تعريف العقدة النفسية والفرق بين العقدة والاضطراب
كثيراً ما نطلق أحكاماً على شخص ما أنه معقّد نفسياً! وبأن لديه عقدة من كذا أو كذا، والحقيقة أن منشأ هذا الحكم يعود لأحد مصطلحات علم النفس التحليلي وهو (العقدة النفسية)، فما هي العقدة النفسية وما أشهر أنواعها، وما الفرق بينها وبين المرض أو الاضطراب النفسي، وكيف يتم علاج العقد النفسية!
ما معنى العقدة النفسية؟ تُعرِّف الجمعية الأمريكية لعلم النفس العقدة النفسية (بالإنجليزية: Psychological Complex) بأنها مجموعة من الدوافع المترابطة التي تتكون نتيجة مجموعة من التجارب غير العادية في حيات الأفراد، وتمتلك تأثيراً قوياً وغير واعٍ على التفكير والسلوك، وتتمحور العقدة النفسية عادةً حول موضوع معين مثل السلطة أو النقص.
أسّس لمفهوم العقدة النفسية عالم النفس السويسري كارل يونج، الذي فسّر العُقد النفسية أنها نتيجة لمشاعر وذكريات ومواقف وتجارب حياتية مقموعة ظاهرياً لكنها راسخة في اللاوعي الشخصي، وتشبه العقدة إلى حدّ بعيد نظام الطيار الآلي! فعندما يتعرض الشخص لموقف معين يستفز مجموعة من الذكريات والتجارب المشاعر الكامنة المرتبط بها، نتخذ موقفاً حاداً عاطفياً تلقائياً مرتبط بالعقدة النفسية، وكأن أحدهم قد ضغط على زر عواطفنا وأطلقها دون وعي.
عادةً ما ترتبط العقدة النفسية بتجارب صادمة، مثل التعرض للإساءة والإهمال أو التعرض للنبذ أو المرور بتجارب عنيفة في الطفولة، وبعض الصدمات الأقل وضوحاً والأكثر تعقيداً مثل انفصال الوالدين وارتباطه بظروف مادية أو اجتماعية سيئة.
لا يتم التعامل مع العقدة النفسية بوصفها اضطراباً عقلياً وإن كانت ترتبط فعلياً بالاضطرابات النفسية والعقلية، وأهم الفروقات التي يمكن ملاحظتها بين العقد النفسية واضطرابات الصحة العقلية والنفسية أن العقدة منشأها بيئي دائماً وترتبط بأحداث ومواقف معينة تبني منظومة استجابة لدى الفرد تظهر في مواقف محددة أيضاً، فيما ترتبط الاضطرابات النفسية والعقلية بعوامل أكثر تعقيداً منها العوامل الوراثية وظروف الولادة والعوامل البيئية.
وفيما قد يرتبط الاضطراب النفسي بخلل في كيمياء الدماغ وحجم مناطق معينة في المخ، ترتبط العقدة النفسية بالتجارب الشخصية وخصوصاً المبكرة، هذا يجعل الاضطرابات العقلية والنفسية أكثر تأثيراً على مجمل السلوك والشخصية وأكثر إعاقةً لحياة المرضى، ويجعل العقد النفسية أيضاً أسهل في تتبع أسبابها والتعامل معها بتقنيات التحليل النفسي والعلاج السلوك المعرفي.
على سبيل المثال يمكن أن تنتهي تجربة انفصال الوالدين بفضيحة مرتبطة بالخيانة الزوجية أو قسوة الأم المبالغ بها إلى تطور عقدة مادونا والعاهرة عند الأبناء، وهي عقدة نفسية تصيب الذكور على وجه الخصوص وتجعلهم غير قادرين على التعامل مع المرأة إلى بوصفها قديسة أو عاهرة، ويعتقدون أن الجنس يدنس الحب، ومجرد الوصول مع الأنثى للعلاقة الجنسية يعني أنها لم تعد قديسة بما يكفي! وقد تطور هذه العقدة إلى سلوكيات منحرفة للانتقام من النساء التي يصنفهن المصاب بها على أنّهن عاهرات.
هناك عدد لا نهائي من العقد النفسية المتباينة بمدى تعقيدها وتأثيرها على السلوك والشخصية والمواقف الفكرية، وعمل رواد مدرسة التحليل النفسي على تصنيف أهم هذه العقد، ابتداءً بعقدة أوديب وإلكترا وليس انتهاءً بعقدة سوبرمان! وأهم أنواع العقد النفسية:
- عقدة أوديب: واحدة من أشهر العقد النفسية التي تعتبر بداية التأسيس لمفهوم العقدة النفسية والفصل بينها وبين الاضطراب العقلي، وتتمثل عقدة أوديب بالميل الجنسي الذي يتكون لدى الطفل الذكر تجاه والدته ورغبته بامتلاكها والسيطرة عليها، وعادةً ما تتطور لديه مواقف وسلوكيات نتيجة قمع هذه الرغبة، واشتق اسم العقدة من أسطورة أوديب الذي تزوّج من أمه وعندما اكتشف ذلك قلع عينيه.
- عقدة الكترا: هي المعادل الأنثوي لعقدة أوديب، حيث تتطور نتيجة الميل الجنسي للبنت نحو والدها في الطفولة المبكرة، واسمها مشتق من أسطورة الأميرة الكترا التي حرضت أخاها على قتل والدتهما انتقاماً لوالده بعد أن أطاحت به بمؤامرة مع عشيقها!
- عقدة الاضطهاد: ترتبط عقدة الاضطهاد بالتجارب التي تولّد شعوراً بالنبذ والأذى غير المبرر في الطفولة المبكرة، والتي تجعل الفرد فيما بعد يتعامل مع الجميع بشيء من الريبة ويربط كل المشاكل بحياته بمحاولات الآخرين لإيذائه، وتشبه هذه العقدة إلى حد ما اضطراب جنون الارتياب أو جنون العظمة مع الفارق في المنشأ والتأثير على حياة الشخص.
- عقدة البطل أو عقدة سوبرمان: ترتبط هذه العقدة برغبة شديدة لمساعدة الآخرين، ليس فقط من باب عمل شيء مفيد وخيّر بل للاعتقاد أيضاً أن الآخرين غير قادرين على تلبية بعض احتياجاتهم بأنفسهم، وأن الصدفة أو القدر تضع الشخص صاحب العقدة في طريقهم لإنقاذهم.
- عقدة النقص: من العُقد الشائعة حيث يعتقد الشخص أنه لا يستحق وأنه أقل قدراً وأهمية من الآخرين، وهذه العقدة حتى إن استطاع الشخص التفوق والنجاح سيشعر أن ما وصل إليه ليس كافياً وأنه وصل إليه بالصدفة أو الحظ، ما يعرف أيضاً بمتلازمة المحتال.
- عقدة التفوق: هي النقيض من عقدة النقص، حيث يشعر الشخص باستحقاق غير مبرر وأفضلية بلا سبب على الآخرين، تجعله أيضاً مصاباً بعقدة الاضطهاد أحياناً لأنه الآخرين لا يستحقون النجاح!
- عقدة الذنب: عقدة نفسية شائعة تجعل الفرد يجلد ذاته ويلوم نفسه على كل ما يحدث في حياته أو حتى للآخرين من حوله، تتطور هذه العقدة غالباً في بيئة تربوية تحمّل الأطفال أكبر من مسؤولياتهم وتضخم من أخطائهم بشكل عنيف وقاسي.
السبب الرئيسي للعقدة النفسية يرتبط بمرحلة الطفولة المبكرة وبدرجة أقل بتحارب البلوغ والمراهقة، وعادةً ما تكون التجارب الحياتية المسببة للعقدة النفسية تجارب غير عادية أو غير طبيعية، لكن هذا لا يعني أنها بالضرورة تجارب مأساوية! على سبيل المثال قد يكون الدلال والاهتمام الزائد سبباً لعقدة نفسية، وقد يشكّل المبالغة بالمديح والثناء في الطفولة نقطة بناء للعقد.
على الرغم أن العقد النفسية لا ترتبط مباشرةً بعوامل وراثية، لكن بعض العوامل الوراثية قد تجعل الفرد أكثر تأثّراً بالعقد النفسية، كما أن الاضطرابات النفسية والعقلية تعزز من تأثير العقد النفسية على السلوك والشخصية.
يعتمد علاج العقد النفسية بشكل أساسي على فهم جذورها، وتعتبر أساليب التحليل النفسي الأكثر شيوعاً في التعامل مع العقد النفسية بما أن رواد مدرسة التحليل النفسي هم أو من صنّف نمط العقدة النفسية وفصّلها، كما يتم اتباع تقنيات العلاج السلوكي المعرفي في معالجة العقد النفسية المختلفة، من خلال إعادة تكوين المفاهيم والاستجابات المرتبطة بسبب العقدة والتي تؤثر على رد فعل الشخص.
العقدة النفسية في نهاية الأمر مجموعة من الصراعات الداخلية العاطفية المرتبطة بموقف أو حدث ما ربما كان الفرد عاجزاً عن أخذ أي إجراء حياله وقت وقوعه، ولذلك يكون علاج العقدة النفسية قائماً على إعادة فهم الموقف والحدث الأساسي وإعادة تكوين الاستجابة العاطفية للمواقف التي تعتبر محفّزاً للعقدة.
ليس من الشائع اللجوء للأدوية لعلاج العقدة النفسية، ولكن في بعض الحالات قد تساعد الأدوية المضادة للاكتئاب والمهدئات في معالجة العقدة النفسية إمّا من خلال تقليل أعراض مضاعفات العقدة النفسية أو تقليل أعراض الاضطرابات النفسية المصاحبة، أو من خلال تعزيز قدرة الفرد على الاستجابة للعلاج.