التعامل مع الطفل الحزين وعلامات الحزن عند الأطفال
على عكس ما قد تتوقع فإن الحزن العميق تجربة يمرُّ بها كلُّ الأطفال وترتبط بأسباب وعوامل مختلفة قد لا يستطيع الأهل الوقوف عليها أو إدراكها في كل مرة! بل قد تتطور حالة الحزن عند الطفل إلى حالة من الاكتئاب وتؤثر على نفسية الطفل وأدائه، فكيف نتعامل مع الطفل الحزين وما هي علامات الحزن عند الطفل التي يجب أن نهتم بها!
الحزن هو تجربة طبيعية لكل طفل حيث يكون نتيجة استجابة لبعض المواقف المختلفة التي يتعرض لها خلال حياته اليومية، وبالتالي هو تجربة مؤقتة يمر بها الطفل كثيراً، لكن يختلط الأمر على بعض الآباء فلا يفرقون بين الحزن المؤقت أو الحزن العميق وطويل الأمد الذي يتحول إلى اكتئاب.
فالحزن عند الطفل هو شعور مؤقت بالانزعاج كرد فعل على موقف حصل له مثل فقدان لعبة أو عدم تلبية حاجة معينة من حاجاته غير الأساسية أو الشجار مع الوالدين أو الأخوة، ويكون أكثر عمقاً ويأخذ شكل الصدمة في المواقف الأكثر تعقيداً مثل فقدان شخص مقرب أو الخلافات الأسرية المستمرة أو نتيجة تغيرات كبيرة في حياته لم يكن مهيأ لها.
لكن الشكل الأكثر شيوعاً أن يكون الحزن عند الأطفال مؤقتاً عابراً يزول بزوال سببه، يرتبط ذلك بوعي الأطفال من جهة الذي يجعلهم أقل قدرة على الاستغراق في حزن عميق، كما يرتبط بالبيئة العائلة والاجتماعية التي تسعى في الحالات الطبيعية لحماية الطفل من الحزن العميق.
في بعض الحالات يستمر الحزن لفترة أطول من المعتاد، كأن يستمر أكثر من أسبوعين، وهنا يجب الانتباه لأن الحزن قد يبدأ بالتحول لحالة من الاكتئاب الذي يؤثر على سلوك الطفل ونشاطاته اليومية المدرسية وغير المدرسية بسبب استمرار المشاعر السلبية لفترة طويلة.
قد لا يستطيع الطفل الحديث عن حزنه بشكل مباشر وغالباً ما يظهر عليه بطريقة غير مباشرة من خلال تغيّر مستويات نشاطه واستجابته، وتتشابه علامات وأعراض الحزن العابر كثيراً مع علامات وأعراض الاكتئاب التي تستمر لفترة أطول وتؤثر على أداء الطفل وشهيته وتواصله، وأهم علامات الحزن عند الأطفال:
- الانعزال والانطوائية: يبتعد الطفل الحزين عن المشاركات الجماعية والاختلاط مع الأطفال الآخرين ويميل أكثر نحو العزلة، حيث يفضل البقاء بمفرده وتجنب الاختلاط مع الأفراد المحيطين به، وتعتبر هذه من أهم علامات الحزن عند الأطفال.
- اضطرابات النوم: حزن الطفل وكثرة انشغال تفكيره بما يحزنه يسبب له نوع من الأرق ما يؤثر على النوم بشكل سلبي فيواجه صعوبات في الذهاب للنوم والبقاء مستيقظاً لوقت متأخر من الليل.
- فقدان الشهية للطعام: يمكن لشعور الطفل بالحزن أن يسبب له فقدان الشهية لفترة من الوقت بسبب حالته المزاجية، وفي بعض الحالات قد يكون الحزن عند الأطفال سبباً للشراهة والأكل العاطفي.
- البكاء الصادق: من أهم علامات الطفل الحزين البكاء الصادق في محاولة منه للفت الانتباه لما يعانيه وقد يزيد البكاء كلما شعر بعدم اكتراث الآخرين بمشاعره، والمقصود بالبكاء الصادق أي أن الطفل لا يصرخ ويبكي كوسيلة للحصول على أمر ما، بل يعبّر عن حالة حزن حقيقية.
- الشكوى من أمراض وهمية: بعض الأطفال يحاول التعبير عن حزنه عن طريق الشكوى من الأمراض والأوجاع الوهمية في محاولة منه للفت انتباه الوالدين للحصول على اهتمامهم بشكل أكبر.
- فقدان الاهتمام بالأنشطة المفضلة: يفقد الطفل الحزين شغفه بالأشياء التي تسعده في العادة ويصبح قليل الاهتمام بها، حيث تزيد لديه درجة اللامبالاة، كما يصبح أقل نشاطاً من المعتاد بشكل عام.
- الغضب والعدوانية: يمكن لحزن الطفل أن يترجم بصورة سلوكية من خلال تعامله مع الأشياء أو الأفراد الآخرين بغضب وصراخ أو بعنف وعدوانية بعض الشيء، كما يتميز بانفعالات مفاجئة وحساسية أعلى.
كثيرة هي الأسباب التي تؤدي لإصابة الطفل بالحزن وتبدأ من أسباب بسيطة وروتينية إلى أسباب استثنائية وطويلة الأمد، ونذكر فيما يلي أكثر الأسباب شيوعاً لإصابة الطفل بالحزن:
- المشاكل الأسرية: أكثر ما يسبب الحزن للطفل هو المشاكل التي يراها الطفل ضمن أفراد اسرته مثل وجود مشاحنات دائمة بين الوالدين أو انفصال والديه أو تعرض أحد أفراد الاسرة لمشكلة صحية أو السفر لوقت طويل، كل تلك المشاكل تسبب شعور الطفل بالحزن.
- التعرض للتنمر: تعرض الطفل للتنمر والسخرية من قبل الأطفال الآخرين أو الرفض من قبلهم يسبب له مشاعر الوحدة والحزن، ويعتبر التنمر من الأسباب الأكثر شيوعاً للحزن والاكتئاب عند الأطفال.
- تغيرات البيئة المحيطة: تعرض الطفل لتغيرات في المسكن أو الانتقال لمدرسة جديدة يفرض عليه بناء علاقات صداقة جديدة يمكن أن يجد صعوبة في صنعها، كما قد يعاني من مشاكل في التكيف مع البيئة الجديدة ما يسبب له مشاعر الحزن.
- الضغوطات النفسية: مثل الشعور بالإهمال وانشغال الآخرين عنه أو الضغط عليه بفرض الكثير من الواجبات المنزلية والمدرسية والتوقعات المرتفعة للأهل، كل ذلك يمكن أن يكون سبباً للحزن عند الأطفال.
- الإهمال العاطفي: من أكبر التحديات التي تواجه الطفل شعوره بالإهمال العاطفية وفقدان الاهتمام، سواء من أسرته أو من أقرانه في المدرسة أو العائلة، وعادةً ما يمرّ الطفل بشكل طبيعي بحالة من الشعور بالرفض مرتبطة بتقييد حريته ومعاقبته وتقويم سلوكه، لكن في حالات أكثر تعقيداً يرتبط الإهمال العاطفي بحزن طويل الأمد عند الأطفال.
- المشاكل الصحية: قد ترتبط حالة الحزن عند الأطفال بمشاكل صحية عابرة أو مزمنة، على سبيل المثال يعاني الطفل المصاب بنزلات البرد والانفلونزا من مزاج مضطرب، وقد تكون إصابة الطفل بكسر مثلاً أو جرح سبباً للحزن.
الحزن هو تجربة لا بد من مرور كل طفل بها، وعلى الوالدين معرفة كيفية التعامل مع حزن الطفل لتفادي تحول حالة الحزن هذه إلى اكتئاب عام يعاني منه على المدى البعيد، وفيما يلي نذكر أهم النصائح للتعامل مع الطفل الحزين:
- التواصل المستمر مع الطفل: على الوالدين البقاء على تواصل جيد مع أطفالهم وتبادل الأحاديث حول المواقف اليومية التي تعرضوا لها حتى يعتاد الطفل التعبير عن مشاعره بشكل مباشر لوالديه ومعرفة جميع الظروف المختلفة التي يمر بها بشكل يومي.
- تفهم مشاعر الطفل الحزين: يجب على الوالدين تفهم مشاعر الطفل بشكل جيد ومعاملتها بمحبة واحترام وتجنب السخرية منها أو الاستهزاء بها ما يشجع الطفل على التعبير عن مشاعره بشكل دائم دون وجود قلق أو خوف من التعبير عنها.
- تقديم الدعم العاطفي للطفل الحزين: مساندة الطفل من قبل والديه يشعره بالأمان والحب ويزيد من ثقته بنفسه بشكل كبير لذلك يجب تقديم مشاعر الحب والاهتمام للطفل بشكل دائم ومساندته وتشجيعه واستخدام عبارات إيجابية بالتعامل معه في مواجهة المواقف التي يجد صعوبة في التعامل معها.
- الحرص على الروتين اليومي للطفل: وجود روتين يومي ثابت في حياة الطفل يساعد في بقائه بحالة صحية جسدية ونفسية أفضل، لذلك يجب التركيز على أوقات النوم الثابتة وأوقات تناول الطعام واللعب ومواعيد الواجبات الدراسية.
- زيادة الأنشطة الاجتماعية: كثيراً ما يشعر الأطفال بالفرح والسرور من خلال قضاء أوقات برفقة الآخرين من الأقارب والأصدقاء، حيث أن ذلك يساهم في تغير حالتهم المزاجية ويتيح لهم اللعب وتفريغ الطاقة بداخلهم لذلك يجب الحرص على زيادة الأنشطة الاجتماعية للطفل.
- تنمية الأنشطة الإيجابية: ممارسة الطفل لبعض الهوايات مثل السباحة أو لعب كرة القدم وغيرها من الهوايات يساعده في تفريغ الطاقة السلبية ويجنبه كثرة التفكير في الأمور التي تحزنه ما ينعكس بشكل إيجابي عليه بشكل كبير.
- توجيه الطفل وتدريبه على التعامل مع المواقف: عند تعرض الطفل لبعض المواقف الصعبة مثل انتقاله لمدرسة جديدة، فيمكن للوالدين تعليم الطفل كيفية بناء علاقات جديدة لمساعدته في تعلم التكيف مع الظروف المختلفة بطريقة إيجابية ويجبنه مشاعر القلق والحزن.
- استشارة المتخصصين: في حال ملاحظة أن حالة الحزن لدى الطفل لا يوجد لها أسباب واضحة وعجز الوالدين عن التعامل معها، من الأفضل استشارة مختص نفسي حتى يقيم حالة الطفل، حيث يمكن أن يبين إذا ما كانت مشاعر الحزن نتيجة اكتئاب لسبب نفسي أو نتيجة مشكلة صحية يعاني منها ثم وضع خطة علاجية مناسبة.
طفلي حزين بدون سبب! يمكن للوالدين أن يواجهوا حزن الطفل بدون معرفة السبب وراء ذلك ما يجعلهم في حيرة من أمرهم، حيث أن الحزن يمكن أن يكون خليط من عوامل بيولوجية ونفسية وبيئية تسبب للطفل هذا الشعور دون سبب مباشر أو تسبب له حساسية مبالغ بها تجعله يشعر بالحزن بشكل سريع، ومن العوامل التي يمكن أن تسبب ذلك نذكر ما يلي:
- التقلبات الهرمونية: خلال فترة البلوغ لدى الأطفال الذكور والإناث يمكن أن يعاني كل منهما من تقلبات مزاجية حادة نتيجة اضطرابات هرمونية، فالأطفال الذكور (12-14 عام) يزيد لديهم إفراز هرمون التستوستيرون بشكل كبير خلال فترة زمنية قصيرة وهذا يسبب مشاعر الانفعال السريع والغضب والحزن، كما أن الفتيات (9-13 عام) يعانون من زيادة في هرمونات الاستروجين والبروجسترون ما يسبب تقلبات مزاجية ونوع من الاكتئاب المؤقت المتعلق بفترة الحيض ليدهم.
- الاضطراب العاطفي الموسمي (SAD): يمكن أن يعاني الأطفال من الحزن خلال فترة الخريف والشتاء بشكل خاص بسبب قلة التعرض لأشعة الشمس، حيث أن غياب أشعة الشمس يسبب اضطراب الساعة البيولوجية للطفل ويزيد من مشاعر الاكتئاب المؤقت لديه، وهذا ما يعرف باضطراب العاطفي الموسمي، وهو حالة طبيعية يمكن أن يمر بها الأطفال والبالغين على حد سواء.
- الإجهاد الكبير: تعرض الأطفال للكثير من الاجهاد بسبب كثرة الواجبات المنزلية والمدرسية يعتبر سبب رئيسي في الشعور بالحزن، حيث أن ذلك يسبب لهم مشاعر القلق والتوتر والخوف الدائم من النتائج والشعور بعدم امتلاك الوقت الكافي للقيام بكامل واجباتهم.
- نقص السيروتونين: السيروتونين هو مادة كيميائية يتم افرازها من الدماغ وتساعد في زيادة الانتباه وتحسين المزاج وتنظيم درجة حرارة الجسم وتنظيم دورة النوم، والكميات المنخفضة من السيروتونين يمكن أن تساهم في الإصابة ببعض المشاكل النفسية مثل الوسواس القهري واضطرابات القلق، ويمكن زيادته عن طريق العناية بالنظام الغذائي والتعرض الكافي لأشعة الشمس أو تناول مثبطات له توصف من قبل طبيب مختص بعد اجراء الاختبارات اللازمة.
- نقص الدوبامين: الدوبامين أيضاً ناقل عصبي يساعد في الشعور بالسعادة والتعلم والمزاج الجيد والنوم ومشاعر الإثارة، ونقص الدوبامين يسبب مشاعر الحزن والاكتئاب، ويمكن تعويضه في الحلات الطبيعية بقضاء بعض النشاطات الممتعة والمثير للطفل أو تناول وجبات الطعام المفضلة له أو ممارسة الأنشطة المثيرة مثل الرقص والغناء.
يمكن للحزن غير المبرر لدى الطفل أن يكون صعب في التشخيص لمعرفة السبب وراء ذلك لكنه من الناحية العلاجية فلا يختلف عن الحزن الطبيعي للطفل، حيث أن نفس الخطوات تساعد في العلاج في كل الأحوال، باستثناء حالات الخلل الهرموني في الجسم والتي تحتاج لتدخل دوائي من قبل طبيب مختص.