صفات الطفل النرجسي والتعامل مع نرجسية الأطفال
عادةً ما يظهر اضطراب الشخصية النرجسية في مرحلة بين الطفولة المتأخرة والمراهقة، وتكون هناك مجموعة من الصفات والعلامات التي تشير إلى النرجسية عند الطفل، لكن وصف الطفل بالنرجسي ليس أمراً سهلاً! لأن النرجسية ليست مجرد سمات شخصية بل هي اضطراب نفسي مميّز قابل للتشخيص السريري وله بروتوكولات علاج معتمدة في الطب النفسي.
يمكن تعريف النرجسية عند الطفل أنها المبالغة بتقدير الذات والتوقعات المفرطة بالاهتمام والاستحقاق غير العقلاني، وحسب الدليل التشخيصي والإحصائي لاضطرابات الصحة العقلية الإصدار الخامس فإن اضطراب الشخصية النرجسية هو مشكلة تتعلق بالصحة العقلية، تؤدي لشعور عالي عند الفرد بتقدير الذات والأهمية المبالغ بها، وهوس في الحصول على الإطراء والإعجاب وتقدير الإنجازات، واعتقاد راسخ أنه يستحق معاملة خاصة في كل مكان وفي كل موقف، وتمثل هذه الصفات اضطراب في الشخصية عندما تستمر مع الطفل لنهاية مرحلة المراهقة وبداية الرشد.
إن حاجة الطفل للإطراء والثناء وشعوره بتقدير نفسه وإن كان مبالغاً به لا يدل بالضرورة على النرجسية، ولكن ظهور أعراض شديدة ومتسمرة تؤثر على سلوك الطفل وعلاقاته الاجتماعية والأسرية بشكل سلبي ولا يستطيع التحكّم بها أو تهذيبها قد يكون إشارة قوية على النرجسية، خصوصاً عند الأطفال الأكبر سناً والمراهقين بين 12 و18 سنة
- شعور مبالغ به بالتفوق: يشعر الطفل النرجسي بأنه متفوق على زملائه ويسعى جاهداً لتحقيق ذلك بطرق مختلفة، من خلال امتلاك أشياء لا يمتلكونها أو التقليل من إنجازاتهم وامكاناتهم، أو التفوق في الدراسة أو أي شيء آخر يغذي شعوره بأنه متفوق على أقرانه.
- الرغبة بالتقرب من الأشخاص المتفوقين: يميل الطفل النرجسي للتقرب من الأشخاص المثيرين للاهتمام والذين يعتبرون متفوقين على غيرهم بشكل عام أو مجال معين، ففي المدرسة مثلاً يرغب الطفل النرجسي بمصادقة الأطفال الأوائل أو الأغنياء المنحدرين من طبقات عليا، حتى يشعر بأنه ينتمي لهؤلاء المتفوقين وهو أفضل من باقي الأطفال.
- الميل للتقليل من شأن الآخرين: يسعى الطفل النرجسي دائماً للفت الانتباه لنفسه وممتلكاته وانجازاته وتفوقه، ويريد أن تكون هذه الأشياء محط أنظار الجميع حتى يكون هو مركز الاهتمام، وعندما يلاحظ أن طفل آخر لديه صفات أو أشياء ملفتة للنظر أيضاً فهو يميل غالباً للتقليل من شأنه حتى يبقى هو بالصدارة.
- تمركز التفكير حول الذات: الطفل النرجسي يفكر دائماً في نفسه ولا شيء سواها وحتى إذا ابدى اهتمام بأشياء أخرى يكون الدافع غالباً الحصول على ميزة منها تجعله أفضل وترضي رغبته بالتفوق، ويتجلى ذلك على هيئة الرغبة بالتقاط الصور أو قضاء وقت كبير أمام المرآة أو ارتداء أفضل الملابس.
- الشعور بالأفضلية والاستحقاق: يشعر الطفل النرجسي بأنه صاحب الأفضلية دائماً في كل شيء وهو يستحق اهتمام أكبر وإعجاب أكبر من قبل الآخرين، ويتركز هذا الشعور على الوالدين، وهذا يفسر بعض التصرفات والميول الأنانية عند الطفل النرجسي.
- استغلال الآخرين: تعتبر هذه الصفة منتشرة أكثر في مرحلة المراهقة والبلوغ وليس في مراحل الطفولة المبكرة، فالشخص النرجسي يبدي رغبة دائماً في استغلال الآخرين عاطفياً أو مادياً أو اجتماعياً لبلوغ أهداف شخصية غالباً ما تتعلق بنجاحة وتفوقه وظهوره بصورة أفضل.
- الحاجة لنيل الإعجاب دائماً: يريد الطفل النرجسي دائماً الحصول على الإعجاب والمديح والإطراء من قبل الآخرين وخاصة الوالدين، فهذا يرضي نزعة التفوق لديه وغروره، لكن يجب التمييز بين رغبة الطفل بالإطراء والثناء الطبيعية وبين المشاعر النرجسية، فالطفل النرجسي لا ينظر للثناء أو الإطراء كميزة، بل يتعامل معه بتكبر وكأنه هو الحالة الطبيعية.
- ضعف التعاطف مع الآخرين: من السمات البارزة عند الأطفال أو حتى الكبار ممن يعانوا من اضطراب النرجسية أن تفكيرهم دائماً منصب على الذات والرغبات والأهداف الشخصية، ولا يستطيعون فهم أو تقدير مشاعر الآخرين أو التعاطف معهم حتى لو كانوا مقربين.
- منح الإنجازات أكبر من قيمتها: يبالغ الطفل النرجسي في تقدير أهميته وأهمية الإنجازات التي يقوم بها حتى لو كانت عادية، بل أنه أحياناً يسعى لإنجاز شيء ما لمجرد الحصول على الاطراء والإعجاب، حيث أن هذه الإنجازات تعطيه شعور بأنه أفضل من سواه.
- تخيلات غير واقعية حول الذات: من أكثر ما يميز الأطفال النرجسيين هي الخيالات غير الواقعية التي يستغرقون بها دائماً، والتي غالباً ما تدور حول التفوق والحصول على أشياء مميزة والوصول لمناصب رفيعة، وتتعدى هذه التخيلات أحلام اليقظة العادية عند جميع الأطفال.
كيف يصبح الطفل نرجسياً؟ اضطراب الشخصية النرجسية له أساس وراثي وبيولوجي قوي، لكن البيئة التي يعيش فيها الطفل والمواقف التي يتعرض لها والسياق التربوي هي عوامل حاسمة في تطوير الشخصية النرجسية، ومن أهم أسباب النرجسية عند الأطفال:
- المبالغة في مدح الطفل من قبل الوالدين: أحياناً يتبنى الأهل نمط تربوي يقوم على امتداح الطفل دائماً أو الإطراء عليه ظناً منهم أن ذلك سوف ينمي لديهم الرغبة في التفوق، ولكن كثيراً ما تؤدي هذه الطريقة لتنمية الصفات النرجسية إذا تمت المبالغة بها، خاصة في حال تمحور هذا الامتداح حول شخص الطفل وليس إنجازه، فالطفل يتعلم أنه هو متفوق أكثر من غيره دون أن يرتبط ذلك بسبب في ذهنه كإنجاز أو فعل، أما عند قيام الأهل بمدح سلوك معين أو إنجاز قام به فهو سوف يربط هذا المدح بالإنجاز وبالتالي ينمي ثقة بنفسه بدلاً من الصفات النرجسية.
- التوقعات المرتفعة من الوالدين: من الشائع جداً أن يقوم الوالدين بوضع توقعات مبالغ بها وغير واقعية من الطفل، وهذا يجعل الطفل يسعى لأن يكون على قدر هذه التوقعات ولكن بسبب صغر سنه وسعة خياله من المحتمل أن يعيش حالة يعتقد فيها أن هذه التوقعات الكبيرة سوف تصبح أمر واقع لا محال، وعلى هذا الأساس يصبح لديه تصور بأنه أفضل من غيره وأكثر تفوقاً.
- تربية الطفل على أنه يستحق أكثر من غيره: أيضاً من الأخطاء التربوية التي يتبعها بعض الأهل أن يصورا دائماً للطفل بأنه يستحق كل شيء أكثر من غيره من دون وجود سبب مقنع لذلك، فيكبر الطفل وهذا تصوره عن نفسه، ما يجعل الصفات النرجسية تستمر وتنمو معه.
- وراثة صفات نرجسية عن الوالدين: يرث الطفل بالحالة الطبيعية الكثير من صفات والديه، سواء كانت عواملها جينية أو تربوية، وإذا كان أحد الوالدين لديه شخصية نرجسية فمن المحتمل أن يرث الطفل هذه الصفة وبالتالي ينمو لديه اضطراب الشخصية النرجسية مع تقدمه بالعمر.
- النشوء في بيئة تركّز على الفرد: بعض البيئات الثقافية التي ترتبط ببلد معين أو طبقة اجتماعية معينة يكون فيها التركيز بشكل عام على الفرد وليس على المجموعة، مثل حالة البلدان الغنية أو الطبقات الاجتماعية التي لا تنجب العديد من الأطفال، وحسب بعض الدراسات فإن نشوء الطفل بهذه البيئة يجعله معرض أكثر لتنمية صفات نرجسية في شخصيته ولكن ليس بالضرورة أن تتحول لاضطراب.
- التعرض للإساءة في مرحلة الطفولة: تعرض الطفل للإساءة أو الإهمال أو سوء المعاملة أو التحرش أو فقدان أحد الوالدين وغير ذلك من الظروف، قد يسبب للطفل اضطرابات نفسية عديدة ومشاعر بالنقص، وهذا إذا توافق مع بعض الظروف قد يؤدي بالطفل لتنمية شخصية نرجسية كشكل من رد الفعل لتعويض جوانب النقص في شخصيته أو ظروف حياته.
- تعرَّف أكثر على الشخصية النرجسية: قد لا يكون التعامل مع الطفل النرجسي أمر بسيط ويمكن للأهل اتقانه ببساطة، لذا يحتاج الأمر للتدرب والتعرف بشكل أفضل على ماهية اضطراب الشخصية النرجسية وأفضل السبل للتعامل معها في الحياة اليومية، حتى لا يقوم الأهل عن غير قصد بتعقيد المشكلة وزيادتها أو تخريب العلاقة مع طفلهم.
- ضع حدوداً ثابتة للطفل النرجسي: الطفل النرجسي يبالغ في التقليل من شأن الآخرين ونزعته للاستحقاق، وإذا تمت مسايرته دائماً فإن ذلك قد يؤدي الوالدين ومن حوله، وقد يعمق المشكلة لديه، لذا يجب وضع حدود ثابتة لا يمكنه تجاوزها حتى تصبح تصرفاته أقل حدة وتطرف.
- لا تتسامح مع الإساءة: لا يجب السماح للإهانات أو الإساءات التي يقوم بها الطفل النرجسي أن تمر ببساطة، فهو أحياناً يقوم بالإساءة بشكل مقصود لاختبار رد الفعل عليها، وعند عدم التسامح معها سوف يتراجع الطفل النرجسي عن هذا السلوك بدلاً من غرسه في شخصيته وطريقة تعامله.
- لا تسعَ لإرضاء طفلك دائماً: السعي الدائم من قبل الأهل لإرضاء الطفل النرجسي وفعل ما يريد، هو ما ينمي لديه اعتقاده بأنه أكثر أفضيلة واستحقاق وأن رغباته يجب أن تكون لها أولوية على الآخرين، وهذا يبدي ضرورة عدم المبالغة في إرضاءه والتعامل معه بشكل طبيعي في سياق ما له من حقوق وما عليه من واجبات، ولكن مع الحذر من استفزازه أو الضغط والقسوة عليه.
- تحرى دائماً عن صدق أقواله: كثيراً ما يلجأ الطفل النرجسي للكذب لتبرير سلوكياته أو الحصول على أهداف معينة له، أو إظهار نفسه بشكل أفضل، وهذا يستوجب على الأهل التحري دائماً عن حقيقة أقواله حتى لا يتم خداعهم من قبله وما قد ينتج عن ذلك من اضرار على شخصيته أو على الأسرية بشكل عام، مثل تعلم السرقة أو التسبب بالتخريب.
- لا تبالغ بالتأثر بردود أفعاله العاطفية: الشخصية النرجسية تتصف بقلة التعاطف بشكل عام، وهذا قد يزعج الأهل ويجعلهم يعتقدوا أن لديهم مشكلة تجعل طفلهم لا يحبهم أو يهتم بهم، ويجب عدم المبالغة في هذا التأثر حتى لا تستأثر المشاعر السلبية مثل الشعور الذنب أو تأنيب الضمير لدى الأهل تجاه أشياء ليست حقيقية.
- قدم له بعض الدعم: حتى تكسب ثقة طفلك النرجسي وتحسين العلاقة معه وتتمكن من التأثير على سلوكياته في مرحلة لاحقة أو المساعدة في علاجه، يجب أن تقدم له الدعم خاصة في الظروف التي يشعر فيها بالإحباط والعجز والوحدة، فهذا يمثل له يد العون التي سوف تساعده لاستعادة مكانته إن حسن من سلوكياته.
- التحدث مع الطفل بمودة ولطف: من الجيد التحدث مع طفلك النرجسي حول كيفية تأثير تصرفاته وكلامه على الآخرين حوله ممن يحبونه ويقدموا له الدعم، وأن استمراره بطريقة التعامل هذه سوف يجعله يخسر محبة الآخرين وتعاطفهم، ولكن يجب أن يكون هذا الحديث ودي دون مشاكل أو توبيخ أو قسوة.
- الاستعانة بمختص صحة نفسية: في بعض الحالات وخاصة مع تقدم الطفل بالعمر قد يزيد الأمر تعقيداً ويصعب على الأهل التعامل مع الطفل النرجسي أو احتمال تصرفاته وطريقة تعامله مع أهله، وفي مثل هذه الحالة من الأفضل الاستعانة بمختص نفسي خبير حتى يحدد بعض الخطوات العلاجية التي من شأنها أن تقلل من وقع ذلك على الطفل أو على أهله.
من تعريف اضطراب الشخصية النرجسية حسب الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية والعقلية فإنه يصنف كأحد أنواع اضطرابات الشخصية المتعلق بالصحة العقلية، وحسب وجهة نظر مدرسة التحليل النفسي فإن وجود صفات نرجسية عند الطفل هو أمر طبيعي وجيد في مرحلة من مراحل نموه ولا يمكن اعتبارها اضطراب في شخصيته، إلا إذا لم يتمكن الطفل من تجاوز هذه المرحلة واستمرت معه الصفات النرجسية مع تقدمه في العمر، حتى الاقتراب من نهاية مرحلة المراهقة كون شخصية الطفل في المراحل السابقة تكون أكثر عرضة للتغيرات والتطورات.
إذاً فإن وجود بعض الصفات النرجسية عند الطفل لا تعتبر مرض نفسي أو عقلي بالضرورة، ولكن استمرار هذه الصفات ونموها بعد مرحلة المراهقة يمكن وصفه بأنه اضطراب في الصحة العقلية، ولكن في كثير من الحالات قد تؤثر عوامل نفسية لتطور هذا الاضطراب، وهذا ما يسمح بوصفه بأنه اضطراب عقلي نفسي ابتداء من مرحلة المراهقة ومن قبل المتخصصين وليس كوصف عشوائي.