دور مرحلة المراهقة في بناء وصقل الشخصية
ينظر إلى عملية بناء الشخصية الإنسانية على أنها عملية تطورية، ولا تقف عند حدود معينة من مراحل عمر الانسان، فهي تبدأ مع بدء حياته وتنتهي مع نهايتها، وخلال مسيرتها التطورية هذه تمر بمراحل عديدة وكل من هذه المراحل تضفي على شخصية الانسان خاصية جديدة وصفةً وطابعاً شخصياً جديداً.
ومرحلة المراهقة التي تمثل معبر الفرد البشري من الطفولة إلى النضج تقوم بمهمة صقل الخبرات البديهية التي تعلمها الانسان بمرحلة الطفولة من جهة، والبدء في رسم الملامح الشخصية لهذا الانسان والتي سوف تمثل هويته الفردية من جهة أخرى.
تبدو أهمية شخصية الانسان من كونها تمثل هويته الفردية والصورة التي سوف يقدم نفسه للمجتمع من خلالها، فهذه الشخصية تعكس خصائص الانسان من حيث قناعاته وأفكاره وقيمه وأخلاقه بالإضافة لطباعه ووجهة نظره تجاه كل شيء.
وكون مرحلة المراهقة تمتاز بأنها الفترة التي تصل بين طفولة الشخص ونضجه، فإن هذه الخاصية تعطيها أهمية معينة في بناء الشخصية الإنسانية، وتتمثل هذه الأهمية بأنها:
- كونها تعتبر مرحلة انتقالية ينتقل فيها الفرد من الطفولة إلى النضج، فهذا يعطيها خصوصية من حيث طبيعة وطريقة تأثيرها على شخصية الفرد، فكل ما يتعرض له الانسان في هذه المرحلة من أفكار وقيم ومعتقدات وظروف، سوف ينعكس على شخصيته بصورة مباشرة وواضحة.
- ومن ناحية أخرى فإن التغيرات التي تطرأ على مختلف نواحي الانسان في هذه المرحلة، تنعكس على طبيعة استجابته واقتناعه بكل ما يتعرض له من جديد وعلى كافة الصعد والمجالات.
- مع بداية مرحلة المراهقة ينتهي التفكير المادي المباشر الذي كان يميز مرحلة الطفولة ويدخل الفرد بمرحلة تفكير جديدة أكثر تعميماً وتجريداً من سابقتها، وهذا يدخله إلى عالمٍ جديد لم يعرفه سابقاً وفي محاولته لاستكشاف هذا العالم ومضامينه سوف يتأثر بما يجده فيه وبالتالي يسوف ينعكس هذا الأثر في شخصيته.
- بعد أن كانت كل أفكار الطفل مرتبطة به وبرغباته أصبح الآن أكثر فهماً وادركاً وتقديراً للغير وأن ليس كل ما في الحياة مرتبط به، وهذا يجعله أكثر انفتاحاً وتقبلاً للآخرين وأفكارهم ووجهات نظرهم، مما يضفي طابعاً جديداً على شخصيته لم يعهده أثناء الطفولة.
- في هذه المرحلة يكوّن المراهق آناه الخاصة وذاته، وكون كل ما يحدث في هذه المرحلة يعكس تأثيراً معيناً على عملية تكوينه لذاته هذه، ومن هنا تأخذ مرحلة المراهقة أهمية كبيرة في بناء شخصية الانسان.
لمرحلة المراهقة خصائص معينة يشترك فيها كل من يعتبر مراهق بشكل عام، فهذه الخصائص لا تعتبر شخصية على المستوى الفردي وإنما تمثل ثقافة تحدد جملة من الأفكار والمعتقدات والاهتمامات التي تميز المراهقة كمرحلة تضم شريحة كبيرة من الأفراد المتشابهين من حيث الصفات الشخصية، ومن هذه الخصائص:
- المراهقين لديهم ثقافة خاصة: تتميز مرحلة المراهقة بأنها تملك ثقافة خاصة، تنتشر بين أفرادها إلى درجة شبه شاملة لكل من يمر بهذه المرحلة العمرية من الحياة، وهذه الثقافة تضم جملة من الأفكار والمعتقدات والاهتمامات التي تميز أفراد هذه المرحلة عن غيرهم، وهذا ما يعتبر خاصية تميز مرحلة المراهقة.
- المراهقين يتشابهون بالصفات النفسية والعقلية: إن التغيرات في الابعاد المختلفة التي تحدث في مرحلة المراهقة، تؤدي إلى تشابه كببر من حيث الصفات النفسية والاجتماعية وحتى العقلية والإدراكية بالنسبة للمراهقين، ولهذا السبب فإننا نعطي أحكاماً مسبقة على ردات فعل المراهقين تجاه مواقف معينة استناداً إلى هذا التشابه، وهذه المسألة تعد خاصية تميز المراهقين عن غيرهم من الشرائح الإنسانية.
- الإيمان بالمثاليات عند المراهقين: ومن خصائص المراهقين أيضاً أن أغلبهم يميلون للإيمان بالمثاليات، فالمرهقين بطبيعتهم النفسية يرغبون برؤية كل الأشياء في حالة اكتمال إلى درجة قد تجعلنا ننعتهم بالغرابة وعدم الاندماج في بعض الأحيان.
- الاندفاع والحماس عند المراهقين: المراهقة بطبيعتها النفسية المتغيرة تؤدي لهيجان عام في عواطف المراهق، وهذا ما يجعل سلوكه يتميز بالاندفاع والحماس الدائم، فعندما يرغب بتحقيق أي شيء نجده شديد الاندفاع نحوه ومتحمس جداً للوصل لهدفه إلى درجة قد تجل سلوكه متهوراً ومتسرعاً في كثير من الحلات، وميزة الاندفاع هذه موجودة لدى الكثير من الأشخاص عموماً، ولكن عند الحديث عن المراهقة فهذه الميزة تعتبر من أهم خواصها وأكثرها وضوحاً.
- التغيرات المتسارعة عند المراهقين: نلاحظ على المراهقين أنهم كثيراً ما يغيرون قناعاتهم ويبدلون آرائهم وأفكارهم بطريقة سريعة ومفاجئة في بعض الأحيان، ويعود هذا في سببه إلى أن المراهق يتأثر بسهولة بكل ما يتعرض له من خبرات ومواقف جديدة، وهذه التغيرات تنكس بطريقة مباشرة على سلوكه وبالتالي على شخصيته.
- الأحلام والطموحات عند المراهقون: المراهق كثير الشرود والتفكير وهو في أفكاره وشروده هذا يسبح في بحر من الأحلام والأمنيات وهذا البحر يمثل عالماً خاصاً يعيش فيه ويكبر معه ويرى نفسه من خلال، ومن الطبيعي أن تنعكس هذه الأحلام بطريقة ما على أسلوب تفكير المراهق وقناعاته، وهذا ما يعطيها صفاتاً تجعلها خاصية تميز مرحلة المراهقة.
عملية بناء شخصية المراهق هي عملية متعددة من حيث العوامل المساهمة فيها، فلا يمكن اتباع خطوات محددة بهدف الوصول إلى زرع صفة معينة ومرغوبة في شخصية المراهق، فهذه العملية تتم بشكل عفوي يصعب السيطرة على العوامل المؤثرة فيها أو تحديد مسارها، فهناك مجموعة من العوامل التي تتكامل وتتضافر معاً لصياغة الصفات التي تتميز فيها كل شخصية عن الأخرى، ومن أهم هذه العوامل:
العوامل الاجتماعية وأثرها على شخصية المراهق
- المواقف الاجتماعية التي يتعرض لها المراهق، فكل ما يمر به من تجارب كفقدان أحد الوالدين أو الحالة الاجتماعية للأسرة أو الحالة الاقتصادية أيضاً تعبر من العوامل المهمة التي قد تعكس صفة أو أخرى على شخصيته.
- العلاقات الاجتماعية التي يختبرها، فلهذه العلاقات أثر بالغ على قناعاته ,أفكاره وميوله مثل أسرته أو أقرانه في المدرسة أو الحي أو حتى معلميه أو الشخصيات العامة التي تعجبه فكل من هؤلاء يتميز بصفة معينة قد تعجب المراهق ويقتدي بها أو يقلدها ويتعلم منها.
العوامل النفسية وكيف تساهم في بناء شخصية المراهق
- تساهم الأمنيات الطموحات وأحلام اليقظة التي تراود المراهق بالتأثير على طبيعة خصائصه النفسية مما ينعكس بطبيعة الحال على شخصيته وسماته وصافته الشخصية.
- الفرد البشري وأثناء مسيرة حياته يتعرض للكثير من الصدمات والمواقف الصعبة، كفقدان أحد الأحبية أو التعرض لحادثة أليمة أو المرور بوقف صعب، وكل هذا يعتبر من العوامل النفسية الهامة التي تؤثر في البناء النفسي لشخصية الإنسان والمراهق على وجه التحديد.
- في مرحلة المراهقة يقترب المراهق من النضوج الفيزيولوجي والجنسي التام، وهذا النضوج يحمل معه تغيرات حاجات ومتطلبات المراهق وبالتالي خواصه نفسيه جديدة لم يسبق للمراهق أن تعرف عليها، وهذا التغير الجديد سوف يكون من العوامل الهامة أثناء صياغة المراهق للصورة الأخيرة لشخصيته.
العوامل الثقافية والبيئية وأثرها على شخصية المراهق
في كل بيئة اجتماعية يسود جو وثقافة معينة تميز هذا المجتمع عن غيره من المجتمعات، وكون المراهق يعيش ويتربى في هذا المجتمع أو ذلك فمن البديهي أن يتأثر في بناء شخصيته وتكوينها بهذه الثقافة، فهو يتعرض لها وينظم حياته من خلالها، ينهل من تعاليهما وأفكارها منذ نعومة أظفاره.
لا تعتبر فكرة الفروق الفردية في شخصيات الأفراد عامة إلى الدرجة التي تمنع حصول أي تشابه بين انسان وآخر، ففي كثير من الأحيان نلاحظ تشابهاً واضحاً في الصفات الشخصية لبعض الأفراد، وما يفسر هذا التشابه هو وجود أنواع من الشخصيات يندرج في إطارها شريحة من الأفراد تبعاً إلى الظروف المتشابه التي مروا بها، ويمكن تحديد بعض هذه الأنواع من خلال النظر إلى الصفات التي تميز كل شخصية كما يلي:
- الشخصية الضعيفة: هو ذلك التعبير الذي نطلقه على بعض الأفراد الذين يحملون صفات شخصية معينة تميز حاملها بالضعف وعدم القدرة على المواجهة وتقدير الذات مثل الخجل والخوف وعدم الثقة بالنفس والانطوائية.
- الشخصية القوية: وعلى النقيض من الشخصية الضعيفة فنطلق هذا التعبير على الأشخاص الذين يتميزون بالقوة والقدرة على إبداء الرأي وفرضه في بعض الأحيان، كما يتميزون بالثقة بالنفس وتقدير متوازن للذات وقدراتها وامكاناتها، والمطالبة دائماً بحقوقها وعرفتها لواجباتها.
- الشخصية السوية: أصحاب هذه الشخصية لا يعانون من أي اطراب على المستوى النفسي أو الاجتماعي، بل يتصفون بأنهم أسوياء اجتماعياً ونفسياً لديهم القدرة على التفكير المنطقي الصحيح وتحليل الأمور، وتتصف أفكارهم وردات فعلهم بالتوازن ودم بعدها عن الواقع والقبول الاجتماعي لها.
- الشخصية المتمردة: وهذا النوع من الشخصيات يعد الأكثر انتشاراً في مرحلة المراهقة، وهي شخصية تتميز برفض جميع القيود وعدم الرضوخ لأي سلطة، شخصية مندفعة متحمسة وربما متهورة، وعادة ما يكون السبب وراء هذا النوع من الشخصيات هو الطموح المبالغ فيه والأحلام الغريبة التي لا تلقى قبولاً من قبل المجتمع.
- الشخصية المضطربة: بعض المراهقين يعانون من اضطرابات في شخصياتهم وربما أمراض، وذلك بسبب الظروف والمواقف التي يمرون بها، وهذا النوع من الاضطرابات يعتبر من الأمراض النفسية، وهي بدورها لها أنواع وخصائص متعددة تبعاً لكل حالة شخصية على حدة، مثل انفصام الشخصية أو الشخصية المعادية للمجتمع أو اضطرابات الشخصية المرتابة والحدية والكثير من الاضطرابات الأخرى.
- الشخصية الطموحة: هناك ارتباط بين هذا النوع من الشخصيات وطبيعة الاختلافات الفردية من ناحية الأحلام والأمنيات التي تراود كل فرد من هؤلاء المراهقين، فبعض هذه الأحلام إذا استطاع المراهق ربطها بالواقع وإيجاد طريقة وخطوات مدروسة لتحقيقها فعلاً على أرض الواقع، فسوف يكون لها تأثيراً هاماً وواضحاً لجهة خلق شخصية تتسم ببعد النظر والطموح، وهذا النوع من الشخصيات هو ما يسمى الشخصية الطموحة.
إذاً كل ما يمر به المراهق من تجارب وعلاقات وكل ما يتعلمه من أفكار ومعتقدات وكل ما يبنيه من أراء ووجهات نظر، فهو يقوم في ذلك بتحديد شخصيته وصقلها لتظهر بشكلها الخاص الذي سوف يحدد هويته ويميزه عن غيره، وعملية بناء الشخصية هذه وصقلها تتأثر إلى حد بعيد بطريقة تفاعلنا معه في هذه المرحلة وفهم ما يمر به من عوامل سوف تضفي طابعاً خاصاً على صفاته، ومن هنا كان من الواجب التعرف على مراحل بناء شخصيته والعوامل التي تؤثر على هذه العملية.