تأثير الصدمات النفسية على الطفل وكيفية التعامل معها
يرى علم النفس الحديث أن صدمات الطفولة من الأسباب الرئيسية لتطوّر الاضطرابات النفسية، والعقد النفسية التي ترتبط بمرحلة الطفولة قد تكون من أقوى محركات السلوك وأهم أسباب الانحرافات السلوكية والجنسية، ولذلك يعتبر فهم تأثير الصدمة النفسية في مرحلة الطفولة أمر بالغ الأهمية لإدارتها بشكل صحيح يقلل تأثيرها على نفسية وصحة الطفل في المدى المنظور وفي المستقبل.
صدمة الطفولة (Childhood Trauma) هي الحالة التي يعاني منها الطفل بسبب التعرض لحدث مؤلم (Traumatic Event)، وتشمل الأحداث المؤلمة التي تسبب صدمة للطفل الإساءة الجسدية أو الجنسية أو النفسية والتعرض للعنف بمختلف أشكاله، ومعايشة الحروب والكوارث، إضافة إلى الأزمات العائلية مثل الفقد وانفصال الوالدين وغيرها.
يقدّر أن 47% من الأطفال يعانون من الصدمة في مرحلة ما من طفولتهم وبدرجات مختلفة، وترتبط آثار صدمة الطفولة على نفسية الطفل وشخصيته وحتى على صحته الجسدية بشدة الصدمة وعمر الطفل عند التعرض لها وكيفية إدارة الموقف من الأهل أو مقدمي الرعاية.
يستطيع الأطفال تجاوز الصدمات النفسية بسرعة أكبر من البالغين والكبار، ولكن هذا لا يعني أن الأطفال يتجاوزون الصدمة فعلاً أو يتجاوزون آثارها، حيث تساعدهم المرونة النفسية والعقلية بحكم السن على تجاوز الكثير من مشاكل الصدمة المباشرة، لكن تظل آثارها مكبوتة وتشكّل جزءً أصيلاً من نباء الشخصية.
- التعرض للعنف والتنمر: كثيراً ما يعرض الأطفال سواء في المدرسة أو الحي أو أحياناً من قبل بعض افراد العائلة لحالات تنمر، تشمل محاولات سيطرة وإخافة وإرهاب، أو حتى حالات اعتداء لفظي أو جسدي، مثل الضرب وقطع الطريق والأضرار بالأشياء التي يملكها الطفل، وتكرار هذا النوع من التعرض للعنف والتنمر، كثيراً ما يسبب صدمات نفسية وعاطفية.
- التربية السيئة: بعض اشكال التربية السيئة تشمل العنف أو الترهيب أو الإهمال الصحي والجسدي والعاطفي، أو ترك الطفل بمفرده في مواقف يحتاج فيها لأهله مثل المواقف المخيفة أو الخطيرة، أو عدم إشعار الطفل بالأمان، وهذا كله يسبب أنواع مختلفة من الصدمات للطفل.
- التعرض لمواقف مخيفة: تعرض الطفل لمواقف تخيفه بشدة مثل الاحتجاز في مكان معتم ومغلق ومخيف لفترة من الوقت، أو التعرض لحالات خطف، أو التعرض لهجوم والنجاة منه، كل تلك حالات تسبب صدمات مختلفة للطفل.
- الصدمات العاطفية: الكثير من الأطفال يتعرضون لصدمات عاطفية لأسباب مختلفة، مثل حالة الطفل المدلل الذي يأتيه أخ أصغر ويأخذ اهتمام والديه، أو حالة انفصال الوالدين واستغناء كل منهما عنه، أو حالات الفقدان أو الانفصال، هذه الأحداث كثيراً ما تتسبب بصدمات عاطفية قد تكون عنيفة على الطفل.
- الاعتداء الجنسي: من أقسى صدمات الطفولة تحرض الأطفال لحالات اعتداء جنسية مثل التحرش باللمس والتقرب من الأعضاء الحساسة أو الاغتصاب، من قبل غرباء أو أقرباء، ويمكن أن يكون المعتدي مراهق صغير أو حتى شخص كبير، وهذا النوع من الاعتداءات يسبب صدمات نفسية وعاطفية مختلفة التأثير للطفل.
- معايشة مواقف قاسية: حتى لو لم يتعرض الطفل للاعتداء أو العنف بشكل مباشر، فقد يصاب بصدمة لمعايشة حالات ومواقف قاسية، مثل تعرض الأم للضرب، أو رؤية الأب في موقف ضعيف يتم الاعتداء عليه أو يعتقل من السلطات ويدخل السجن، أو اعتداء أحد على أسرة الطفل أو أحد أفرادها، أو حتى رؤية طفل أو شخص آخر غريب يتعرض للاعتداء والأذى والضرب.
- مشاهدة أحداث مرعبة: يحدث أحياناً أن يشهد الطفل أحداث مهولة ومرعبة مثل الحروب والكوارث الطبيعية، التي تنتشر خلالها حالة الذعر والخوف بين معظم الناس في محيط الطفل، وهو يتعرض جراء ذلك لصدمات خوف وقلق كبيرة.
- التعرض لحوادث خطيرة: بعض الأطفال قد يتعرضون لحوادث أليمة يشعرون فيها بالخوف الشديد، وقد يتعرضون لأذى خطير جراءها ويضطرون لتلقي علاجات، أو قد تتسبب هذه الحوادث بإصابة الطفل بعاهة أو فترة مرض طويلة، وهذا يؤثر بشكل كبير على نفسيته ويسبب له صدمات.
- المبالغة في المخاوف والهواجس: كثيراً ما تتطور لدى الطفل هواجس ومخاوف مختلفة الأنواع والاتجاهات جراء تعرضه لصدمات معينة، مثل الخوف من التعامل مع الغرباء، أو الخوف من الأماكن المظلمة، أو الخوف من الخروج من المنزل أو الخوف من المدرسة وغيرها الكثير حسب نوع الصدمة التي يتعرض لها الطفل.
- التعرض لاضطرابات ما بعد الصدمة: كثيراً ما تسبب الصدمات العاطفية والنفسية بعض الاضطرابات التي تعرف باضطرابات ما بعد الصدمة، والتي قد تشمل أعراض صحية نفسية أو جسدية أو اجتماعية وغيرها.
- الشعور بالذنب: من الآثار النفسية للصدمات النفسية التي تأتي بسبب الإهمال او التنمر أو التعرض للمعاملة القاسية، فينمو لدى الطفل شعور بالذنب وعدم احترام الذات وقد يكون فكرة سيئة عن نفسه بأنه يستحق عدم الاهتمام والتعنيف، دون أن يكون لهذا الشعور بالذنب أساس من الصحة.
- فقدان الثقة بالآخرين: تعرض الطفل لصدمات نفسية أو عاطفية بسبب الأشخاص، مثل التعرض للاعتداء من الغرباء، أو التعرض للتربية السيئة والإهمال من قبل الوالدين، أو التعرض للحوادث والتمر، كل ذلك يضعف ثقة الطفل بالآخرين ويكون نظرة سلبية عنهم.
- الاتجاه للعزلة: أحياناً تتسبب بعض الصدمات النفسية والعاطفية بتأثيرات على الإمكانات والمهارات والتفضيلات الاجتماعية والتفاعلية لدى الطفل، وكثيراً ما يؤدي ذلك لرغبة الطفل بالعزلة والابتعاد عن الناس حتى لا يتعرض للأذى.
- شيوع مشاعر القلق والتوتر: تعرض الطفل لصدمات مخيفة أو ألم الانفصال أو الإهمال أو الاستضعاف، يسبب مشاعر بالقلق والتوتر والخوف لدى الطفل، كونه يتوقع أن تتكرر مثل هذه الأشياء.
- الشعور بالاكتئاب: الأشياء التي تسبب الصدمات النفسية والاعراض الجانبية للصدمات النفسية، تسبب لدى الطفل شعور بالاكتئاب وعدم السعادة بشيء، وهذه يحرمه من الحياة الطبيعية للأطفال التي أساسها اللعب والمرح والسعادة.
- ظهور اضطرابات في المشاعر والعواطف: يمكن أن تؤدي الصدمات التي يتعرض لها الطفل إلى تخبط واضطرابات في مشاعره، فتتخبط مشاعره بين الغضب والحزن والخوف وردود الأفعال الغريبة والاستجابات العاطفية غير المتوقعة، بشكل يصعب التنبؤ به والتعامل معه.
- حدوث حالات التبول اللاإرادي: الصدمات النفسية التي تشمل حالات الذعر والخوف والهلع أو الرهاب من الأماكن المغلقة أو الخلاء، أو الصدمات التي تؤثر على عادات النوم عند الطفل، كلها قد ينتج عنها أحياناً حصول حالات تبول لا إرادي أو تبول ليلي أثناء النوم أو تبول أثناء حالة الصدمة والخوف عند الطفل.
- التعرض لحالات القلق وصعوبات النوم: الصدمات النفسية تنمي لدى الطفل التفكير السلبي وتزيد خوفه من أشياء كثيره ويصبح لديه هواجس تجاه جوانب عديدة، وكثرة التفكير والمخاوف هذه تكون أكثر وضوحاً عند خلود الطفل للنوم، ما يسبب له اضطرابات وصعوبات تتعلق بالنوم.
- حصول اضطرابات هضمية: التأثير النفسي الكبير للصدمات النفسية والعاطفية ينعكس في تأثيره على الجهاز الهضمي للطفل ويسبب اضطرابات عديدة في عمله مثل الإسهال أو الإمساك أو الارباك المعوي أو أوجاع المعدة.
- ردود فعل عند تذكر موقف الصدمة: من الشائع جداً وخاصة بين الأطفال حدوث ردود فعل جسدية عند المرور بموقف يذكر الطفل بالصدمة ويجعله يستعيد التجربة وقد تسبب أعراض مثل الارتباك، الرجفان، التعرق، البرودة ألم البطن، خدر الأطراف وغير ذلك.
- الإصابة بداء السكري: لا يوجد تأكيد حول علاقة مباشرة بين سكري الأطفال وبين الصدمات النفسية والعاطفية، ولكن كثيراً ما يتم الربط بين هذا المرض وبين التعرض لمختلف المشاكل النفسية مثل الاكتئاب والضغط والخوف الشديد.
- طمأنة الطفل وإشعاره بالأمان: يجب في البداية أن يتم التركيز على إعادة شعور الأمان للطفل، ويحدث ذلك من خلال طمأنته أن موقف الصدمة انتهى وأنه لن يتعرض لذلك مجدداً وتدريبه على كيفية التعامل مع هذه المواقف، ويتم ذلك من خلال الأشخاص المقربين الموثوقين من قبل الطفل وخاصة الأبوين، بالإضافة للاستعانة باستشارة وجهود الخبراء والمختصين حول الطريقة التي تناسب طفلهم إن احتاج الأمر.
- ابعاد الطفل عما يذكره بموقف الصدمة: بعض الأشياء قد تذكر الطفل بموقف الصدمة الذي تعرض له، مثل التعرض للتحرش أو الاعتداء أو التعنيف في مكان معين وهنا يجب إبعاده عن هذا المكان أو شخص معين ويجب ابعاده عن هذا الشخص، أو فقدان أحد الأبوين أو الأشخاص المقربين بالمنزل أو السيارة أو شارع أو أي مكان آخر ويجب ابعاد الطفل عن هذا المكان.
- علاج آثار الصدمة: كما تحدثنا تنتج عن الصدمات النفسية آثار كثيرة ومتنوعة نفسية وعاطفية وجسدية، مثل الرهاب والخوف، أو التعرض لمرض معين، أو نشوء مخاوف وهواجس، وعلاج هذه الآثار يعتبر جزء هام من علاج الطفل من الصدمة التي تعرض لها بشكل كامل.
- العمل على إعادة دمج الطفل اجتماعياً: من ناحية فإن الصدمات النفسية تؤثر بشكل سلبي على ميول ومهارات الطفل الاجتماعية لذا يجب دمج الطفل اجتماعياً من خلال وضعه في مواقف اجتماعية يضطر فيها لاستعادة الثقة بالآخرين والتفاعل معهم مثل الأنشطة الاجتماعية والنوادي الترفيهية والتعليمية والتدريبية، كما أن إعادة ثقة الطفل بالمجتمع والتفاعل الإيجابي مع الأصدقاء والأشخاص الودودين يساهم في علاج آثار الصدمة التي تعرض لها.
- دعم الطفل للتكيف مع الصدمة ومسبباتها: يمر الطفل بحالات ومواقف كثيرة جراء الصدمة التي تعرض لها، وهنا يجب عدم التخلي عنه وتقدير مشاعره واحترامها، وتقديم كل أنواع الدعم المعنوي أو العلاجي أو النفسي للمرور من تجربة الصدمة القاسية.
- عرض الطفل على مختص نفسي: في بعض الحالات قد تكون الصدمة كبيرة لدرجة التسبب بآثار لا يمكن التعامل معها بسهولة على الطفل، أو قد لا يستجيب الطفل لمحاولات أهله لمساعدته على تجاوز آثار ونتائج الصدمة، وفي مثل هذه الحالات من الأفضل عرض الطفل على مختص نفسي، يدرس حالته بشكل علمي ومنهجي، ويجد أفضل السبل للتعامل معه بشكل خاص لتقليل نتائج وآثار الصدمة التي تعرض لها.
- ضعف مهارات التواصل: الشخص الذي تعرض لصدمات نفسية وعاطفية في مرحلة الطفولة وخاصة إذا كانت هذه الصدمات تتعلق بالمعاملة السيئة من قبل أشخاص مثل الأهل أو الغرباء أو التنمر من قبل الأطفال الآخرين، فهو سوف يفقد ثقته بإمكاناته الاجتماعية والشعور بقيمته وقدرته على تكوين العلاقات، وهذا ينعكس بشكل سلبي مباشر على مهاراته الاجتماعية.
- المعاناة من اضطرابات نفسية: الصدمات النفسية وخاصة العنيفة منها كثيراً ما تتسبب بظهور أعراض اضطرابات نفسية، مثل حالات الرهاب الاجتماعي، أو ضعف الشخصية، أو حالات الهلع والخوف، وفقدان الثقة بالنفس والآخرين، وتخيل أشياء ليست صحيحة، واضطرابات الشخصية بمختلف أنواعها.
- نمو ميول عدوانية: أحياناً تؤدي الصدمات النفسية ردود فعل عاطفية مبالغ بها، حيث يتطور لدى الشخص شعور بأنه في حالة خطر ويحتاج للدفاع عن نفسه، أو يشعر بالظلم ويحتاج للانتقام، أو يستسهل أذى الآخرين وقد يشعر بالراحة والمتعة في ذلك وبالتالي تنمو لديه ميول عدوانية، وقد تتطور هذه الميول لحالات نفسية خطيرة مثل اضطراب الشخصية السيكوباتية.
- فقدان الثقة بالنفس: التعرض للصدمات النفسية في الطفولة يشعر الشخص بعدم الثقة بالكثير من جوانب حياته وخياراته وعلاقاته، كما يشعر بالخوف من تكرار الموقف الصادم الذي تعرض له، وهذا كله يضعف ثقة الشخص بنفسه وقدراته على الأداء.
- ظهور ميول جنسية غريبة: الصدمات النفسية التي تنتج عن التعرض لحالات اعتداء جسدي أو تحرش أو اغتصاب في مرحلة الطفولة، قد يكون لها تأثيرات خطيرة على الميول الجنسية للطفل في المستقبل، وذلك كرد فعل انتقامي أحياناً أو لحماية الذات، أو لحصول مشاكل نفسية مثل حالات التعاطف مع الجاني والتعلق به.
- التأثير على نمط السلوك: تؤثر الصدمات النفسية على الأنماط السلوكية للشخص الذي تعرض لها سواء بشكل مباشر أو حتى بعد أنم يكبر مثل اكتساب صفة الانفعالية أو العاطفية أو سرعة الغضب.