أهمية الاعتراف بالخطأ ولماذا لا يعترف الناس بأخطائهم!

أسباب كثيرة تجعل الإنسان غير قادر على الاعتراف بالأخطاء التي يرتكبها، وهذا يكون له عواقب سيئة عليه وعلى الآخرين وعلى المجتمع، فالاعتراف بالخطأ فضيلة مهمة لتجاوز آثاره، في هذا المقال نتحدث عن أهمية الاعتراف بالخطأ في علم النفس، وهل الاعتراف بالخطأ فضيلة؟
علم النفس الحديث يؤكد أن الاعتراف بالخطأ ليس مجرد سلوك أخلاقي، بل هو عملية نفسية معقدة تؤثر على الدماغ والمشاعر والعلاقات الاجتماعية، فالاعتراف في الخطأ مثلاً يلعب دور في تقليل التوتر والضغط النفسي، وذلك لأنه عندما يرتكب الإنسان خطأً، فإن عقله يدخل في حالة من التوتر بسبب الشعور بالذنب والخوف من العواقب يزيلها الاعتراف بالخطأ!
وفقاً لعلم النفس العصبي يؤدي كبت الأخطاء ومحاولة تبريرها إلى زيادة إفراز هرمون الكورتيزول المعروف بهرمون التوتر، هذا الارتفاع المستمر في مستويات الكورتيزول يمكن أن يزيد التوتر ويسبب الاضطرابات والقلق المفرط، لكن بمجرد الاعتراف بالخطأ يتوقف الدماغ عن التعامل مع الخطأ كتهديد، مما يقلل من إفراز الكورتيزول ويعيد التوازن العصبي إلى الجسم، مما يؤدي إلى الشعور بالراحة.
أيضاً يلعب الاعتراف بالخطأ دور في تعزيز الذكاء العاطفي والتطور الشخصي فالأشخاص القادرون على مواجهة أخطائهم يتمتعون بمرونة نفسية أكبر، مما يساعدهم على فهم مشاعرهم بشكل أعمق، وتطوير استراتيجيات لحل المشكلات، واكتساب خبرات جديدة دون الخوف من الفشل، وهذا يجعلهم راضين أكثر عن أنفسهم ولديهم مستوى أعلى من الثقة بالنفس، ويعطي شعور للإنسان بالقوة والقدرة على تجاوز الصعوبات.
ومن منظور علم الأعصاب، يساعد الاعتراف بالخطأ بتدريب الدماغ على التعامل مع التحديات بمرونة، عندما نعترف بأخطائنا يقوم الدماغ بتفعيل القشرة الجبهية الأمامية (Prefrontal Cortex)، وهي المنطقة المسؤولة عن التفكير العقلاني واتخاذ القرارات.
إذاً من الناحية العلمية، الاعتراف بالخطأ ليس مجرد فعل أخلاقي، بل هو آلية نفسية وعصبية تعزز الصحة النفسية، فهو يقلل التوتر، يحسن الذكاء العاطفي، يعزز العلاقات الاجتماعية، ويعيد برمجة الدماغ للتفكير الإيجابي.

لماذا لا يعترف الناس بأخطائهم! لا شكّ أن الاعتراف بالخطأ ليس سهلاً، فقد يترتب على الاعتراف بالخطأ عواقب ثقيلة وتعويض لمن نخطئ بحقّه كما أن الاعتراف بغلطنا غالباً ما يبدو محرجاً وربما يهدد صورتنا الاجتماعية أو علاقاتنا، وأهم أسباب المكابرة وعدم الاعتراف بالخطأ:
- الخجل من الخطأ: الخجل من الخطأ الذي يرتكبه الشخص هو من أهم أسباب عدم اعترافه به، فهو يرغب بأن يتم التغاضي عن أخطائه، وبالتالي فإن عدم الاعتراف بها هي الوسيلة التي تحميه من الشعور بالخجل.
- النظر للاعتراف بالخطأ أنه ضعف: بعض الأشخاص وبسبب عوامل نفسية وتربوية واجتماعية، ينظرون للاعتراف بالخطأ على أنه ضعف لديهم، فالمخطئ من وجهة نظرهم هو شخص فاشل أو سيء، وإذا ظهروا بهذه الصورة فهذا يعني أنهم فشلة، فيتهربون من هذا من خلال عدم الاعتراف بالخطأ.
- الخوف من العواقب: ارتكاب الإنسان لخطأ ما يرتب عليه بعض العواقب حسب نوع هذا الخطأ، عواقب قانونية، أو مالية، أو مهنية، أو اجتماعية، ويذهب الإنسان لعدم الاعتراف بالخطأ حتى لا يكون مضطر لمواجهة هذه العواقب.
- الخوف من فقدان السيطرة: في بعض المجالات التي يكون فيها الشخص بموقع قيادي أو مسؤول، كأن يكون الأب في الأسرة أو المدير في العمل، يعتبر الخطأ من قبله بمثابة تهديد لسيطرته على الآخرين، فهو يريد أن يظهر وكأنه لا يخطأ وهذا ما يبرر ضرورة التزامهم دائماً بما يقول ويأمر، وإذا اعترف أنه كان مخطئ بشيء ما، فهذا سوف يجعلهم يناقشون أوامره في المرات القادمة.
- الحفاظ على الصورة المثالية: بعض الأشخاص يظهرون المثالية والكمال ويحبون أن ينظر إليهم الآخرين بهذه الطريقة، وارتكابهم للأخطاء يهز هذه الصورة من وجهة نظرهم، فيلجأ أغلبهم لعدم الاعتراف بالأخطاء، حتى تبقى صورتهم عن ذاتهم نفسها.
- الشعور أنه ليس خطأ: من الأسباب الرئيسية التي تجعل الناس لا يعترفون بأخطائهم أنهم لا يجدونها أخطاء حتى بينهم وبين أنفسهم، ويصلون إلى مرحلة من التبرير تجعلهم ينظرون إلى الخطأ وكأنه أمر خارج عن السيطرة أو لم يكن بالإمكان غيره أو ربما حتى ليس خطأ من الأصل!
- تحسين الصورة الشخصية أمام الآخرين: أن يعترف الإنسان بخطئة يعتبر خطوة جريئة من قبل الشخص، تحسن صورته أمام الآخرين وتجعله يبدو شجاع ويحاسب نفسه على أخطائه.
- تنمية القدرة على تقبل أخطاء الآخرين: عندما يعترف الإنسان بأنه يخطئ أحياناً ويعرف ما هي أخطائه ويرغب بتسامح الآخرين معها، فإنه سوف ينمي لديه صفة التسامح مع أخطاء الآخرين، إذ يصبح أكثر تقبل لفكرة التسامح.
- القدرة على تحمل المسؤولية: الاعتراف بالخطأ يجعل الشخص أكثر حذر في سلوكه، وبالتالي يتعلم تحمل المسؤولية، فحتى لا يتعرض لنفس الموقف مرة أخرى، يحاول أن يكون مسؤول عن تصرفاته ولا يتهرب منها كي لا يرتكب أخطاء جديدة.
- تنمية القدرة على تقييم الأخطاء وإصلاحها: عندما يعترف الإنسان بخطئه بسرعة يصبح أكثر قدرة على استكشاف أخطائه وأخطاء الآخرين، ومع الوقت والخبرة يصبح أكثر قدرة على إصلاح هذه الأخطاء.
- إصلاح الخطأ قبل فوات الأوان: من أهم فوائد الاعتراف بالأخطاء أنه يساعد على الاكتشاف المبكر لها بسبب عدم انكارها وبالتالي يساعد في تحسين فرص إصلاحها بشكل مبكر.
- زيادة الثقة بالنفس: الإنسان الذي يعترف بأخطائه بنفسه لا يسمح للآخرين بتتبع أخطائه ويضع نفسه في مواقف مخجلة، إذ أنه لا يوجد لديه ما يخاف أو يخجل منه، وبالتالي يصبح أكثر ثقة بنفسه.
- اكتساب الثقة في مكان العمل: من يعترف بخطأة يكتسب ثقة الآخرين في مجال عمله، إذ أن من يعترف بخطئه يعتبر قادر على تحديد الخطأ وإصلاحه وبالتالي هو كفؤ للعمل، ويتحمل المسؤولية.
- كسب احترام الآخرين: فالاعتراف يوحي بالقوة والشجاعة والثقة بالنفس، فهو قرار يحتاج إلى جرأة وثقة وشعور بالمسؤولية واخلاق عالية، وهذه صفات مرغوبة ومحترمة في أغلب الأوساط.
- تعزيز القدرة على التكيف: الشخص الذي لديه قدرة على الاعتراف بصورة أسرع بأخطائه وعدم التزمت أو الدفاع عنها، يكون غالباً أكثر قدرة على التكيف مع هذه الأخطاء واي أوضاع جديدة حتى يعيد الأمور لنصابها.
- تقليل الصراعات والمشاكل: من يتسمك بأخطائه ويدافع عنها لا يمكنه أن يعتذر أو يحل المشكلات، وهذا يجعله يدخل في صراعات عديدة ومشاكل مع الناس، ويكفي أن يعترف الإنسان بأخطائه حتى لا يكون مضطر للكثير من المشاكل في حياته.
- فقدان المصداقية: الشخص الذي لا يعترف بأخطائه ويدافع عنها حتى بعد أن تكتشف، غالباً يخسر مصداقيته أمام الآخرين، وبالتالي تحجب عنه الثقة، وقد يكون ذلك في الزواج أو العمل أو بين الأصدقاء أو في عمله التجاري وغير ذلك.
- الظهور بمظهر سيء: عند ارتكاب الشخص لخطأ ما ولا يعترف به فإنه سوف يظهر بصورة سيئة وتنفر الآخرين منه لكونه يفقد احترام الآخرين، فهو بالإضافة للخطأ الذي ارتكبه، يبدو بصورة الكاذب والعنيد.
- زيادة تأثيرات الخطأ: في حال لم يعترف الشخص بخطأ ما قد يتسبب بزيادة الآثار السلبية لهذا الخطأ، كأن يكون الخطأ الذي ارتكبه الشخص هو مرحلة في صنع شيء أو مهمة معينة وباقي المراحل تتوقف على أدائه بالشكل الصحيح، وبالتالي الخطأ المرتكب سوف يؤثر سلباً على المراحل اللاحقة.
- عدم القدرة على إصلاح الخطأ: الاعتراف بوجود الخطأ هو الخطوة الأولى في طريق إصلاحه، وعدم الاعتراف سوف يضيع الوقت بإخفاء هذا الخطأ وتبريره، وبالتالي فإن عدم الاعتراف بالخطأ سوف يؤدي لعدم إصلاحه، وهذا يسبب عدم احترام الشخص لنفسه.
- الدخول في خلافات مع الآخرين: يؤدي عدم الاعتراف بالخطأ والتمسك به وتبريره في كثير من الحالات لوضع صاحبه في مواقف خلاف ومشاكل وصراعات مع الآخرين، إذ أنه لا يقوم بالخطوات التي يمكنه فيها الاعتذار أو إصلاح الخطأ حتى يتجنب هذه الصراعات.

- معرفة أن جميع الناس معرضين للخطأ: لتنمية مهارة الاعتراف بالخطأ يجب أن يعرف الإنسان أن الخطأ أمر طبيعي وأي شخص معرض له، وبالتالي إذا ارتكب الإنسان خطأ هذا لا يعني أنه فاشل أو يفقد قيمته أو يستحق العقاب فهذا ما يجعله بتمسك بعدم الاعتراف، بينما أن ينظر للخطأ باعتباره حدث طبيعي وأي شخص معرض له يجعله أكثر قابلية للاعتراف به وقت حصوله.
- تنمية الثقة بالنفس: الإنسان الواثق بنفسه يكون أكثر قوة وشجاعة للاعتراف بالخطأ عندما يرتكبه، لذا يجب أن ينمي الشخص الثقة بالنفس من خلال إصلاح الأخطاء التي يرتكبها، وتحمل المسؤولية عن أفعاله حتى لا يشار له بأنه شخص فاشل.
- تنمية التسامح مع الذات: السلوكيات النفسية السيئة التي يمارسها الإنسان حيال ذاته مثل لوم الذات وجلدها وتحميل نفسه الذنب والمسؤولية عن كل شيء، يجعله غير قادر على التسامح مع نفسه وبالتالي ينظر لأي خطأ يرتكبه على أنه حدث عظيم ويريد إخفائه، وعند تنمية التسامح مع الذات بالتحفيز والشعور الإيجابي عند الإنجاز وإصلاح الأخطاء، يجعل الشخص أكثر قدرة على الاعتراف بخطئه وإصلاحه دون الدخول في دوامة مشاعر الذنب.
- تقبل النقد من الآخرين: الانتقاد الذي يوجهه الآخرين وخاصة إذا كان نقد إيجابي وبناء، يساعد الإنسان على استكشاف ذاته وصفاتها، وأخطائه وسلبياته، وهذا يجعله أكثر قدرة على التعامل مع هذه الأخطاء وإصلاحها، والاعتراف بها عندما يرتكبها.
- تنمية مهارات التكيف والتأقلم: يجب أن ينمي الإنسان القدرة على التأقلم والتكيف مع الأوضاع الجديدة، من خلال المرونة وإيجاد الحلول للمشكلات، وهذا يجعله قادر على الاعتراف بالأخطاء مهما كانت نتائجها.
- حاول أن تكون موضوعي في تقييم أفعالك ونتائجها حتى تعرف أنت أولاً مكامن الخطأ لديك.
- ابحث عن الطرق التي يمكن فيها علاج الخطأ الذي ارتكبته، فهذا يعطيك شجاعة للاعتراف بالخطأ.
- تقبل فكرة أنك لست مثالياً، فهذا يجعلك تنظر للخطأ بطريقة أكثر واقعية، ويمكنك الاعتراف به.
- استخدم لغة بسيطة وإيجابية للاعتراف بالخطأ، كأن تقول أنك أخطأت ببساطة وسوف تصلح الأمر.
- فكر بالنتائج الإيجابية للاعتراف بالخطأ وإصلاحه، فهذا يجعلك أكثر شجاعة.
- التصالح مع الذات وتقبلها على ما هي عليها.
- غير نظرتك للخطأ، وركز على ما يمكن أن تتعلمه من الخطأ.
- لا تبالغ في لوم ذاتك على الأخطاء، فإصلاح الخطأ أفضل من لوم الذات.
- تعلم طرق الاعتذار اللائقة التي تحافظ على كرامتك، وتساعدك على الاعتراف عندما تخطئ.
- حاول تحمل مسؤوليات أفعالك دائماً، فهذا يجعلك أكثر قدرة على الاعتراف بالأخطاء وإصلاحها.