كيفية تربية الأبناء بدون أب وأثر غياب والد الطفل عنه
يشكل غياب الأب عن الأسرة تحدياً كبيراً تواجهه الأم في عملية تربية الأبناء، خصوصاً عندما يكون الأبناء بمرحلة الطفولة المبكرة، وعلى الرغم من صعوبة الموقف إلا أنه ليس مستحيلاً فيمكن للأم أن تحقق نجاحاً كبيراً في تربية الأطفال بدون أب بالاستعانة ببعض النصائح والخطوات، وفي هذا المقال نستعرض كيفية تربية الطفل بدون أب وأهم الخطوات المساعدة في تعويض الطفل عن غياب والده.
لا شكّ أن غياب الأب يترك فجوة كبيرة في تربية الأبناء، خصوصاً عندما يرتبط غياب الأب بتغيرات كبيرة أخرى اجتماعية ومادية، لكن يمكن للأمّ أن تعوّض غياب الأب إلى حدٍّ بعيد وأن تلعب دوراً تربوياً مزدوجاً يجعل الأمر قريباً قدر الممكن للحالة الطبيعية.
أهم الأمور المرتبطة بتعويض غياب الأب عن أطفاله ألّا تحاول الأم التقليل من الأب أو كسر صورته أمام أطفاله مهما كان سبب الغياب، وأن تكون مستعدةً للمقاومة الطبيعية التي سيبديها الأطفال والتي قد تصل إلى تحميل الأم نفسها مسؤولية غياب الأب حتى وإن كان السبب وفاته! وفي حال لم تستطع الأم التعامل مع الموقف بمفردها فمن الأفضل استشارة متخصص تربوي.
- تقديم الدعم والحنان: لا مفر من شعور الأبناء بالحزن لغياب الأب في بعض الأوقات مهما تمت العناية بهم ومحاولة إلهائهم عن التفكير بذلك، وعلى الأم أن تركز دوماً على تقديم الدعم العاطفي والحنان للأطفال خصوصاً عند المرور بهذه المشاعر، ذلك عن طريق البقاء بقرب الطفل والتحدث معه ومحاولة فهم ما يشعر به للتخفيف عنه.
- الاقتراب من الأبناء وبناء علاقة صداقة: بناء علاقة صداقة بين الأبناء وأمهم يساعدها أكثر في ضبط أمور الأسرة والتعرف على مختلف المشاكل التي يعانون منها عند غياب الأب، مما يوفر لها القدرة على حمايتهم من مغريات الحياة خارج المنزل التي قد تقودهم دون وعي لبعض الانحرافات السلوكية.
- المحافظة على الحزم: لا يجب أن تصل علاقة الصداقة والدلال مع الطفل للحد الذي يُلغى فيه الوازع من وجود الأم، وإلا سيتم تهميش كلامها وأوامرها من قبل الأطفال وسيعطيهم ذلك المجال للتسيب بدون الشعور بخوف أو رادع من عقاب الأم، وهذا سيصعب بشكل كبير القدرة على ضبطهم بعد ذلك.
- المراقبة الدائمة: مراقبة الأطفال واجب على الأم في حال غياب الأب خصوصاً الأطفال المراهقين، فمهما كانت الأمور مضبوطة في غياب الأب يمكن للأولاد أن يتعرضوا لبعض المشاكل بشكل غير واضح تماماً داخل المنزل، لذا من المهم مراقبة استخدامهم لأدوات التكنلوجيا مثلاً ووضع حدود وقواعد لذلك والتعرف إلى أصدقائهم وتقييم أخلاقهم والتحدث إليهم بهدوء في حال الشك بشيء ما.
- إنشاء روتين يومي للطفل: بحيث يقوم الطفل بنشاطات معينة مكررة تملأ وقته من جهة وتساعده في الانخراط الاجتماعي من جهة أخرى وتلهي تفكيره عن التفاصيل المفقودة في حياته التي يسببها غياب الأب، كما أن هذا الروتين يساعد في زياد الشعور باستقرار الطفل.
- الاعتماد عليه ببعض المهام المنزلية: وذلك بما يتناسب مع عمر الطفل بحيث يساعد ذلك على إشراك الطفل بالنشاطات العائلية وانخراطه بالجو العائلي ويوضح له أهمية مساندته لوالدته واخوته في غياب الأب، كما يعلم الطفل الاستقلالية وتحمل المسؤولية وما إلى ذلك من الأمور التي قد يفقدها الطفل في غياب الأب عنه.
- توضيح الحدود التربوية: ووضع قواعد للمنزل والتحذير من تجاوزها مثل قواعد النوم والدراسة وطريقة تعامل الأطفال الاخوة مع بعضهم داخل المنزل وتوضيح العقاب لكل تجاوز يقومون به، كما يجب الالتزام بتطبيق هذه القواعد وليس فقط الحديث عنها حتى يلتزم بها الأطفال بشكل فعلي. [2-3]
من المهم بداية أن تكون الأم على دراية بالتأثيرات التي قد تظهر عند أحد أطفالها كنتيجة لغياب وجود الأب في حياته، فعند فهم الأم لهذه الأمور تتمكن من التعامل بشكل أفضل مع أطفالها:
- الشعور بنقص الدعم: الأب يشكل الكيان الداعم للأسرة على جميع الأصعدة النفسية منها والاجتماعية والمادية، وعند شعور الطفل بخلل هذه الأمور في حياته بسبب غياب الأب سيتشكل لديه شعور بفقدان الأمان وفقدان السند والدعم.
- ضعف الثقة بالنفس: يسبب غياب الأب عن أسرته انسياق الطفل للشعور بالنقص في حياته وأنه أقل سعادة من أقرانه الأطفال اللذين يعيشون مع كلا أبويهم، وهذا ما يتسبب مع الوقت بخلق شخصية ضعيفة الثقة بالنفس خصوصاً عندما يتعرض الأطفال للتنمر من أقرانه بسبب غياب الأب عن حياته.
- الانسحاب وتجنب المواجهة: الشعور بالحرمان من الأمن والسند الذي يخلفه غياب الأب عن الأسرة قد يضع الأطفال في حالة مستمرة من الخوف والتردد لغياب الدعم عنهم، مما يؤدي أحياناً إلى الميل للانسحاب وعدم المواجهة عند الأطفال سواء خلال فترة طفولتهم أو حتى عندما يكبرون.
- غياب النموذج الذكوري للأبناء: وجود الأب كنموذج ذكوري في حياة الأطفال له دور مهم في تطور شخصياتهم وهويتهم، وغياب هذا النموذج يشكل ثغرة تؤثر بطرق مختلفة على تكوين ونمو الأطفال نفسياً وسلوكياً واجتماعياً، ويختلف هذا التأثير حسب أعمار الأطفال وجنسهم، فالبنات مثلاً في مرحلة المراهقة ينجذبن بشكل غير إرادي للرجال الأكبر سناً الذين بعمر آبائهم لتعويض النقص في النموذج الذكوري، أما الأطفال الذكور فيمكن أن تنجر شخصياتهم للضعف والجبن في بعض الأحيان، أو لقلة النضج والعدوانية أحيان أخرى.
- ضعف الأداء الأكاديمي: يتأثر الأداء الأكاديمي للأطفال بكثير من الطرق عند غياب وجود الأب عن الأسرة، حيث يسبب عدم وجود الأب قلة الانضباط إلى حد ما في الأسرة، وهذا ما قد يشتت انتباه بعض الأطفال عن التحصيل الأكاديمي ويقلل الاهتمام به.
- ضعف الاستقلالية: بما أن غياب الأب يزعزع كيان الأسرة فقد يعاني الكثير من الأطفال إثر ذلك من صعوبة الاستقلالية سواء نتيجة الظروف المادية والاجتماعية السيئة التي يخلفها غياب الأب، أو نتيجة قلة الثقة والشجاعة التي تسبب صعوبة باتخاذ القرارات بشكل مستقل.
- الاستعانة بأحد الأقارب: كأحد الأعمام أو الأخوال أو الأجداد وذلك لتشكيل نموذج ذكوري إيجابي في حياة الأطفال يملأ الفراغ الذي تركه غياب الأب ويعوض عن وجوده قدر الإمكان، هذا ما يقلل من المشاكل النفسية التي يتعرض لها الأطفال بسبب الشعور بالحرمان من الأب.
- احتواء الطفل في حالات حزنه: لابد لأطفال الأسرة أن يمروا بمواقف يشعرون بها بالاشتياق لوجود آبائهم والحنين لهم، وهذا الوقت أهم وقت لتقدم الأم الدعم العاطفي لطفلها واحتوائه لمساعدته في تهوين شعور الفقدان والتفريج عنه.
- مساعدة الطفل على تقبل واقعه: يشكل بعض الأطفال أحياناً ردود فعل قاسية عندما يبدؤون التماس سلبيات غياب الأب عن حياتهم، وهنا يقع على عاتق الأم مهمة تهوين الوضع على طفلها ومساعدته في تقبل ذلك من خلال الحديث معه والتقرب منه وامتصاص غضبه وحزنه.
- عدم حرمان الطفل من التواصل مع أبيه: عندما يكون سبب غياب الأب هو الانفصال أو السفر أو غير ذلك فيجب على الأم أن تحافظ على تواصل طفلها مع أبيه وأن تتخلى عن فكرة إبعاد الطفل عن أبيه مهما كان السبب.
- تشجيع الطفل للتعبير عن مشاعره: من المهم أن تركز الأم في جعل طفلها يعبر عن مشاعره بسبب غياب أبيه فهذا يساعد الطفل على تجاوز مشاعر الفقدان والحرمان التي قد يعيشها كما يخفف من حزنه والتأثيرات السلبية التي قد يتعرض لها نتيجة لذلك.
- التكلم عن الذكريات: قد يساعد مشاركة الذكريات المتعلقة بالأب في تحسين حالة الطفل عندما يشعر بالشوق والحنين لأبيه، ويكون ذلك بمشاركة الأم للذكريات الجميلة والحديث بشكل إيجابي عن الأب وعن شخصيته. [4]
- توضيح سبب غياب الأب: مساعدة الأطفال على فهم سبب غياب الأب بما يناسب أعمارهم وعدم ترك الأمر غامض وغير مفهوم يساعد في تقبل الأطفال لفكرة غياب الأب عن حياتهم وبالتالي تقل التأثيرات السلبية التي تحدث بسبب ذلك.
- طلب الدعم من المحيط: بالتأكيد لن تكون الأم وحدها قادرة على إنجاز كل ما يتعلق بمتطلبات الأسرة وحياة الأطفال، لذا ينصح بطلب الأم للمساعدة من أفراد محيطها الاجتماعي من أصدقاء وأهل وأقارب للتعاون في المحافظة على بيئة صحية وسليمة للأسرة.
- الحرص على قضاء وقت عائلي بشكل مكرر: من الممكن أن تسبب كثرة المسؤوليات والأعمال التي تنجزها الأم وحدها في غياب الأب بانشغالها عن أطفالها لوقت طويل وعدم إتاحة فرصة لقضاء أوقات سوية، وهذا يزيد من فرص تضرر نفسية الأطفال، لذا من المهم تخصيص وقت للعائلة بشكل مستمر ودائم للحفاظ على ارتباط أفراد الأسرة ببعضهم الذي يعتبر من أهم عوامل نشوء بيئة أسرية صحية.
- عدم تحميل الطفل مسؤوليات الكبار: فعلى الرغم من أهمية إشراك الطفل في مختلف المسؤوليات والأعمال المنزلية في حال غياب والده إلا أن هذه المسؤوليات يجب ألا تتجاوز القدرة الاستيعابية لعمره وجنسه، ففي حال أخطأت الأم بهذا الأمر ستكون العواقب النفسية لغياب الأب أسوء على الطفل.
- البحث عن مكان مناسب لرعاية الأطفال: حيث يساعد ذلك الأم على تأمين أطفالها في مكان مريح لهم ريثما تقوم ببعض المهام الملقاة عليها أو تذهب للترفيه عن نفسها بعض الوقت دون أن تقلق على أطفالها.
- تحديد الميزانية: وذلك بتسجيل المصاريف بشكل يومي وتصنيفها بين الضروري وغير الضروري، ومن ثم ضبط هذه الميزانية بما يتوافق مع الأسرة وأسلوب حياتها وتجديدها باستمرار، هذا يساعد الأم في ضبط حياة أسرتها المالية التي تكون أصعب بكثير في غياب الأب، كما يمكنها ذلك من تعليم أطفالها كيفية ضبط المصاريف. [3-4]
- اعتني بنفسكِ: أهم نصيحة يجب تقديمها للام التي تربي أطفالها وحدها هي عدم إهمال نفسها نفسياً وجسدياً واجتماعياً، لأن كثرة الضغوط والمسؤوليات الملقاة على عاتقها قد تتسبب في تأذي الأم بحد ذاتها وهذا ما يفقدها القدرة على العناية بالأسرة وضبطها، مما يزيد من فرص تدهور حال الأسرة والأطفال.
- اطلبي الدعم من أسرتك: تبقى أسرة الأم الملجأ الأكثر أماناً التي تستطيع الاستعانة به في ظل الظروف الصعبة وكثرة المسؤوليات عند غياب الأب، حيث يستطيع الجدين تحديداُ دعم الأطفال والتخفيف بشكل كبير من الحرمان العاطفي الذي يعيشونه، كما يمكن الأخوال والخالات بالإضافة للجدين مساعدة الأم في تخفيف الضغط النفسي والجسدي عنها الذي يسببه غياب الأب عن أسرتها.
- اطلبي المشورة من أخصائي نفسي: يساعد ذلك الأم على فهم أفضل لكيفية التعامل مع أطفالها خصوصاً لو ظهرت عليهم أحد التأثيرات السلبية النفسية لغياب الأب، ومن جهة أخرى يمكن للام التحدث مع أخصائي نفسي عن نفسها وعن الضغوطات التي تعاني منها لتحصل على مساعدة مناسبة تخفف عنها.
- تجنبي تشويه صورة الأب: مهما كان سبب الانفصال مشوهاً بنظر الأم يجب أن تتجنب تماماً محاولة تشويه صورة الأب بعين أبناءها خصوصاً عندما يكونوا بمرحلة المراهقة فعواقب هذا الأمر أسوء على نفسية وسلوك الأطفال ويكون أصعب في العلاج مستقبلاً.
- امنحي نفسك بعض الرفاهية: مشاغل ومسؤوليات الأم الوحيدة التي تربي أسرتها بمفردها قد تلهيها عن نفسها وعن رفاهيات الحياة وهذا الأمر يزيد الضغط والحمل على الأم ويصعب عليها أداء مهامها، لذا يجب أن تحافظ الأم على بعض الرفاهية بين الحين والآخر بعيداً عن هموم العائلة والأسرة ومشاكلها وتلتقي مع أصدقائها وأقاربها وما إلى ذلك. [3]