أنماط الوظائف الإدراكية ومعرفة نمط الشخصية الإدراكي

دائماً ما نلاحظ وجود اختلافات بين الأشخاص في طريقة تفكيرهم وتحليلهم للأمور وفهمها واستيعابها، وهذه الاختلافات غالباً ما تنشأ عن الطريقة التي يفكر بها الشخص أو نمط الإدراك لديه، ومن هنا هل يوجد أنماط للتفكير والإدراك، وكيف يعمل نظام الإدراك عند الناس، في هذا المقال نتعرف على وظائف الإدراك للأنماط وأهم جوانبها، بغية فهم آلية التفكير عند الأشخاص وكيف تختلف من شخص لآخر.
الأنماط الإدراكية أو نظرية الوظائف الإدراكية هي إطار نفسي وضعه كارل غوستاف يونغ (Carl Jung)، يفسّر كيف يفكّر الأفراد، وكيف يدركون العالم من حولهم، وكيف يتخذون قراراتهم، وترتكز هذه النظرية على فكرة أن لكل إنسان نمطاً فريداً من الوظائف العقلية (Cognitive Functions)، وهي عمليات نفسية داخلية يستخدمها الإنسان لمعالجة المعلومات.
في سياق هذه النظرية يشير (النمط) إلى الطريقة المميزة التي يستخدم بها الشخص الوظائف الإدراكية الأربع الأساسية: الإحساس (Sensing) والحدس (Intuition) والتفكير (Thinking) والشعور (Feeling).
وتنقسم الوظائف الإدراكية إلى نوعين أساسيين:
- وظائف إدراكية (Perceiving Functions): وهي الإحساس والحدس، وهي التي تستخدم في استقبال المعلومات.
- وظائف حكمية (Judging Functions): وهي التفكير والشعور، وهي التي نستخدمها في تقييم واتخاذ القرارات.
كل شخص يستخدم هذه الوظائف بطريقة تسلسلية ومنظمة حسب نمطه النفسي، وفي العادة يتم تصنيف الأفراد بناءً على ترتيب هذه الوظائف عندهم، هذا الترتيب يكوّن ما يُعرف بالنمط المعرفي أو Cognitive Pattern، مثل أنماط MBTI الـ 16 الشهيرة.
بمعنى أن هذه النظرية ليونغ لا تركز فقط على (ما الذي نعرفه)، بل (كيف نعرفه وكيف نفكر فيه)، أي أنها تهتم بـالعملية الإدراكية نفسها أكثر من النتيجة.

تقوم نظرية يونغ على تقسيم الوظائف الإدراكية إلى أربع وظائف أساسية، تنقسم بدورها إلى نوعين: وظائف إدراك (Perceiving) ووظائف حكم (Judging)، وتظهر هذه الوظائف إما بشكل انطوائي (Introverted) أو انبساطي (Extraverted)، ما يكوّن ثمانية أنماط إدراكية رئيسية، لكل منها طريقة مميزة في التفاعل مع العالم:
- الحدس الانطوائي (Introverted Intuition – Ni): يُركّز على استبصار المستقبل واكتشاف الأنماط العميقة وراء الأحداث، يستخدمه الأفراد لرؤية (ما قد يكون)، من خلال التأمل الداخلي وربط المعاني.
- الحدس الانبساطي (Extraverted Intuition – Ne): يبحث عن الإمكانيات والروابط بين الأفكار في العالم الخارجي، يُنتج أفكاراً متعددة وسيناريوهات متنوعة، ويحب استكشاف الاحتمالات.
- الإحساس الانطوائي (Introverted Sensing – Si): يعتمد على الذكريات والتجارب الشخصية لتفسير الحاضر، يُركّز على التفاصيل والمعايير الثابتة ويحب النظام.
- الإحساس الانبساطي (Extraverted Sensing – Se): يستقبل المعلومات من البيئة بشكل مباشر وفوري، يعيش في اللحظة ويُركّز على الواقع المحسوس بكل تفاصيله.
- التفكير الانطوائي (Introverted Thinking – Ti): يُحلّل الأفكار داخلياً باستخدام منطق شخصي ودقيق، يبحث عن الفهم العميق للنُظم والمفاهيم.
- التفكير الانبساطي (Extraverted Thinking – Te): يُطبّق المنطق على الواقع الخارجي لتحقيق نتائج عملية، ويُركّز على الكفاءة والتنظيم والإنتاجية.
- الشعور الانطوائي (Introverted Feeling – Fi): يُقيّم الأمور بناءً على القيم والمشاعر الشخصية العميقة، ويتمسّك بالمبادئ ويهتم بالاتساق الداخلي.
- الشعور الانبساطي (Extraverted Feeling – Fe): يُركّز على التناغم الاجتماعي ويُقيّم الأمور من خلال مشاعر الآخرين، ويُحاول إرضاء الناس وبناء علاقات متناغمة.

- الخطوة الأولى لاحظ هل الشخص منفتح أو منطوٍ؟ المنفتح (Extraverted) يكتسب طاقته من التفاعل مع الآخرين، يحب النقاش، يظهر مشاعره، المنطوي (Introverted) يكتسب طاقته من الانعزال والتفكير الداخلي، يعالج الأمور بهدوء وعمق، هذه الخطوة تساعدنا في تحديد ما إذا كانت وظيفته المهيمنة انبساطية أو انطوائية.
- الخطوة الثانية هل يركّز على التفاصيل أو الأفكار الكبرى؟ إذا كان يلاحظ التفاصيل بدقة ويتذكر أحداث الماضي، غالباً يستخدم الإحساس (Sensing)، أما إذا كان يحب الربط بين الأفكار ويتحدث عن الاحتمالات والمستقبل، فهو يستخدم الحدس (Intuition)، هنا نحدد إذا كان نمطه الإدراكي يميل للإدراك عبر الواقع أو الخيال.
- الخطوة الثالثة كيف يتخذ قراراته؟ إذا كانت قراراته مبنية على المنطق والتحليل، فإنه يميل للتفكير (Thinking)، بينما إذا كان يُعطي أهمية للعلاقات والمشاعر، فهو يميل للشعور (Feeling)، هذه الخطوة توضح لنا كيف يقيم الأمور ويتفاعل مع العالم.
- الخطوة الرابعة هل يحب التنظيم أم المرونة؟ إذا كان يحب أن يخطط ويتخذ قرارات واضحة، فهذه شخصية حُكمية (Judging)، أما إذا كان مرن ويحب الخيارات المفتوحة، فيكون ذو شخصية إدراكية (Perceiving)، وهذه الخطوة مهمة لتحديد ما إذا كانت الوظائف الأساسية مرتبة في نمط "ثابت" أو "مرن".
اختبار مايرز بريغز للأنماط الشخصية هو أداة تحليل نفسي تهدف إلى فهم الاختلافات في طرق تفكير الأفراد وسلوكياتهم، من خلال تصنيفهم إلى أنماط شخصية محددة، طُوّر هذا الاختبار من قِبل كاترين كوك بريغز وابنتها إيزابيل بريغز مايرز، استناداً إلى نظرية (الوظائف النفسية) للعالم كارل يونغ.
فكرة الاختبار: يقوم اختبار MBTI على فرضية أن الناس يفضلون استخدام طرق معينة للإدراك والتقييم، وهذه الطرق تنقسم إلى أربع أزواج من التفضيلات الثنائية (Dichotomies):
- الانبساط (E) بمقابل الانطواء (I): هل تستمد طاقتك من التفاعل مع الناس أم من التأمل الداخلي؟
- الإحساس (S) بمقابل الحدس (N): هل تركز على المعلومات الواقعية أم على المعاني والاحتمالات؟
- التفكير (T) بمقابل الشعور (F): هل تتخذ قراراتك بناءً على المنطق أم على القيم والعواطف؟
- الحكم (J) بمقابل الإدراك (P): هل تفضّل التنظيم والتخطيط أم المرونة والانفتاح على الخيارات؟
من خلال تحديد التفضيل في كل بعد، يتم تكوين نمط شخصي مكوّن من 4 أحرف (مثل: INFP، ESTJ، INTJ)، ويوجد في المجموع 16 نمطاً مختلفاً للشخصية.
أهداف الاختبار:
- مساعدة الأفراد على فهم أنفسهم بشكل أعمق.
- تعزيز الوعي الذاتي وتحسين التواصل.
- دعم الأفراد في اختيار الوظائف، أساليب التعلم، وبناء العلاقات.
- يُستخدم على نطاق واسع في التعليم، التوظيف، الإرشاد النفسي، وتطوير الذات.