العمر المناسب لإعطاء الطفل هاتف شخصي خاص

يعتبر السن المناسب لتقديم الهاتف الذكي الشخصي الأول للطفل موضع حيرة وتساؤل من الآباء، وتتباين الآراء المختصة في تحديد هذا العمر المثالي لامتلاك الطفل هاتفه الأول، فكيف نقرر العمر المناسب لامتلاك هاتف للأطفال؟ وما الذي نفعله قبل إعطاء الطفل هاتفه الشخصي؟ نتعرف إلى ذلك في المقال التالي.
معظم الآراء التربوية تشير إلى أن الوقت المناسب لمنح الطفل هاتفاً شخصياً خاصّاً به هو عمر 12 سنة تقريباً، أو في نهاية مرحلة ما قبل المراهقة، حيث يكون الطفل في هذا العمر قد وصل إلى مستوى جيد من الوعي والنضج لاستخدام هاتفه الخاص.
لكن منح الطفل هاتفاً شخصياً بعمر 12 أو 13 سنة لا يعني منحه حرية كاملة باستخدام الهاتف الذكي! حيث يوصى أن تظل القيود قائمة على استخدام الطفل لهاتفه الخاص ومنعه من إدارة حساباته الخاصة في التطبيقات ووسائل التواصل الاجتماعي حتى عمر 16 سنة على الأقل.
كما أن هناك بعض العوامل والظروف التي قد تجعل الأهل مضطرين لمنح الطفل هاتفه الخاص قبل السن المعقول أو الموصى به، مثل بعد مكان مدرسة الطفل وأنشطته عن المنزل أو انفصال الوالدين، وفي هذه الحالة الأفضل منح الطفل هاتفاً عادياً للاتصالات وليس هاتفاً ذكياً حتى يصل إلى سن 12 سنة.

هناك العديد من الآراء حول أنسب عمر لإعطاء الطفل هاتفه الخاص، نستعرض وإياكم أبرزها:
- في عمر أقل من 10 سنوات: ليس خياراً جيداً إعطاء الطفل هاتف شخصي خاص به قبل سن العاشرة على أقل تقدير! ولا يوصى بالخضوع للضغط الذي قد يتعرض له الآباء من قبل أطفالهم والإلحاح الشديد للحصول على الهاتف قبل سن العاشرة، حيث تشير الأبحاث أن الصحة العقلية للأطفال تكون أسوأ كلما حصلوا على الهواتف الذكية بمرحلة أبكر من العمر خاصة في هذه المرحلة العمرية، كما أن فرص الإدمان على الانترنت والهاتف تكون أقوى في هذا السن، لذا يرفض معظم الباحثين والمختصين حصول الطفل على هاتف محمول شخصي قبل عمر 10 سنين.
- في عمر من 10 سنوات إلى 13 سنة: الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 10 أعوام و13 عاماً هم على مشارف مرحلة المراهقة أو يعيشون المراحل المبكرة من البلوغ والمراهقة، وهي الفترة التي سيكون فيها الطفل المراهق شديد الحساسية ويسهل عليه الوقوع بشباك التعلق القوي بالأشياء من حوله وهي فترة صعبة ووجود الهاتف الذكي في يده خلال هذه المرحلة يزيدها صعوبة، كما يكون التنمر أكثر شيوعاً بين الطلاب في هذه الفئة العمرية وانتشار استخدام الهواتف في هذه المرحلة يضخم المشكلة ويزيد من تأثيراتها السلبية على المراهق
وبنفس الوقت يرجح آخرون أن العمر ما بين 10 و12 سنة يبقى فيه الأطفال على صلة بالوالدين بشكل وثيق ولا يمانعون بشدة التدخل في هواتفهم وخصوصياتهم، لذا يمكن البدء في الحالات الضرورية بإعطاء الهواتف للأطفال بهذا العمر، مع وجود حاجة تبرر ذلك، ومراقبة واضحة من الأهل، مثلاً في حال كان الطفل يدرس في مكان بعيد ويحتاج للتواصل مع الأهل عن طريق الهاتف الذكي، أو لو تم وضع الأهل في موقف محرج مع امتلاك كل أبناء الجيل للهواتف ما عدا طفلهم، وتطور أساليب التعليم التي تعتمد على استخدام الهاتف المحمول، فجميعها ظروف تجبر الأهل على عدم تأجيل إعطاء الطفل هاتفه الخاص، أو على الأقل البدء في التحدث مع المراهق عن الانترنت والتكنلوجيا لأنهم سيتعرضون لها بشكل أو بآخر. - في عمر 14 سنة: معظم الآراء التي تناقش العمر المناسب لحصول الطفل على هاتفه الخاص تقترح أن السن المناسب لتقديم هاتف محمول خالي من وسائل التواصل الاجتماعي هو بين 13 سنة و14 سنة، حيث أنه سن معقول لوضع الطفل أمام مسؤولية استخدام هذا الهاتف وإمكانية شرح القواعد له وضبطه بنفس الوقت.
مع ذلك يفضل إعطاء الطفل هاتفاً ذكياً لا يحوي مواقع تواصل اجتماعي لأنها أكثر فترة حرجة في مرحلة البلوغ والمراهقة وقد يصعب فرض قواعد فيها على المراهق وملاحقته وسهولة التمرد عندهم، والبعض يرى أنها آراء قديمة أصبحت اليوم أقل منطقية في ظل التسارع التكنولوجي واجتياح الانترنت ووسائل استخدامه حياة البشر مما يتطلب التعامل بمرونة أكبر مع متغيرات العصر وتقدير إمكانية الوصول للهاتف الذكي والتطبيقات المتاحة بعمر بين 12 سنة و14 سنة. - في عمر 16 سنة: من عمر 16 عاماً يمكن إعطاء المجال للطفل المراهق لاستخدام الهاتف الذكي مع وجود تطبيقات التواصل الاجتماعي، مع الموازنة بين القواعد والحدود والمراقبة، وبين احترام وتقدير الخصوصية، ومن وجهة نظر بعض المختصين هذا العمر هو الأفضل للحديث مع الطفل عن طريقة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وكيفية تجنب مخاطره، والعمر المثالي لمنح الطفل هذه التجربة، وإذا أردنا الحديث عن الحد الأدنى للسماح بخوض تجربة امتلاك هاتف خاص ذكي يحوي تطبيقات التواصل الاجتماعي فهو يرجح أن يكون 13 عاماً وليس أقل، وحتى أن منصات وتطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي تضع شرط للاستخدام وهو تجاوز عمر المستخدم 13 عاماً.
- انتقاء هاتف مناسب: ويفضل أن تكون خطوة تشاركية مع الطفل لانتقاء هاتف مناسب للميزانية من جهة ولرغبات الطفل من جهة، واختيار هاتف سهل الاستخدام وميزاته مناسبة لعمر الطفل وللحاجة من استخدامه، فلو احتاجه للتعلم والدراسة سيكون أكثر تكلفة وتطوّراً مما لو احتاجه للتواصل أثناء التنقل والذهاب للمدرسة فقط.
- التحدث مع الطفل عن حياته الرقمية: وهي محادثة بسيطة مناسبة لمدى نضوج الطفل وعمره قبل تقديم الهاتف الذكي الخاص به، يتم من خلالها مناقشة كيفية استغلال فوائد التكنولوجيا في التواصل والتعلم والترفيه وطرق تجنب مخاطرها وتنظيم وقت استخدامها بما لا يؤثر على جوانب حياته الأخرى مثل التفاعل مع العائلة والأصدقاء ومستوى التحصيل الدراسي، وكذلك من المهم التنبيه لضرورة حماية الخصوصية والأمان وعدم مشاركة معلومات شخصية مع الغرباء.
- اختيار التطبيقات المناسبة لعمر الطفل: اختيار نوع التطبيقات خطوة هامة قبل منح الهاتف المحمول للطفل، والتي تضم التطبيقات الأساسية في التواصل وتطبيقات الرقابة الأبوية والألعاب الإلكترونية المناسبة التي لا تسبب ضرراً أو إدمان وتطبيقات تعليمية وأخرى تساعد في تنظيم الوقت، مع إزالة أي تطبيق غير مناسب بعد لعمر الطفل.
- وضع قواعد مشتركة واتفاقات: بحيث تكون على شكل اتفاق أكثر من كونها أوامر أو فروض، وتتضمن شروط وحدود وقواعد استخدام الهاتف الذكي وإمكانية تغيير هذه القواعد مع تغير العمر، مع توضيح نوع العقاب الذي سيتبع عند مخالفة هذه القواعد.
- تحديد أوقات استخدام الهاتف: خاصة في بداية فترة امتلاك الطفل للهاتف الخاص به، حيث يجب وضع جدول زمني للأوقات المسموح بها استخدام الهاتف والأوقات المحظور فيها لتجنب التعلق الشديد بالهاتف والانجرار للإدمان دون وعي لذلك.
- السماح بالنمو السليم: العديد من الأبحاث والدراسات أشارت لوجود تراجع كبير في النمو العقلي وتضرر النمو البيولوجي والنفسي السليم الطبيعي للأطفال الذين بدئوا استخدام الهاتف المحمول بسن مبكرة خاصة لو كانت قبل سن العاشرة، حيث ظهرت العديد من المشاكل في قدرات التركيز أو التعلم والنمو في مراحل لاحقة، وهذا من أهم وأبرز أسباب البحث عن العمر المناسب لتقديم الهاتف الذكي للأطفال.
- تقليل المخاطر الجسدية: فالأطفال في عملية نمو مستمرة وعند إدخال الهاتف بسن مبكر غير مناسب تتعطل عملية النمو الجسدي مما يعني أن المخاطر الجسدية أقوى التي يسببها استخدام الهاتف أكبر وأعلى من الكبار، مثل تضرر العيون والمفاصل وازدياد احتمال الإصابة بالسمنة أو التعرض للإصابات الجسدية والحوادث وما إلى ذلك، وهذه إيجابية هامة نسعى لها من خلال انتقاء عمر مناسب لتقديم هاتف محمول للطفل.
- تقوية مهارات التواصل: يتعلم الطفل مهارات التواصل بشكل أفضل قبل دخول الهاتف الذكي الشخصي إلى حياته، فهو يتفاعل اجتماعياً بسلاسة وسهولة مع الأقران ومع أفراد أسرته ويكتسب قدرات التعبير عن الذات ويتجنب العزلة الاجتماعية ويميل لقضاء وقته في عالم حقيقي بدلاً من العالم الافتراضي المؤذي أمام شاشات الهواتف.
- حماية الطفل من الاستغلال والإدمان: استغلال الطفل أو المراهق من قبل الأصدقاء أو حتى الغرباء عن طريق التواصل باستخدام هاتف ذكي، أو مشكلة الإدمان الشديد على استخدامه، هي من أخطر الآثار الجانبية لاستخدام الهواتف الذكية عند الأطفال والمراهقين والتي يزداد خطر الوقوع فيها كلما بدأ الطفل باستخدام هاتف ذكي شخصي بعمر أصغر، ولتجنبها دائماً تجرى الدراسات التي تبحث عن عمر مناسب للبدء بإعطاء الهواتف للأطفال.
- تجنب المشاكل النفسية: والتي يسهل على الأطفال الانخراط بها إثر التعلق بالهاتف الذكي والانترنت في مرحلة مبكرة من طفولتهم، مثل الاكتئاب والعزلة والانطوائية والقلق وضعف الثقة بالنفس وغيرها.
- التعرض للمحتوى غير اللائق: الأطفال في السن الصغير جداً المعتادون على استخدام الهاتف المحمول قد يتعرضون للكثير من أنواع المحتوى غير اللائق وغير المناسب ويتلقون أفكار غير جاهزين لفهمها ومعرفة كيفية التصدي لها والتعامل معها، وهذا ما يزيد مخاطر تأذي اتزان الطفل وتشويه القيم الأخلاقية واكتساب سلوكيات منافية للعادات الثقافية التي يعيش ضمنها وتطور جنسي غير صحي وتكوين الكثير من الأفكار المغلوطة وما إلى ذلك.
- التعلق وإدمان الهاتف: حيث يعتاد الطفل ويدمن على وجود الهاتف بحياته منذ وقت مبكر من العمر مما يؤثر على نموه الاجتماعي النفسي وعلى تطور مهاراته ويجعل حياته متمحورة حول الهاتف، فتتأثر وظائف التعلم لديه بشكل كبير ويتعرض لضعف في النمو والتطور والتعلم.
- التعامل مع أشخاص غير مضمونين: خاصة في حال الدخول لعالم التواصل الاجتماعي الذي يعرض الأطفال للتعامل مع أشخاص غرباء وغير متناسبين بالعمر والتفكير، مما يؤذي الأطفال بشكل خاص لسهولة إيذاء أفكارهم وتعرضهم للاستغلال الإلكتروني والابتزاز وغيرها.
- زيادة التشتت الذهني: حيث يصاب الأطفال الصغار بحالة من عدم التركيز والتشتت وضعف الانتباه نتيجة الاعتياد على عدم التفاعل عند كثرة استخدام الهاتف الذكي، لذا يفضل إبعاد الأطفال الصغار قدر الإمكان عن امتلاك هاتف خاص بهم يستخدمونه متى يشاؤون فهذا سيعيق تطور القدرات العقلية والتركيز والانتباه.
- زيادة المخاطر الجسدية: كتضرر العيون والتعرض لاضطرابات ومشاكل النوم ومشاكل المفاصل والعظام والعضلات نتيجة ضعف الحركة وضعف جهاز المناعة ونقص الفيتامينات وزيادة الوزن، وهي أضرار عامة لاستخدام الأجهزة الذكية ولكن ظهورها في عمر مبكر نتيجة عدم تقدير الوقت الصحيح لإعطاء الطفل الهاتف، ويؤذي نمو الطفل الجسدي ويعرضه لمخاطر وأمراض حقيقية..
السماح للطفل بامتلاك هاتف ذكي خاص به لا يعتمد فقط على اختيار العمر المناسب بل كذلك هو يرتبط بتطبيق عدة ملاحظات هامة تساعد في جعل هذه الخطوة مضبوطة أكثر:
- تقديم نموذج إيجابي: من المهم جداً أن يسعى الآباء لتقديم نموذج إيجابي عن كيفية الاستخدام الصحيح للهاتف ووسائل التكنلوجيا لأطفالهم، وإلا تقتصر محاولات ضبط الطفل على الأوامر والملاحظات النظرية التي تتناقض مع طرق الاستخدام الحقيقة للهاتف من الأهل، بل يجب تشكيل قدوة حسنة بعدم إدمان الهاتف الذكي وعدم جعله يؤثر على تفاعل افراد الأسرة مع بعضهم، حيث يساعد ذلك الأطفال في التعامل بوعي ومسؤولية تجاه امتلاك هاتف ذكي خاص.
- فهم كيفية توظيف الهاتف: بمعنى تقدير حاجة الطفل لاستخدام الهاتف الذكي وكيفية توظيف الهاتف بما يتناسب مع هذه الحاجات، فمثلاً قد يحتاج الطفل لهاتف خاص ذكي لإنجاز مهام دراسة معينة مطلوبة منه في المدرسة، فيجب أن يكون الآباء على اطلاع بنوع هذه المهام وكيفية استخدام الهاتف لإنجازها دون ترك مجال للطفل للاستغلال والخداع، أو عند وجود ظروف تنقل معينة يحتاج بها الطفل لهاتف شخصي للتواصل عند الضرورة، كأن يذهب للمدرسة ويعود منها وحده، وما إلى ذلك.
- الحفاظ على الرقابة الأبوية: لا يجب أن تغيب الرقابة الأبوية عن الأطفال الذين يستخدمون الهاتف مهما كانت أعمارهم، ولكن مع مراعاة تغيير شدة وطريقة هذه المراقبة مع تغير عمر الطفل وخصوصيته ومشاعره خاصة لو كان في عمر المراهقة، وتكون المراقبة لطيفة وعن طريق الاتفاق وليس عن طريق التجسس المزعج والتحكم والتسلط على الطفل.
- عدم الاعتماد على العمر فقط: فليس كل الأطفال بنفس مستوى الوعي والنضج أو نفس الشخصيات أو نفس الظروف الحياتية والعمر ليس قاعدة موحدة، فقد يختلف السن المناسب للحصول على الهاتف حتى بين الأخوة، لذا من المهم الأخذ بعين الاعتبار نضج الطفل ومتطلبات الجيل والعصر ومقدار الحاجة للهاتف في الحياة اليومية ونوع الظروف التي تخلق الحاجة للهاتف الذكي وما إلى ذلك.