بحث عن العنف وتأثيره على المجتمع
نظراً لازدياد حالات العنف بأنواعها وممارستها بشكل علني في معظم المجتمعات خاصة مجتمعات الدول النامية، أصبح من الضروري التحدث عن هذه الظاهرة بشكل مفصّل ومعرفة أسباب العنف وتأثير انتشاره السلبي على الفرد والمجتمع لإيجاد حلول واقعية من خلال مساهمة كافة فئات المجتمع في محاربة هذه الظاهرة والتخلص منها.
ماذا يعني العنف؟ العنف سلوك إنساني قديم يعود لبداية تشكل المجتمعات، كما أن العنف ظاهرة موجودة في جميع المجتمعات البشرية مع تفاوت في درجتها بين مجتمع وآخر، ويمكن تعريف العنف أنه استغلال فرد أو مجموعة للقوة بمواجهة شخص أو أشخاص آخرين وبقصد التسبب لهم بضرر، لإجبارهم على القيام بعمل ما أو منعهم عنه.
من تعريفات العنف أيضاً هو كل عدوان ينتج عنه أو يمكن أن ينتج عنه معاناة أو أذى لشخص آخر أو لممتلكاته.
حسب تعريف منظمة الصحة العالمية للعنف أنه استخدام القوة الجسدية بشكل متعمد ضد النفس أو ضد شخص آخر أو مجموعة أو ضد المجتمع مما قد ينتج عنه ضرر أو أذى نفسي أو جسدي لهم أو يمكن أن يؤدي للوفاة.
للعنف ثلاثة أنماط رئيسية: وهي العنف الموجه للنفس بإيذاء الشخص لنفسه، والعنف ضد الأشخاص أو ضد الممتلكات، والعنف الجماعي الذي ترتكبه جماعة من الأفراد بشكل منظّم لتحقيق هدف مشترك.
يعتبر المراهقون والشباب الشريحة الأكثر انخراطاً في أعمال العنف، فيما يعتبر الأطفال والنساء أكثر الفئات المعرضة للعنف، فالعنف ضد المرأة والعنف الأسري أكثر أنواع العنف انتشاراً خاصة في المجتمعات النامية، وفي حالات العنف الموجه نحو الجماعات تعتبر الأقليات الأكثر تعرّضاً للتعنيف.
يوجد الكثير من أنواع العنف والتي يمكن أن تتداخل فيما بينها في بعض الأحيان وهنا قمنا بتصنيفها في خمس أنواع رئيسية وهي:
- العنف الجسدي: العنف الجسدي من أكثر وأخطر أنواع العنف فمن الممكن أن يؤدي إلى فقدان حياة الشخص المعتدى عليه، فينطوي تحته القتل، الضرب، التشويه، الإجهاض العمدي، استخدام الأسلحة بأنواعها.
- العنف النفسي: إن استخدام وسائل تهدف لإلحاق أذى عاطفي أو نفسي بأحد الأشخاص دون المس بجسده هو عنف نفسي وينطوي تحته على سبيل المثال الإكراه، التهديد، لوم الضحية خاصة في جرائم الاغتصاب والتحرش، استخدام الأطفال كوسيلة لتهديد الأم، وسوء المعاملة، التنمر.
- العنف الجنسي: هو أي فعل جنسي تجاه شخص عن طريق الإكراه دون رضاه ويشمل الاغتصاب، التحرش الجنسي، الإيحاءات الجنسية.
- العنف اللفظي: يعتبر الكلام المهين والجارح لأحد أفراد العائلة أو خارجها عنفاً لفظياً ويكون باستخدام ألفاظ بذيئة ومؤذية مع الصراخ ورفع نبرة الصوت أو من خلال التحرش اللفظي وكلمات جنسية بالإكراه ودون رغبة الطرف المعنف لفظياً.
- العنف الاجتماعي: تشمل صور العنف الاجتماعي تشغيل الأطفال بالإجبار بأعمال لا تتناسب مع أعمارهم وقدراتهم، الزواج بالإكراه وزواج القاصرات، الاغتصاب الزوجي، منع الأهل لأطفالهم من حق التعليم.
هناك الكثير من الأسباب المباشرة وغير المباشرة التي قد تدفع الفرد للسلوك العنيف، وتتشابك مع أسباب ودوافع العنف الجماعي، ويمكن تحديد دوافع وأسباب العنف كالآتي:
- النشوء في بيئة أسرية عنيفة: عادة ما يكون السلوك العنيف مكتسباً في مرحلة الطفولة نتيجة النشوء في بيئة أو أسرة تتبع العنف منهجاً لحل الخلافات أو تربية الأطفال مما يجعل الفرد ينشأ على العنف ويصبح ذو سلوك عدواني.
- تدني احترام الذات: يمكن أن يؤدي الشعور بالنقص نتيجة سوء المعاملة الدائمة أو التنمر إلى القيام بسلوكيات عنيفة، غالباً ما يكون الهدف منها إثبات الذات أمام الآخرين والحصول على احترامهم.
- انعدام الوازع الأخلاقي والديني: السبب الرئيسي لكل السلوكيات المنحرفة أو العدوانية هو انعدام الوازع الديني والأخلاقي للفرد وغالباً ما تكون نتيجة التربية السيئة أو انعدامها أو التفكك الأسري أو عدم وجود شخص سوي في العائلة يمكن أن يكون قدوة له.
- تعاطي المخدرات: إن تعاطي المخدرات يجعل الفرد غير واعي لما يقوم به فالمخدرات تثبط مراكز المراقبة في المخ فلا يميز الفعل السوي والأخلاقي عن السلوك العدواني الأمر الذي يجعل الشخص معرض بصورة أكبر لممارسة العنف والاستجابة للمثيرات بشكل عدواني.
- التأثير السلبي للمدرسة: يمكن أن تكون المدرسة سبباً في تعزيز السلوك العنيف عند الطالب فضعف النظام التربوي في المدارس وعدم وجود أنشطة تنمي مهاراتهم وتستغل طاقاتهم بصورة صحيحة، ووجود مدرسين غير مؤهلين للتعامل مع الطالب مع استخدامهم العنف اللفظي والجسدي للتعامل معهم في المدرسة كل ذلك يعزز السلوك العدواني والعنيف من قبل الفرد.
- المشاكل المتراكمة: إن مشاكل الفرد المتراكمة وعدم قدرة الشخص على حل مشاكله أو التخلص منها أو حتى مواجهتها يمكن أن تؤدي إلى خروجه عن سيطرته وعدم القدرة على ضبط نفسه نتيجة الضغط المفروض عليه.
- العامل الاقتصادي لتوليد العنف: إن للعامل الاقتصادي دور مهم في السلوك العنيف وانتشاره فالفقر والبطالة يمكن أن يدفع الفرد للعنف إما للتنفيس عن غضبه وما يواجهه من ضغوط وعجز أو لتأمين القوت له ولأطفاله بالقوة من خلال السرقة.
- التعرض للإساءة والإهمال: قد يكون الشخص عانى من التعنيف خلال مرحلة من حياته أو تعرض للإهمال والإساءة مما يجعله يلجأ للعنف كرد فعل على الواقع ورغبة منه للانتقام من المجتمع.
- تأثير الإعلام: إن لوسائل الإعلام دور سلبي لا يستهان به في ترسيخ العنف لدى المشاهد، فمشاهد العنف التي يتم عرضها وتعظيم البطل الذي يأخذ حقه بنفسه وينتقم بالقتل والدم يرسخ في ذهن المشاهد خاصة فئة الأطفال والمراهقين بأن البطولة تكون بالعنف والضرب والقتل ويجعلهم يقلدون هذه المشاهد للظهور بمظهر البطل أمام الآخرين مما ينشئ جيل عنيف من الصعب ردعه.
- أسباب وعوامل نفسية: يمكن أن ترتبط العديد من الحالات العقلية والنفسية بالسلوك العنيف والعدواني ومنها اضطراب ثنائي القطب، النرجسية، اضطراب ما بعد الصدمة، اضطراب الشخصية الحدية، الصرع، الخوف والذهان تشوهات في الدماغ، واضطرابات تعاطي المخدرات.
- الجهل: يلعب مستوى وعي الفرد وثقافته دوراً مهماً في اكتساب السلوك العنيف ودحضه فغالباً ما تجد العنف أكثر انتشاراً في المجتمعات التي تكون فيها نسبة الأمية مرتفعة.
- عوامل وراثية: يمكن أن يكون العامل الوراثي سبباً في السلوك العنيف وإن كان هذا الدور محدوداً بعض الشيء، ففي حال كان الوالدين ذا طبع عنيف فقد تنتقل هذه الجينات إلى الطفل وتؤثر في سلوكه فتجعله عدواني.
- الدوافع الجنسية: تلعب الرغبة الجنسية الجامحة دوراً في اتباع السلوك العنيف وغالباً ما يكون ذلك عند فئة الشباب في فترة المراهقة فالهيجان العاطفي والجنسي خلالها يمكن أن يدفعهم للعنف الجنسي مثل التحرش الجسدي واللفظي.
لا تقتصر الآثار السلبية للعنف فقط على الضحية، بل أيضاً تنعكس اثاره على الفرد العنيف والمجتمع بشكل عام، ويمكن توضيح الأثار السلبية للعنف بالنقاط التالية:
- إلحاق الأذى الجسدية بالضحية: يتسبب السلوك العنيف بأضرار جسدية للضحية أو للشخص نفسه سواء عن طريق ردة فعل الضحية أو القيام بإيذاء نفسه، ويمكن أن تشمل الأضرار الجسدية كسور أو جروح أو ندبات أو تشوهات أو خسارة غشاء البكارة في جرائم الاغتصاب.
- أضرار نفسية جسيمة للطرفين: تعرض الضحية للتعنيف النفسي أو الجسدي والجنسي لمرة واحدة أو بشكل متكرر يتسبب لها بالعديد من الأثار النفسية السلبية كالاكتئاب أو التوتر الدائم وعدم الاستقرار النفسي وحالات من الخوف والهلع ويمكن أن يدفع الضحية للتفكير بالانتحار، كما يمكن أن يجعل من الضحية شخصية عنيفة، وهذه الآثار لا تقل قوّة وقسوة على الشخص الذي يمارس العنف!
- التأثير على بيئة الأسرة وترابطها: في حالات العنف القائم في الأسرة لا تكون نتائجه محصورة بين الشخص العنيف والضحية فقط، بل تنعكس آثاره بشكل كبير على الأطفال حيث قد يتسبب لهم بالشعور بالهلع والخوف الدائم إضافة إلى تعلم ممارسة العنف وانعكاسه على حياة الأطفال المدرسية والاجتماعية، كما يتسبب العنف ضمن الأسرة بتفكك الأسرة وانعزال افرادها عن بعضهم البعض ولجوء الأطفال إلى الخارج لتكوين روابط اجتماعية لتعويض ما يخسرونه في المنزل.
- انتشار الآفات الاجتماعية: من أضرار العنف على المجتمع انتشار الجريمة وزيادة معدلات الانتحار خاصة من قبل الضحية المعتدى عليها، والنبذ الاجتماعي للشخص العنيف مما يؤثر على حياته الاجتماعية وانخراطه في المجتمع.
- الدخول في دائرة العنف الاجتماعي: فقدان الفرد ثقته بأجهزة الدولة مثل الشرطة والأمن والقضاء وقدرتها على تطبيق قوانينها وضبط حالات العنف وردعها يزيد من حالات لجوء الشخص المعتدى عليه إلى أخذ حقه بنفسه وعلاج العنف بالعنف فتنتشر الفوضى والجرائم والعنف في حلقة مفرغة.
- التأثير على النمو الاقتصادي: يمكن أن يخسر الشخص صاحب السلوك العنيف وظيفته أو مصدر رزقه نتيجة تجنب الآخرين أو أصحاب العمل التعامل معه وتوظيفه مما قد يسبب مشاكل مالية للشخص العنيف والذي قد يعود بآثاره السلبية على أسرته أيضاً.
إن علاج العنف والتخلص منه لا يمكن أن يكون بحلول فردية فعلاج هذه الظاهرة يحتاج إلى تعاضد بين فئات المجتمع كلها ومؤسساته، لذلك سنبين دور كل فئة في التخلص من السلوك العنيف والحد منه:
- الاهتمام بدور الأسرة في علاج العنف: تساهم الأسرة في علاج السلوك العنيف خاصة عند الأطفال والمراهقين، وذلك بأن يكون الوالدين قدوة حسنة لأبنائهم عن طريق تجنبهم إظهار المشاكل الأسرية والسلوك العنيف أمامهم إضافة إلى زرع المبادئ الأخلاقية والدينية في نفوسهم، والانتباه إلى الأشخاص الذين يصادقونهم، واتباع أساليب التربية السليمة الخالية من العنف، ومراقبة ما يشاهده الطفل من أعمال فنية يمكن أن تؤثر على شخصيته، والتفكير بالأطفال قبل اتخاذ قرار الانفصال لما لهذا القرار من تأثير على نفسيتهم وسلوكهم.
- تضمين مبادئ رفض العنف في التعليم: تساهم المدرسة بشكل كبير في تصحيح سلوكيات الفرد خاصة العنيفة منها حيث يقع على عاتقها تعزيز مفهوم الحوار بين الأفراد بدلاً من استخدام العنف، وتعليم الطفل كيفية إدارة الغضب وبيان نتائج السلوك العنيف، وزرع المبادئ الدينية والأخلاقية لدى الطفل والمراهق.
- تنمية المسؤولية الفردية تجاه العنف: يكون دور الفرد العنيف في الحد من سلوكياته العدوانية عن طريق تعلم وسائل إدارة الغضب والتعامل معه، استغلال أوقات الفراغ، الابتعاد عن أصدقاء السوء، مراجعة طبيب نفسي في حال وجود مشاكل نفسية لديه، التقرب إلى الله.
- قيام الدولة بدورها للحد العنف: يكون دور الدولة في الحد من ظاهرة العنف بتوفير فرص عمل، فرض قوانين صارمة، ترسيخ دور المؤسسات الدينية لمحاربة العنف والتطرف وتشريع قوانين تحوي عقوبات رادعة.
- التوعية الإعلامية: يكون دور وسائل الاعلام من خلال فرض الرقابة على ما يتم عرضه من أعمال على المشاهد، ومنع المشاهد العنيفة في الأعمال الفنية، وتوضيح أضرار العنف ونتائجه السلبية على الفرد والمجتمع.