الذي يعاني من حرمان عاطفي أنه لا جدوى من شيء وأنه غير محبوب من قبل أهله، ومع الوقت تتبلد مشاعره، ويؤدي به ذلك لمشاعر اليأس والإحباط.
- التراجع والنكوص: من أهم علامات الحرمان العاطفي عند الطفل تراجعه في بعض الأنشطة الأساسية المكتسبة، خصوصاً الأطفال تحت خمس سنوات الذين قد يعانون من فقدان بعض مهارات الكلام بصورة تأتأة أو تلعثم، أو التبول اللاإرادي، أو العودة لعادات الطفولة المبكرة مثل مص الإصبع والزحف وتعمّد الحديث بطريقة الأطفال الأصغر سناً، وفي الأطفال الأكبر سناً قد يتراجع مستوى الطفل الدراسي بشكل ملحوظ وتتراجع قدرته على التركيز والانتباه والاهتمام باكتساب المعلومات.
- الإصابة باضطراب التعلق المرضي: كثيراً ما يؤدي الحرمان العاطفي لدى الطفل لبروز اضطرابات ومشاكل في أنماط التعلق لديه، مثل ضعف التعلق بالوالدين، أو زيادة التعلق بأحدهما، أو التعلق المرضي بصديق أو بشقيق، أو اضطراب التعلق التفاعلي.
- تطوير نمط سلوكي مضطرب: يمكن أن تتأثر شخصية الطفل المحروم باتجاه إظهار أنماط سلوكية مضطربة، مثل الانسحابية، أو العدوانية وسرعة الغضب، أو الصمت الزائد.
- تأخر النمو والتطور في بعض جوانب الشخصية: من المحتمل أن يؤثر الحرمان العاطفي على تطور ونمو شخصية الطفل في أحد أو بعض الجوانب، مثل ضعف الاستقلالية والاعتماد على النفس، قلة تحمل المسؤولية، ضعف المهارات الحياتية، عدم القدرة على تلبية بعض الاحتياجات الشخصية.
- اضطراب العلاقة مع الوالدين: يؤثر الحرمان العاطفي عند الطفل على علاقته بوالديه، حيث يضعف تعلقه بهما، ولا يتحدث معهما عن رغباته وميوله وأفكاره، ولا يتعاطف مع مشاكلهما، وحتى أنه لا يتعرف على شخصية والديه بشكل كافي.
- تأخر تنمية مهارات التواصل: يؤثر شعور الحرمان العاطفي عند الطفل على تنمية مهارات التواصل لديه مثل تأخر اكتساب اللغة بالنسبة للأطفال الأصغر سناً، أو ضعف المهارات الاجتماعية، أو عدم القدرة على التعبير عن المشاعر والرغبات وعدم القدرة على تكوين رأي خاص واتجاه خاص نحو جوانب الحياة المختلفة.
- ضعف الشخصية في التفاعل مع الأقران: غالباً ما يؤثر الحرمان العاطفي عند الطفل على علاقته بأقرانه ويسبب مثلاً تجنب التفاعل مع الأطفال الآخرين أو فرض النفس عليهم مع شعوره بأنه أقل منهم وأنه يسعى لقبوله من طرفهم.
- تنمية شخصية تابعة انقيادية: يؤثر الحرمان العاطفي عند الطفل على ثقته بنفسه ونظرته عن ذاته وتوقعاته عن كيف يراه الآخرين، فهو غالباً لديه شعور بالرفض ولا يثق بقدراته، ما يسبب نمو شخصية تابعة انقيادية لغيرها من الشخصيات الأقوى.
- الشعور بالذنب ولوم الذات: قد يفكر الطفل الذي يعاني من الحرمان العاطفي بأنه سبب في هذا الحرمان، وأنه غير محبوب من قبل أهله أقرب الناس إليه، وهذا يسبب له الشعور بالذنب ولوم الذات حتى على أصغر خطأ يصدر عنه.
- الحساسية المبالغ بها: يتوقع أن يكون الطفل الذي يعاني حرمان عاطفي بعد أن يكبر أن يكون أكثر حساسية في تفاعله مع الآخرين، فهو يتحسس إزاء الانتقاد، أو حتى الممازحة، يغضب بسرعة، ولا يستطيع التكيف مع الآخرين على نحو مرن.
- مشاعر النقص والدونية: زيادة مشاعر الحرمان العاطفي لدى الطفل وتأثيرها على ثقته بنفسه ونظرته عن ذاته وعلاقته مع أهله عندما يكبر، تسبب أفكار سلبية لديه بأنه مرفوض ولا يحب الآخرين تكوين علاقة معه، وهذا يؤدي به إذا استمر لنشوء مشاعر النقص والدونية.
- ضعف العلاقات الاجتماعية: بسبب الحساسية الزائدة وضعف الثقة بالنفس ومشاعر الرفض سواء كانت حقيقة أم مزيفة، فإن الشخص الذي عانى من حرمان عاطفي في طفولته يكون أقل قدرة على تكوين علاقات اجتماعية، والتفاعل بشكل منسجم مع الآخرين، حيث يكون أكثر حذر وجمود عندما يتعامل مع الناس.
- ضعف الثقة بالنفس: بسبب الحرمان العاطفي وعدم الحصول على التشجيع والدعم والاعتراف بالإنجاز والقدرات في مرحلة الطفولة، يكبر الشخص وهو ليس لديه نظرة إيجابية عن ذاته، بل تغلب على شخصيته الأفكار السلبية ومشاعر النقص، وهذا يسبب ضعف ثقة الطفل بنفسه.
- تنمية مشاعر سلبية عن الوالدين: حرمان الطفل العاطفي واهماله في صغره، يجعل الطفل يمر بالكثير من المشاعر والأفكار السلبية عن والديه، مثل الأنانية، وعدم محبته من قبلهم، وغيرته من أخوته إذا حصلوا على اهتمام أكثر، هذا كله يؤثر على مشاعره تجاههما عند الكبر وربما علاقته معهما.
- الانطوائية وصعوبات التواصل: بسبب ضعف العلاقات الاجتماعية ومهارات التواصل لدى الطفل الذي عانى من حالة حرمان عاطفي، وما يرتبط بها من مشاعر احباط وخجل ورفض، فعندما يكبر الطفل يرجح أن يكون أكثير ميلاً للانطوائية والبعد عن الآخرين.
- نمو مشاعر الخجل: من الاعراض التي قد تظهر على الطفل الذي يعاني من حرمان عاطفي زيادة مشاعر الخجل، والتي تنبع عن توقع الاستجابات السلبية من الآخرين تجاهه، وضعف الثقة بالنفس ومشاعر النقص لديه.
- التعلق بشخص غير الوالدين: الطفل المحروم من الاهتمام العاطفي من قبل والديه، قد يبحث عن هذا الاهتمام لدى شخص آخر، لذا يعد تعلق الطفل بشخص غير الوالدين من أهم أعراض الحرمان العاطفي.
- سهولة الخداع من الغرباء: ينمي الطفل المحروم عاطفياً شخصية هشة سريعة التعلق، وضعيفة الخبرة في نوايا ورغبات الآخرين، ما قد يجعله عرضة للاستغلال والخداع من قبل الغرباء.
- تراجع التحصيل الدراسي: غالباً ما يترافق ضعف الاهتمام بالطفل مع الحرمان العاطفي، بالإضافة لأن هذا الحرمان يجعل الطفل غير مهتم بدروسه، وهذا وذلك ينعكسان بشكل مباشر على التحصيل الدراسي للطفل ومستواه في المدرسة.
- تراجع مهارات الذكاء: يعاني الطفل المحروم عاطفياً من كثرة التفكير في اهتمام والديه به ومحبتهما له، وفي نظرة الناس له ومدى قبوله من قبلهم، وكثرة التفكير في هذه الأشياء تقلل من تركيزه وتجعله مشتت الذهن، ما ينعكس على مستوى ومهارات الذكاء لديه.
- كثرة الشرود: يلاحظ على الطفل المحروم عاطفياً أنه كثير التفكير، فهو دائماً ما يفكر في كيف يجب أن يتعامل مع الآخرين، وكيف يمكنه كسب محبة واهتمام والديه، وهذا يؤدي به لكثرة الشرود أثناء التعمق في أفكاره هذه.
- تعويض مشاعر النقص عند الطفل: كما ذكرنا فإن الطفل المحروم عاطفياً يعاني من مشاعر نقص بأكثر من جانب في شخصيته، وعملية علاج هذا الحرمان العاطفي، تحتاج أولاً وبالضرورة لتعويض مشاعر النقص هذه، من خلال زيادة التواصل مع الطفل، وابداء المشاعر الإيجابية له، وتغيير فكرته عن ذاته وعن مشاعر والديه تجاهه.
- زيادة وقت الاستماع للطفل والتفاعل معه: أكثر جانب يؤثر عميقاً في نفسية الطفل ومشاعره وإدراكه لمحبة الآخرين له، هي الاستماع له من قبلهم، والاهتمام بحديثه والتفاعل معه، وهنا يكون للاستماع للطفل دور أساسي في علاج مشكلة الحرمان العاطفي لديه.
- التعبير عن مشاعر الحب والتودد للطفل: من أهم خطوات العلاج للطفل الذي يعاني الحرمان العاطفي هو إغداق مشاعر الحب والتودد نحوه، لتغيير صورته عن نظرة الوالدين ومشاعرهما نحوه، وذلك من خلال تغيير طريقة الكلام لتصبح أكثر تضميناً لتعابير عاطفية فيها حب ومودة تجاه الطفل.
- تغيير نمط حياة الأسرة: حرمان الطفل عاطفياً ليس بالضرورة أن يكون موجه له بالتحديد، فكثيراً ما يكون نمط التفاعل المتبع أو الشائع بين أفراد الأسرة، الذي يفتقر للتعبير عن المشاعر تجاه بعضهم البعض هو السبب في نمو مشاعر وأفكار الحرمان لدى الطفل، وبالتالي فإن تغيير هذا النمط من التفاعلي الأسري باتجاه زيادة المودة والعاطفة بين أفراد الأسرة، سوف يكون له تأثير جوهري في علاج مشكلة الطفل المحروم عاطفياً.
- التركيز على العلاقات الاجتماعية: تنمية علاقات اجتماعية يشعر بها الطفل المحروم عاطفياً بأهميته بالنسبة للآخرين ورغبتهم بالتفاعل معه ومحبتهم له وتوددهم نحوه، يعتبر خطوة كبيرة في علاج مشكلة الحرمان العاطفي لديه إذا ما تم تنفيذها بالشكل الصحيح.
- مراجعة مختص نفسي: قد تصل مشاكل وتأثيرات الحرمان العاطفي إلى حد نمو اضطرابات ومشاكل نفسية وعاطفية لدى الطفل، تخرج القدرة على علاجها والتعامل معها من يد الوالدين، وهنا يصبح الطفل بالتأكيد بحاجة للعرض على مختص نفسي واجتماعي للبحث في مشكلته الفردية، وتحدد أفضل السبل لحلها.