صفات الشخصية الوسواسية والفرق بينها وبين الوسواس القهري
ربما كل منا مر بحياته شخص يعاني من تصرفات وسلوكيات وتوقعات قهرية لا يمكنه الكف عنها أو السيطرة عليها، وربما تكون لدينا إحدى هذه السلوكيات، فظروف الحياة أو التجارب النفسية والعاطفية قد تسبب هذا النوع من السلوك الخارج عن السيطرة والتحكم، وهذا ما يطلق عليه الشخصية الوسواسية القهرية، فما هو اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية، وما الفرق بينه وبين اضطراب الوسواس القهري؟ هذا ما سوف نتعرف عليه في المقال التالي.
الشخصية الوسواسية القهرية (Obsessive-Compulsive Personality Disorder) هي شخصية تعاني من نمط سلوكي صارم ومتحكّم يتسم بالسعي للكمالية أو الانضباط المبالغ به في بعض الأمور، حيث يصعب على الفرد التحكم ببعض تصرفاته وأفكاره أو السيطرة عليها، وعادة ما يتمتع الفرد المصاب بالاضطراب بالكفاءة والانضباط الشديد في عمله وحياته اليومية، ويميل للإصرار على الاضطلاع بمسؤوليات كثيرة وإتمام المهام بطريقة دقيقة ومتقنة، ويرغب دائماً أن يتأكد أن كل شيء يسير حسب ما يريد بنفسه وتجده دائم الارتباك وغير واثق من أفعاله.
تتضمن أعراض الشخصية الوسواسية التحكم الشديد والمحافظة على النظام والترتيب ومراقبة التفاصيل الدقيقة، والتأكد المتكرر والمفرط من الأمور والقلق الشديد بشأن الأخطاء المحتملة، والتركيز الشديد على العمل والإنتاجية بشكل مفرط، والحاجة الملحة للتحكم في الآخرين والأمور التي تحدث حوله، كما يمكن أن يعاني الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية من عدم القدرة على التفريط بالأشياء أو درجة من هوس الاكتناز القهري.
- التحكم الشديد: الشخص الذي يتسم بالشخصية الوسواسية القهرية يحاول دائماً السيطرة على جميع الأمور حوله بشكل شديد ومفرط، فهو يضع في مخيلته صورة مثالية لكل شيء حول عمله أو عائلته أو بيته ويرغب دائماً بالوصول لهذه الصورة، أو يضع سيناريوهات سلبية للأحداث في حال عدم تأكده من سير الأمور وفق مخططه بشكل دقيق وصارم.
- الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة: يركز صاحب الشخصية الوسواسية القهرية على التفاصيل الدقيقة والأمور الصغيرة، ويميل إلى إنجاز المهام بطريقة دقيقة ومتقنة، فهو لا يترك أي صغيرة أو كبيرة تفوته، ويهتم بأشياء صغيرة قد تبدو غريبة بالنسبة للشخص الطبيعي.
- التركيز المفرط على العمل: يميل الفرد المصاب بالاضطراب إلى التركيز بشكل مفرط على العمل والإنتاجية، وقد يتجاهل الأولويات الأساسية بسبب هذا التركيز، بمعنى أن زيادة تركيزه على انجاز عمله وسيره بدقة متناهية قد يشتت تركيزه عن جوهر هذا العمل وهدفه إلى الحد الذي يصبح فيه المهام المباشرة أكثر أهمية من الهدف العام.
- القلق المفرط: قد يعاني من لديه شخصية وسواسية قهرية من القلق المفرط، ويشعر بالتوتر والقلق بشأن الأخطاء والأخطاء المحتملة، فالأخطاء التي تبدو عادية ولا تستحق القلق، تأخذ لديه أكبر من حجمها من حيث التفكير فيها والقلق بشأنها، وربما إلى حد يشتت تركيزه ويشعره بالقلق والتوتر حتى تعود الأمور لما كانت عليه.
- عدم القدرة على التفريط بالأشياء: يرى من يعاني من الشخصية الوسواسية أنه بحاجة لكل شيء يملكه ولا يمكنه التفريط بمقتنياته بسهولة، فمن وجه نظره أنه ربما يحتاج هذه الأشياء يوماً ما، وهنا قد يتحول الموضوع لديه لما يسمى بسلوك التكديس القهري.
- الحاجة للتحكم في الآخرين: تشعر الشخصية الوسواسية القهرية بالحاجة للتحكم في الآخرين والأمور التي تحدث حوله، فهو يريد دائماً أن يصل لحالة مثالية ويخاف من الأخطاء ولا يثق بالآخرين، لذا يرغب بالتحكم بسلوكهم وتوجيه تصرفاتهم ليتعاونوا معه على تحقيق الحالة المثالية التي ينشدها، ويركز في ذلك على أدق التفاصيل خاصة عندما يكون في موقع مسؤولية، مثل رب عمل أو رب أسرة.
- التردد وعدم الثقة: لا يثق صاحب الشخصية الوسواسية بقرارته ويخاف دائماً أن يكون قد أخطأ في اتخاذ بعض القرارات أو غفل عن بعض الجوانب أو التفاصيل أو أن يكون شخص ما لا ينفذ رغباته كما يريد، ولذا نجده دائماً شخص متردد يغير رأيه وقراره عدة مرات قبل اتخاذ القرار النهائي بشأن أي شيء.
- رغبة ملحة بالتأكد عدة مرات: المصاب باضطراب الشخصية الوسواسية القهرية يرغب دائماً بالتأكد من أن جميع الأمور تسير وفق ما ينبغي، لذا تجده يحاول عدة مرات التأكد من سير أي أمر فهو لا يثق بشيء من المرة الأولى، فإذا أنهى عمل معين نجده يحتاج للتأكد من جميع الخطوات وأنه لم ينسَ شيء عدة مرات.
يعتقد الخبراء أن السبب في اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية هو حالة مرضية عصبية، ففي الحالة الطبيعية ترسل الدوائر العصبية المسؤولة عند التأكد من القيام بشيء معين إشارات معينة تتوقف بالتأكد من إتمام العمل أو المهمة أو نهاية الأمر، ولكن في حالة اضطراب الشخصية الوسواسية لا تصل للدماغ الإشارات العصبية التي تؤكد علاج المشكلة، وبالتالي يحتاج صاحب الاضطراب للتأكد مرات عديدة من ذلك، ينتج هذا عن انغلاق الدوائر العصبية عند فكرة معينة وفرض ذلك أفكار وسيناريوهات سلبية كثيرة وغير متناهية إذا لم يتأكد الشخص من سير الأمور على ما يرام.
لا يوجد ما يكفي من الأدلة حول أسباب اضطراب الشخصية الوسواسية، حيث تلعب العوامل الوراثية دوراً مهماً في انتقال الاضطراب كما تؤثر العوامل البيئية وتجارب الحياة المبكرة وخاصة في الطفولة على تطوّر هذه السلوكيات، ويمكن لهذا الاضطراب أن يسبب مشاكل في العلاقات الاجتماعية والعملية، حيث يمكن أن يؤدي التركيز الزائد على التفاصيل والأمور الدقيقة إلى تأخير العمل أو إلى تجاهل الأولويات الأساسية، وقد يؤدي إلى الإصابة بالتوتر والقلق والاكتئاب.
قد يحدث خلط بين اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية واضطراب بالوسواس القهري، والحقيقة أنه يوجد بعض نقاط التشابه السلوكية لكن هناك أيضاً نقاط اختلاف مهمة:
- الشخصية الوسواسية متحكّمة بالبيئة: يتصف كلا الاضطرابين بوجود حالة الوسواس والتكرار، حيث يشعر الشخص المصاب بالوسواس بالحاجة الملحة للقيام بأفعال معينة بشكل متكرر، بينما يتميز الشخص المصاب بالشخصية الوسواسية بالحاجة الملحة للتحكم في الأمور المحيطة به بشكل متكرر.
- أعراض الوسواس القهري أكثر شدّة: يتميز اضطراب الوسواس القهري بالأعراض الأكثر شدة وتأثيراً على الحياة اليومية مقارنة بالشخصية الوسواسية القهرية، بمعنى أن نفس العرض أو الصفة السلوكية تكون بحالة الوسواس القهري أشد وأكثر تأثيراً في شخصيته وتصرفاته.
- علاج الوسواس القهري أصعب: يختلف العلاج المتبع لكل من الاضطرابين، حيث يتم علاج الوسواس القهري بشكل رئيسي من خلال العلاج النفسي والأدوية، في حين يتم الاعتماد على العلاج النفسي بشكل أكبر في الشخصية الوسواسية، فاضطراب الشخصية الوسواسية عادةً يكون أقل حدة وتحكم بتصرفات صاحبه، ويمكنه ببعض الإرادة التحكم بتصرفاته.
- أسلوب التشخيص مختلف: يخضع اضطراب الوسواس القهري للتشخيص النفسي الرسمي، بينما يعتبر اضطراب الشخصية الوسواسية جزءً من اضطرابات الشخصية، ويرتبط تشخيصه بتشخيص اعتلالات الشخصية بشكل عام.
- أعراض مختلفة لكل من الاضطرابين: يتميز اضطراب الوسواس القهري بالأفكار والتصرفات المتكررة والمرضية التي يتعذر التحكم بها والتي تتركز حول الذات بشكل أساسي، في حين يتميز الشخص المصاب بالشخصية الوسواسية بالحاجة الملحة للتحكم في الأمور الشخصية أو الأمور المحيطة به.
تعاني الشخصية الوسواسية القهرية من مشاكل صحة نفسية تتعلق بالأفكار والتصرفات المتكررة والمضطربة التي يصعب التحكم بها، وقد تؤثر هذه المشاكل على الحياة اليومية للفرد وعلى العلاقات الاجتماعية والعملية، وقد تؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب والقلق والتوتر، ومن هذه المشاكل:
- النمطية والتكرار: يعاني الشخص المصاب بالشخصية الوسواسية القهرية من الوسواس والتكرار، حيث يشعر بالحاجة الملحة للتحكم في الأمور المحيطة به بشكل متكرر. ويمكن أن يؤدي هذا الوسواس إلى القيام بأفعال متكررة وغير مجدية، مما يتسبب في الإحباط والاضطراب النفسي.
- القلق والتوتر: تتصف الشخصية الوسواسية القهرية بالقلق المفرط والتوتر، حيث يشعر بالحاجة الملحة للتحكم في الأمور المحيطة به، ويمكن أن يؤدي هذا القلق إلى الإصابة بالاكتئاب والتوتر النفسي.
- حالات الاكتئاب: يمكن أن تؤدي الشخصية الوسواسية القهرية والقلق المفرط إلى الإصابة بالاكتئاب، حيث يشعر الشخص بالحزن والإرهاق الذهني والجسدي وقد يؤثر على حياته اليومية بشكل كبير، فكثرة تكراره لأفعال نمطية أو شعوره بعدم بلوغ غاياته يسبب له مشاعر الاكتئاب.
- العزلة الاجتماعية: قد تؤدي حالة الشخصية الوسواسية وحالة القلق والتوتر والاكتئاب المرتبطة بها إلى العزلة الاجتماعية، حيث يشعر الشخص بالحاجة الملحة للتحكم في نفسه ويتجنب الأماكن الاجتماعية والتواصل مع الآخرين، أو قد يحاول فرض طريقته في العمل أو رؤية الأشياء على الآخرين من حوله مما يؤدي لنفور الآخرين منه، وبالتالي عزله عن بيئته الاجتماعية أو الأسرية أو المهنية.
- العلاقات الاجتماعية: يواجه الشخص المصاب بالشخصية الوسواسية القهرية صعوبة في إقامة العلاقات الاجتماعية الصحية بسبب الوسواس والتكرار الذي يشعر به، وقد يؤدي ذلك إلى العزلة والانطواء وعدم القدرة على التواصل الاجتماعي بشكل طبيعي.
يوجد عدة خيارات لعلاج الشخصية الوسواسية القهرية، بما في ذلك العلاج النفسي والأدوية، ويعتمد العلاج المناسب على حالة الفرد وشدة الأعراض التي يعاني منها، وفيما يلي بعض الخيارات الشائعة لعلاج الشخصية الوسواسية القهرية:
- العلاج النفسي: يمكن استخدام العلاج النفسي لعلاج الشخصية الوسواسية القهرية، ويشمل ذلك عادة العلاج السلوكي المعرفي (CBT) والعلاج الإدراكي السلوكي (ACT) يركز العلاج السلوكي المعرفي على تغيير الأفكار والتصرفات السلبية، بينما يركز العلاج الإدراكي السلوكي على تحسين الوعي والتركيز على الحاضر، ويمكن للعلاج النفسي أن يساعد الفرد على فهم والتحكم في الوسواس والتكرار، وتحسين العلاقات الاجتماعية والعملية، كما يمكن للعلاج النفسي أن يستغل الاضطراب نفسه في العلاج من خلال وضع القدرات والخصائص الإيجابية لدى صاحب الشخصية القهرية مثل التأكد والصرامة والإصرار في مسار علاجي.
- العلاج الدوائي: تستخدم الأدوية في حالات معينة بما في ذلك الأدوية المضادة للاكتئاب مثل السيروتونين الانتقائي لإعادة امتصاص السيروتونين SSRI)) ومثبطات إعادة امتصاص النورأدرينالين (NRI)، ويمكن استخدام بعض الأدوية المضادة للاكتئاب للمساعدة في تخفيف الأعراض النفسية، ويمكن أن تستغرق هذه الأدوية بعض الوقت للعمل بشكل كامل، ويجب استشارة الطبيب قبل استخدام أي أدوية.
- تقنيات الاسترخاء: تفيد تقنيات الاسترخاء مثل التأمل والتدريب على التنفس المتعمد وتدريب العضلات التأليفية المتعمدة في المساعدة على تخفيف القلق والتوتر وتحسين الشعور بالاسترخاء والهدوء.
- الدعم الاجتماعي: يساعد الدعم الاجتماعي من الأسرة والأصدقاء والمجتمع على تحسين الصحة النفسية للفرد وتقليل الشعور بالعزلة والانطواء، وبالتالي تقليل حالات الرغبة بالتحكم بكل شيء والتأكد مرات متعددة، فهو يبني ثقة بينه وبين الآخرين ويصبح أكثر قدرة على الاعتماد عليهم.
- العلاج بالعيادات السلوكية: يقوم هذا العلاج على تعريض الفرد للمواقف المحفزة للوسواس والتكرار بشكل تدريجي، مع تدريبه على تقنيات التحكم في الوسواس والتكرار.