تغيّر الميول الجنسية معنى الميوعة أو السيولة الجنسية
الحالة الطبيعية للهوية أو التوجه الجنسي هي أن تكون الميول الجنسية متوافقة مع النوع البيولوجي للجنس، بمعنى أن يكون الشخص مغايراً جنسياً من حيث الانجذاب والميل والرغبات، ولكن تغيرات معينة قد تطرأ على هذا التوجه بسبب الكثير من العوامل، مثل حالات الميوعة الجنسية التي يكون فيها خلل في التوجه الجنسي أو تحديد الهوية الجنسية يجعل الشخص يتقلّب على سلم التفضيلات والميول الجنسية.
الميوعة الجنسية وتسمى أيضاً السيولة الجنسية أو الانسيابية الجنسية (بالإنجليزية: Gender Fluidity)، هي حالة أو نمط من الميول الجنسية غير المستقرة، حيث يشعر الفرد بتغيرات وتقلّبات في انجذابه وتوجهاته وتفضيلاته الجنسية، أطلقت المصطلح لأول مرة (ليزا دايموند) في كتابها (السيولة الجنسية: فهم حب المرأة ورغبتها).
لفهم حالة السيولة الجنسية يمكن الاستعانة بسلم افتراضي أو خط مستقيم للميول الجنسية، فسوف نجد بشكل متدرج: السوية أو المغايرة الجنسية، اللاجنسية، الثنائية أو الازدواجية الجنسية، والمثلية الجنسية. وهذه الحالات تتميز بالاستقرار والثبات في الميل، فاللاجنسي مثلاً يكون مستقر على انعدام الميل الجنسي، والمغاير أو السوي جنسياً لا يميل إلا نحو الجنس الآخر، والمثلي الجنسي لا يميل إلا نحو نفس جنسه، أما السيولة الجنسية فهي الحالة التي يتنقل فيها الشخص في رغباته الجنسية على أغلب درجات هذا السلم، ومن هنا جاءت تسمية الميوعة أو الانسيابية أو السيولة، حيث أن من لديه سيولة جنسية يكون لديه ميل لتجربة جميع التوجهات الجنسية.
ويرى البعض أن حالات الميوعة الجنسية قد تظهر أكثر لدى النساء أو الفتيات، كون المرأة تكون أكثر مرونة أو انفتاحاً أو قابلية للتغيّر لجهة التوجهات الجنسية، وذلك بسبب عوامل ثقافية واجتماعية وحتى جينية، حيث يرى هؤلاء أن آليات الانجذاب الجنسي مختلفة بين الإناث والذكور من حيث الأهداف أو المحفزات، ما قد يجعل المرأة أقل استقراراً في توجهاتها الجنسية.
من الصعب تحديد سبب واضح ومباشر لحالة الميوعة الجنسية، أو أي حالة تتعلق بالتوجهات الجنسية، فهي تحدث غالباً نتيجة تفاعل معقد من عوامل مختلفة، ويمكن أن تؤثر بعض الظروف في تطور هذه الميول، ومنها:
- ظروف التنشئة الاجتماعية والتربية: يمكن أن يتعرض الإنسان خلال نشأته ومراحله العمرية المبكرة لظروف تربوية خاصة تساهم في تشكل حالات الميوعة الجنسية، فمع بداية تشكل الهوية الجنسية إذا تعرض الطفل لحالات مثل الكبت أو التحرش الجنسي أو الاعتداء والفقدان أو تحديد ميول جنسية قسرية لا تتوافق مع ميوله التي قد يكون لها منشأ هرموني، تربية الذكر مع عدة أخوات فتيات أو الفتاة مع عدة أخوة ذكور، فكل هذه أسباب قد تؤدي بالشخص لمحاكاة أو تقمص سلوكيات واهتمامات جنسية متغيرة، وبالتالي قابلية أكثر للميولة أو الانفتاح أو السيولة الجنسية.
- البيئة والثقافة: حالات اضطراب الهوية الجنسية بشكل عام سواء الميوعة أو غيرها، من المسائل التي قد ينظر لها بشكل مختلف باختلاف الثقافة الاجتماعية، فبينما ينظر لها بعض المجتمعات على أنها حالة شذوذ جنسي ومشكلة أو مرض، تنظر إليها بعض المجتمعات الأخرى على أنها حرية شخصية في الخيارات والميول الجنسية تبعاً لأسباب نفسية وهرمونية لدى الشخص، وهذا ما يسبب الانفتاح نحوها أكثر في هذه الثقافات.
- العوامل البيولوجية والهرمونية: الهرمونات الجنسية بشكل عام مثل التستوستيرون والاستروجين تلعب دورًا مهمًا في تحديد الرغبة والانجذاب الجنسي، وأي تغير فيها (بسبب العمر، الأدوية، أو الحالات الصحية) قد يؤثر على المشاعر الجنسية، بالإضافة لأن بعض الدراسات تشير إلى أن الدماغ لديه مرونة أو قدرة على التكيف والتغير بناءً على التجارب والتفاعلات، ما قد يفسر الاختلافات في التوجهات الجنسية بمرور الوقت، وحتى العوامل الوراثية قد تلعب دور في عدم استقرار الميول الجنسية فقد يكون لدى بعض الأشخاص استعداد جيني يجعلهم أكثر مرونة في ميولهم أو هويتهم الجنسية.
- تعقيد الرغبات الجنسية: تعتبر مسألة الميول الجنسية مسألة معقدة بشكل عام، فقد تكون مسألة الميوعة الجنسية تعبير عن الحاجة للتغير على غرار أي شكل من التفضيلات الجنسية، مثل الرغبة بالشريك القوي أو الشريك الضعيف أو تبني دور المتسلط أو الخاضع، أو تفضيل شكل جسدي معين للشريك مثل الضخم أو أسمر أو أبيض البشرة، أو طباع معينة مثل الغضب والعدوانية أو الرومنسية أثناء العلاقة، وهذا الأمر يتوضح أكثر لدى النساء حيث لا تجد المرأة الإثارة بالروتين الجنسي، بعكس الرجل الذي يعتبر أكثر نمطية في طريقة الإشباع الجنسي لديه، بينما تعتبر المرأة أكثر فضول جنسياً.
- تغير التفضيلات الجنسية: تتصف حالة الميوعة الجنسية بعدم استقرار الرغبات الجنسية، ما يجعل هذه الميول متغيرة، ولأسباب اجتماعية أو بيئية قد لا يستطيع الفرد دائماً إشباع ميوله الجنسية المتغيرة وغير المستقرة، وقد يسبب له مشاكل اجتماعية.
- مشاكل في الزواج: من لديه حالة ميوعة جنسية يواجه صعوبات ومشاكل كثيرة في الزواج، فأولاً لا يفضل أحد الزواج من شخص لديه اضطرابات جنسية أو عدم استقرار جنسي، وثانياً إذا ظهرت حالة عدم استقرار الميول بعد الزواج، فإن اشباع هذه الميول يكون متعذر، وقد يسبب خلافات خطيرة مع الشريك الذي غالباً لن يتجاوب مع هذه الرغبات.
- الشعور بالرفض والاختلاف: حالة الميوعة الجنسية تحديداً واتصافها بعدم استقرار الميول، يجعل صاحبها غير قادر على تبني نمط أو حالة جنسية معينة سواء كانت شائعة أو شاذة، وبالتالي يتماهى مع غيره ممن لديهم نفس الحالة، وهذا الأمر يشعره بالرفض والاختلاف، وقد يسبب لها حالات انعزال اجتماعي.
- المعاناة من صراعات نفسية وعاطفية: أغلب المجتمعات لا تتقبل فكرة أن يكون لدى الفرد اختلافات عن الشائع في الجانب الجنسي أو المعاناة من اضطرابات أو مشاكل أو شذوذ في الميول الجنسية، وهذا الأمر يضع من لديه سيولة جنسية في مواقف صعبة يعاني فيها بين عواطفه ورغباته وميوله التي يشعر بها دون إرادته، وبين خوفه من الرفض الاجتماعي أو شعوره بالاختلاف عن الآخرين، وهذا ما يؤدي لحالة من الصراع النفسي والاضطراب العاطفي، قد تؤدي لتطورات غير مرضية في سلوكه وشخصيته ربما تسبب الأذى لنفسه أو للمجتمع المحيط به.
- الشذوذ الجنسي: في ظروف معينة يمكن أن تستقر الميول الجنسية في حالات السيولة على رغبات أو أوضاع جنسية شاذة، مثل المثلية الجنسية، وهذا يضع الشخص في مواقف اجتماعية وعاطفية واخلاقية وربما قانونية خطيرة.
- تقلب الرغبات الجنسية: يظهر الشخص الذي لديه حالة الميوعة الجنسية رغبات جنسية متقلبة، فتارةً يظهر بأنه طبيعي من الناحية الجنسية ويحاول التقرب من اشخاص مغايرين جنسياً، وتارةً يشعر بالنفور منهم وربما التهرب، خاصة إذا كان يوجد شريك عاطفي محدد.
- طلبات جنسية غريبة من الشريك: إذا كان الشخص الذي لديه حالة ميوعة جنسية مرتبط مع شخص عاطفياً وجنسياً، فقد يطلب طلبات غريبة وغير مفهومة بالنسبة لشريكه، مثل تبادل الأدوار الجنسية، أو استخدام العاب جنسية بطريقة معاكسة لوظيفتها المتوقعة.
- تقليد سلوكيات الجنس الآخر: يمكن أن تؤدي حالات الميوعة الجنسية لدى البعض، إلى محاولة الشخص تقليد أو محاكاة سلوكيات وتصرفات الجنس الآخر، وهذا قد يكون له عواقب نفسية واجتماعية.
- التحرش بالآخرين: في بعض الحالات عندما يشعر الشخص الذي لديه حالة من الميوعة الجنسية بضغط رغباته الجنسية خاصة غير الشائعة أو الطبيعية، قد يلجأ للتحرش بأشخاص من نفس جنسه، من خلال الكلام أو التقارب الجسدي، أو محاولة اللمس، وربما التحرش بأطفال.
- تقلب المزاج العام: بسبب عدم الاستقرار في المشاعر وعدم وجود طريقة لتلبية التقلبات في الرغبة الناتجة عن حالة الميوعة الجنسية، فقد يصاحب ذلك تقلبات من الناحية المزاجية، فتارةً يشعر الشخص بالاستقرار والراحة، وتارةُ يشعر بالتوتر وربما الغضب والاكتئاب.
لا ينظر في الأوساط العلمية والطبية إلى الميوعة الجنسية باعتبارها مرضاً له تشخيص واضح وعلاج واضح، وإنما تعتبر نمط من التوجهات الجنسية غير الثابتة وغير المتوافقة مع الثقافة العامة لذا لا يوجد علاج محدد معتمد لمن لديه حالة من الميوعة الجنسية، ولكن يمكن في الحالات التي تسبب الميوعة الجنسية مشاكل نفسية أو جسدية أو جنسية بالنسبة للشخص أن يحصل على علاج مناسب لكل مشكلة بشكل محدد.
ويمكن لبعض الأشياء مثل التركيز على تحديد الهوية الجنسية والتماهي مع النمط الشائع للميول الجنسية، وعلاج حالات التوتر والاكتئاب المرتبطة بالحالة الشخصية، وتطوير الثقة بالنفس وتقبل الذات، والبحث عن الدعم الاجتماعي والنفسي، أن يحسن من حالة الشخص الذي يشعر بالسيولة الجنسية.