كيف أعرف أن طفلي سليم من التوحد؟ إليك أهم العلامات
كيف أعرف أن طفلي سليم من التوحد سؤال يتكرر جداً ويشغل بال الآباء والأمهات خاصة مع انتشار التشخيص المجاني من الجيران والأقارب وحتى في المواصلات العامة! لكن اضطراب التوحد وطيف التوحد من أعقّد اضطرابات الطفولة في التشخيص، ويحتاج لخبرة طبية مميزة لعزل الأعراض المشتركة بين التوحد واضطرابات أخرى أو حتى حالات طبيعية، نحاول في هذه المادة تسليط الضوء على أهم العلامات التي تخبرك أن طفلك سليم من التوحد.
اضطراب التوحد(بالإنجليزية: Autism) هو اضطراب نمائي عصبي يسبب صعوبةً في التواصل والتفاعل الاجتماعي واضطراباً في فهم المشاعر وإدارتها وتأخّراً في اللغة والكلام وبدرجات متفاوتة حسب حالة كل طفل، وهناك مجموعة من الاضطرابات التي تسمى اضطرابات طيف التوحد حيث تكون الأعراض مركّزة في إحدى مشكلات التوحد، من هذه الاضطرابات مرض توريت مثلاً.
لا يوجد أسباب واضحة أو مظاهر عامة وأكيدة للأطفال المصابين بالتوحد، فقد تختلف درجة الإصابة ونوع الإعاقة التي تسببها بين طفل وآخر بحيث لا تكون الخصائص والصفات لطفل مصاب بالتوحد هي ذاتها الخصائص والصفات لطفل آخر مصاب أيضاً بالتوحد، وهذا ما يجعل عملية التشخيص صعبة وتحتاج لأخصائيين من عدة اختصاصات وتقييم معايير وإجراء اختبارات خاصة وعديدة لتشخيص التوحد.
عادةً ما تظهر أعراض التوحد من عمر سنتين ومعظم الحالات تظهر عليها أعراض واضحة قبل عمر 5 سنوات، من أولى الأعراض المبكرة لاضطراب التوحد والتي قد تظهر حتى قبل عمر عامين تجنّب التواصل البصري وعدم الاستجابة والتفاعل مع الكلام والحركات، كما تعتبر الحركات النمطية التكرارية ذات الطبيعة القهرية علامةً مهمة للتوحد، مع ذلك لا يجب الاعتماد على أحد الأعراض الشائعة للتوحد في التشخيص لأنها مشتركة مع اضطرابات وأخرى وأحياناً مع حالات طبيعية، والسبيل الأفضل هو الحصول على استشارة متخصصة من الطبيب.
كيفية التعرف على التوحد في طفلك تعتمد على أدوات قياس واختبارات خاصة يقوم بها مختصين احترافيين، ولكن بالإجابة على سؤال كيف أعرف أن طفلي سليم من التوحد، فيفضل اتخاذ الإجراءات التالية:
- تقييم حالة الطفل الطبيعية: إذا كانت حالة الطفل من جميع الجوانب طبيعية ومناسبة لمرحلته العمرية أو أقرب إلى الطبيعية، مثل الاستجابات اللفظية والحسية طبيعية، وجود اهتمامات مشتركة مع الأطفال من نفس العمر، المهارات الحركية والقدرات المعرفية طبيعية، عدم ملاحظة أي سلوكيات أو حالات صحية غريبة، غالباً هذه مؤشرات تدل أن الطفل طبيعي ولا يعاني أي من أعراض للتوحد.
- قياس علامات التوحد في سلوك الطفل: علامات التوحد كثيرة ومتنوعة ومتشعّبة ومرتبطة ببعضها البعض، ولكن يوجد بعض العلامات العامة المتعلقة بالتواصل اللفظي وغير اللفظي، الاهتمامات العاطفية، الأنماط السلوكية، شدة ومدة التركيز، الرغبة بالتفاعل مع الآخرين، وعلى هذا الأساس يتم عزل كل خاصية من خصائص التوحد، وإذا كان الطفل لا يعاني أي منها فهو سليم من التوحد، أما في حال وجود شكوك ببعض هذه العلامات فالأفضل عرض الطفل على طبيبه المشرف وأخصائي التوحد والاضطرابات النمائية.
- التفريق بين التوحد وأي اضطرابات أخرى: بعض الاضطرابات أو المظاهر السلوكية أو الأعراض على درجة كبيرة من التشابه مع اضطرابات وأعراض التوحد وطيف التوحد، مثل صعوبات التعلم، تأخر النطق، المشاكل الحسية والحركية، وبمساعدة الأخصائي يجب التفريق إذا كانت حالة الطفل هي توحد أو اضطراب آخر من اضطرابات الطفولة النمائية والعصبية.
- عرض الطفل على طبيب الأطفال: قد لا يستطيع الأهل وحدهم تحديد فيما إذا كان طفلهم مصاب او سليم من التوحد، والأفضل عرض الطفل على الطبيب المشرف على حالته، حتى يقوم ببعض التشخيصات والاختبارات ليتم من خلالها إحالة الطفل إلى أصحاب الاختصاص حسب حالته.
- عرض الطفل على أخصائي توحد: إذا لوحظ من قبل الأهل وطبيب الأطفال أن الطفل فعلاً لديه صفات وخصائص فيها شك أنها من علامات التوحد، يجب عرض الطفل على أخصائي التوحد والاضطرابات النمائية لتحديد حالة الطفل والبدء بوضع الخطط العلاجية المناسبة لها.
- يستطيع طفلك الحفاظ على التواصل البصري والنظر إليكِ عند التواصل معه، حتى إذا كان خجولاً عندما تطلبين منه النظر في عينيك سينظر، ويستجيب إلى الإشارة من عمر سنة ونصف تقريباً إذا أشرتِ إلى شيء ينظر إليه.
- لا توجد لدى طفلك حركات نمطية قهرية، مثل رفرفة اليدين أو الدوران حول نفسه أو التحرك بوتيرة معينة، ووجود هذه الحركات قد يكون طبيعياً إذا كنتِ قادرة على تشتيت الطفل عنها وإلهائه ولم تكون نوبات منتظمة وكأن الطفل يغيب عن الوعي خلالها.
- تتطور قدرة طفلك على النطق وتعلم اللغة بشكل طبيعي وإذا كان يعاني من تأخر النطق فهو ما زال في الحدود الطبيعية أو لا يعاني من أعراض أخرى.
- يستطيع طفلك التواصل مع الأطفال الآخرين والاقتراب منهم أو اللعب معهم ولديه نفس اهتمامات الأطفال الصغار بالأضواء والألوان والأصوات الملفتة.
- يستجيب طفلك للنداء ويدرك اسمه بين عمر سنة وسنة ونصف تقريباً، وإذا لم يستجب حتى ذلك العمر استبعدي أولاً مشاكل السمع!
- يستطيع طفلك تنفيذ الأوامر البسيطة مثل التقاط شي أو إحضار شيء ما بين سنة وسنة ونصف تقريباً، أو قبل ذلك.
- يستطيع طفلك التفاعل والاستجابة معك عاطفياً بين عمر 8 شهور وعمر سنة تقريباً، مثلاً يبتسم عندما يراكِ ويضحك للأصوات أو الحركات التي تقومين بها.
- نوبات الصراخ أو البكاء أو الغضب التي يدخل بها طفلك قابلة للسيطرة في معظم الحالات ويمكنك تشتيت انتباهه عنها وتهدئته، وهي نوبات مبررة ولها أسباب مثل حرمانه من شيء ما.
- لا ينزعج طفلك من اللمس أو الأصوات العالية بشكل غير طبيعي، قد يسد الطفل الطبيعي أذنيه ويكره الضجيج والأصوات الصاخبة، لكن طفل التوحد قد يشعر بحالة من التوتر تدخله بنوبة من الغضب والصراخ.
- سلوك طفلك الانتقائي في الطعام واللباس والأدوات ضمن الحدود الطبيعية، جميع الأطفال انتقائيون خصوصاً في السنوات الثلاثة الأولى، لكن طفل التوحد انتقائي لدرجة تجعله غير قادر على تقبّل إلا خيارات محدودة جداً من الطعام مثلاً ولفترة طويلة.
من المهم معرفة أن أحد هذه الأعراض منفرداً لا يدل على التوحد، وبعض هذه الأعراض تعتبر حالة طبيعية لدى بعض الأطفال مثل التركيز المبالغ به مع حركة نمطية مثل النظر للمروحة، أو علامة لاضطراب آخر مثل عدم الاستجابة الذي قد يدل على مشكلة في السمع، والمعيار الأهم هو تلازم معظم هذه الأعراض واستمرارها ومدى استجابة الطفل لمحاولة الأهل إيقافها:
- تكرار أنماط سلوكية ثابتة: يعاني طفل التوحد من تكرار أنماط سلوكية ثابتة بشكل مستمر، ويكون شديد التركيز عليها والاهتمام بها، مثل التمايل بشكل معين لمدة طويلة نسبياً قد تصل إلى 30 دقيقة ويصعب تشتيته عن هذا السلوك، أو تكرار كلمة معينة بشكل متتالي.
- ضعف التواصل اللفظي وغير اللفظي: يلاحظ أن طفل التوحد يبدي ضعفاً في التواصل اللفظي من حيث الكلام والاستجابة للأسئلة أو الطلبات أو المناداة بالاسم، أو إجراء محادثة متواصلة ومستمرة، وضعف في التواصل غير اللفظي من حيث فهم الإشارات أو استخدامها وفهم تعابير الوجه ونبرة الصوت ودلالاتها.
- ضعف التواصل البصري: من علامات التوحد تجنب الطفل التواصل البصري مع الأشخاص الذين يتفاعلون معه حتى الأهل، فهو لا ينظر بشكل مباشر بعينيك وقد لا يقوم بأي إيماءات أو تعبيرات باستخدام التواصل البصري.
- اضطراب في الاستجابة العاطفية: قد يغضب الطفل المصاب بالتوحد لأسباب غير منطقية مثل قول كلمة معينة له أو تغير شيء في ترتيب الغرفة أو الاقتراب من أغراضه أو تقديم نوع معين من الطعام له، وقد لا يبدي اهتمام بمشاعر أهله أو الآخرين، مثل أن يرى شخص حزين أو سعيد أو غاضب لا يبدي أي اهتمام بذلك.
- عدم الرغبة بالتغيير: الشعور بالراحة بالروتين الثابت وبوجود كل شيء مكانه، وأي تغير بسيط في محيطه قد يزعج الطفل المصاب بالتوحد ويجعله يغضب أو يبكي دون معرفة السبب.
- التركيز الشديد على أشياء محددة وتجاهل غيرها: أحياناً يبدي الطفل المصاب بالتوحد تركيزاً شديداً على بعض الأشياء وخاصة التي تكرر أنماط حركية أو صوتية ثابتة مثل دوران المروحة أو العجلة ويراقبها باهتمام وقد يبدي انبهار واهتمام كبير بها، لدرجة أنه يتجاهل أو لا ينتبه لأي شيء حوله سواها.
- عدم الرغبة بالتفاعل مع الأطفال الآخرين والغرباء: لا يبدي طفل التوحد رغبة واهتمام بالمواقف الاجتماعية والتفاعل مع الآخرين، لا يفضل مثلاً اللعب مع الأطفال الآخرين، ولا يرغب باقتراب الغرباء منه ولا يستجيب لأسئلتهم أو أحاديثهم معه.
- مشاكل في الكلام: مثل تأخر النطق أو صعوبة الاستمرار في حديث متواصل ومتتابع، ونبرة وإيقاع غير طبيعي في الكلام، تكرار كلمات معينة مرات عديدة مع عدم فهمها بالضرورة.
- ضعف التواصل العاطفي: صعوبة في التعبير عن المشاعر وفهم مشاعر الآخرين أو التعاطف معها، أو القيام بتصرفات وانفعالات عاطفية مثل التقرب أو التقبيل أو العناق ولا يفضل هذه الأشكال من التقرب.
- عدم مشاركة الاهتمامات: على عكس الطفل الطبيعي لا يهتم طفل التوحد بمشاركة اهتماماته مع أحد، فلا يلجأ لإخبار الأهل إنجاز قام بها أو برسمة رسمها، أو يرغب بأن يلعب مع الأهل أو الأطفال الآخرين، أو رؤية أشياءه وقدراته من قبل الآخرين.
يمكن تعريف التوحد الكاذب بأنه حالة نفسية وسلوكية تتشابه في بعض خصائصها وأعراضها مع اضطراب التوحد، ولكن الاختبارات السريرية والتشخيص التخصصي يثبت أنه ليس توحد، وقد يحدث التوحد الكاذب لأسباب نفسية أو عاطفية أو اجتماعية تجعل الطفل يقوم بسلوكيات تشبه مظاهر التوحد، وهي غالباً تحدث مع الأطفال الأكبر سناً من عمر تشخيص التوحد، ومن أهم أعراض التوحد الكاذب أن هذه الأعراض لا تكون متلازمة ويمكن للأهل التحكّم بها بسهولة نسبياً:
- ضعف الاستجابة الاجتماعية: لا يستجيب طفل التوحد الكاذب للعلاقات الاجتماعية بشكل طبيعي، فقد لا يرد عند مناداته باسمه ولا يرغب باللعب مع الأطفال الآخرين أو الجلسات والأنشطة الاجتماعية والأسرية، ويعتبر هذا العامل من الجوانب المتشابهة مع حالة التوحد الحقيقية، لكن في نفس الوقت يكون الطفل قادراً على التواصل عندما يختار هو ذلك.
- القيام بأنماط سلوكية متكررة: وكأن طفل التوحد الكاذب يرغب متعمداً بالظهور بأنه مريض وغير طبيعي، يلجأ لاتباع أنماط سلوكية متكررة مبالغ بها، مثل الدوران حول نقطة مركز أو رسم شكل معين مرات عديدة، أو تكرار كلمات معينة سمعها مؤخراً، وهي أيضاً من عوامل الشبه مع اضطراب التوحد الحقيقي.
- ضعف تطور النطق واللغة: يحدث هذا العرض إذا كان الطفل يعاني من مشاكل أخرى غير التوحد، مثل صعوبات النطق وصعوبات التعلم، ما يجعله أيضاً من الأعراض المشابهة لأعراض التوحد.
- الحساسية الزائدة: يبدي التوحد الكاذب حساسية مفرطة تجاه أحد حواسه أو أكثر من حاسة، مثل الانزعاج من الأصوات المرتفعة أو الإضاءة الساطعة أو الظلمة، أو اقتراب أحد منه، كما أنه قد يغضب عند توجيه بعض الملاحظات أو الكلمات أو الانتقادات له، ويبكي ويصرخ جراء ذلك.
- قلة التركيز وضعف الاستجابة: لا يستجب طفل التوحد الكاذب بالطريقة الطبيعية للمثيرات العادية التي يستجيب لها الطفل الطبيعي، فقد لا يستجب لاسمه إلا بعد مرات عدة، ولا يستجيب للكلام العاطفي من قبل الأهل، ولا يبدي تركيز عند محاولة تعليمه شيء معين أو مهارة أو درس.
تختلف اختبارات التوحد للأطفال باختلاف حالة كل طفل، فلا يوجد اختبار عام وشامل يقيس حقيقة إصابة الطفل بالتوحد ودرجة التوحد لديه، وإنما يتبع الأطباء والمختصين سلسلة من الاختبارات يتم من خلالها تقييم حالة الطفل من الجوانب التطورية والنمائية المختلفة، ومنها مثلاً:
- المهارات الجسدية: يتم فيها قياس القدرات الحركية للطفل وما الإمكانات التي يستطيع القيام بها أو يعجز عنها، كما يتم اجراء فحصوات طبية عصبية وعضلية له.
- المهارات الاجتماعية: في هذه الاختبارات يتم التعرف على مستوى مهارات التواصل لدى الطفل ورغبته في التواصل الاجتماعي، وإمكانية تشجيعه على تقبل الغير والتفاعل معه واللعب مع الأطفال الآخرين.
- المهارات المعرفية: تختلف اشكال اختبارات المهارات المعرفية منها ما يقيس مهارات اللغة لديه ومنها ما يقيس مستوى الذكاء التفاعلي والذكاء العاطفي ومهارات التعلم.
- المهارات الحسية: يركز هذا النوع من الاختبارات على سلامة عمل وتطور حواس الطفل الخمسة.
- الاختبارات النفسية والعقلية: تستهدف هذه الاختبارات التعرف على أي مشاكل نفسية أو عقلية لدى الطفل ودرجتها ونوع الإعاقة الناتجة عنها.