الإدمان عند المراهقين وحماية المراهق من الإدمان
متى بدأت بالتدخين أو شرب الكحول أو تعاطي أي مادة مخدرة أو منشطة أخرى؟، سؤال قد تسأله لنفسك أو للكثيرين ممن يهمك أمرهم، وفي معظم الأحيان تتشابه الإجابات على هذه الأسئلة إلى حد بعيد، فنقول مثلاً كنت صغيراً وتعلمت التدخين عندما كنت منضماً إلى مجموعة من الأصدقاء المدخنين تعلمناه معاً حين كنا نهرب من المدرسة، أو يكون الجواب كنت في سن المراهقة وحدث معي موقف صعب جعلني ألجأ لتعاطي المخدرات للهروب من واقعي الأليم، والعديد من الإجابات الأخرى التي تتقاطع جميعها في أن مرحلة المراهقة كانت بداية الإدمان لدى معظم الأشخاص، ومن هنا تبدو أهمية مرحلة المراهقة كفترة يعتبر الإنسان معرضاً خلالها للإدمان أكثر من غيرها.
نظراً لتعدد أوجه الإدمان وأشكاله لا يوجد له تعريف علمي جامع ومانع ومعتمد علمياً بصورة قطعية، ولكن بما أن الإدمان في تعريفه اللغوي كمصطلح هو إدمان الشيء أي الالتزام به وعدم القدرة على السيطرة عليه أو الابتعاد عنه، فيمكننا أن نشرح معنى الإدمان بأنه حالة من الاضطراب السلوكي يتميز باعتياد الشخص على شيء ما وإيجاد المتعة والرضا في تكراره دون وعي.
وجرت العادة على ربط هذا المصطلح (المدمن) عند الحديث عن المدخنين أو شاربي الكحول أو متعاطي المواد المخدرة أو بعض أنواع الأدوية.
لماذا يعتبر المراهق أكثر عرضةً للإدمان؟
الإدمان هو نهج سلوكي مكتسب من جهة، والمراهقة هي مرحلة عمرية حساسة تجاه كل ما هو مكتسب وجديد من ناحية أخرى، فالمراهقة مرحلة تتميز بالتغير المستمر والنمو المتسارع وتجتمع فيها صفة الحماس والاندفاع مع قلة الخبرة وعدم تقدير عواقب الأمور، وكل هذا ينتج أسباباً تجعل من المراهقين أكثر عرضة للإدمان، ويمكن تقسيم أسباب الإدمان عند المراهقين على النحو التالي:
الأسباب النفسية لإدمان المراهقين
- يعتبر الفضول والرغبة في تجربة كل ما هو جديد أو مجهول صفة من صفات الجنس البشري وخاصة في مرحلة المراهقة، وهذه الخاصية تتحكم إلى حد بعيد في سلوك المراهقين نظراً لقلة خبرتهم الحياتية وحماسهم الزائد نحو استكشاف كل جديد، وهذا يعتبر من الأسباب النفسية الأكثر تأثيرا في تعرض المراهقين لحالات الإدمان المختلفة.
- الطبيعة النفسية للمراهقين تتميز بالتمرد على السلطة والقوانين السائدة، والمراهق بدوره يجد في الأشياء المؤدية للإدمان تمرداً على مجتمعه وأسرته وكل ما يتسلط على رغباته، ويعد هذا التمرد بمثابة دافع يوجه سلوك المراهقين نحو الإدمان.
- ضعف الشخصية والإرادة وعدم القدرة على اتخاذ القرار أو الرفض، فعندما يتعرض المراهق لتناول أحد العقاقير المخدرة للمرة الأولى يشعر بأنه غير قادر على رفضها من باب الخجل أو المجاملة أو عدم الظهور بمظهر الجبان أمام من يعرض عليه هذه الأشياء، سواءً كان من أقرانه أو من شخص قد يكون له مصلحة من ذلك.
- بعض الاضطرابات النفسية أو العاطفية، التي بدورها تجعل المراهق ضعيف الإرادة والثقة بالنفس أمام بعض المواقف التي تسبب الحزن والاكتئاب وبالتالي لجوئه للإدمان بدافع الهرب من هذا الجو المحبط.
- تقليد شخصية محببة لديه ويعتبرها قدوة ومثل أعلى كأحد الكبار من محيطه أو أحد الشخصيات السينمائية والتلفزيونية.
الأسباب الجسدية لإدمان المراهقين
- الطبيعة الجسدية المتغيرة والتي تجعل جسم المراهق يتقبل كل ما هو جديد ويجعله جزء من التركيب الفيزيولوجي لجسم المراهق، مثل التدخين الذي يجعل الجسم يشعر أنه بحاجة لمادة النيكوتين المتوفرة في السجائر، أو حتى بعض المواد المخدرة الأخرى التي قد تسكن الآلام وتريح الأعصاب وبالتالي يطلبها الجسم مرة أخرى حتى يعتاد عليها.
- من الجدير أن نذكر أن بعض الأجساد تعتبر في طبيعتها أكثر تقبلاً واستجابة للإدمان على أحد المواد المخدرة من الأجساد الأخرى، وهذا ما يفسر أن بعض الأفراد يستجيبون بشكل أسرع وأكبر لتعاطي هذه المواد.
الأسباب الاجتماعية وأثرها على إدمان المراهق
- لجماعات الأقران والأصدقاء التي يعيش المراهق معها وينتمي لها ويعتبر نفسه جزء منها وفرد فيها أثر بليغ؛ سواءً على إدمان المراهق أحد أنواع المواد المخدرة من جهة أو رفضها والابتعاد عنها من جهة أخرى، وهذا تبعاً لما هو سائد بين أفراد تلك الجماعات وللنشاطات التي يقومون بها، فإما أن تكون هذه الجماعات جدار حماية للمراهق من الانزلاق في الإدمان أو غيره من المخاطر، وإما أن تكون هي المنزلق والخطر بذاته!.
- ومن الأسباب الاجتماعية الهامة لإدمان المراهقين، هو انتشار الإدمان على شيء ما بين أفراد أسرته كالتدخين أو تناول الخمور والكحوليات أو تعاطي المخدرات، فإن المراهق في هذه الحالة قد يقلد سلوك أفراد أسرته فهو يجد في هذا التقليد إثباتاً لوجوده، عن طريق فعل ما يفعله الكبار.
- التفكك الأسري وعدم العناية بالمراهق أو الانتباه لأفعاله ونشاطاته وتصرفاته، وبالتالي شعوره بأنه وحيد ولا أحد يهتم بأمره فيلجأ لتعاطي المخدرات أو التبوغ التي تشعره أنه حر ويمكنه التصرف كما يحلو له.
- المحيط البيئي والسكني للمراهق، فقد يكون للبيئة التي يعيش ضمنها المراهق أثر كبير في جموحه نحو الإدمان، مثل انتشار المروجين لهذه المواد أو العيش في مساكن غير صالحة صحياً واجتماعياً تدفع المراهقين إلى الانغماس في سلوكيات غير قويمة منها الإدمان
مصطلح الإدمان واسع في معناه ومتنوع في أشكاله وطبيعة الأشياء التي يعتبر الاعتياد عليها إدماناً، فتبعاً لتعريف الإدمان كحالة نفسية مضطربة، فهناك أشكال عديدة للإدمان تبعاً لطبيعة ما يعتاد عليه كل فرد إلى الدرجة التي قد تعد إدمان، ومن هذه الأنواع والأشكال:
- المواد المخدرة: مثل الحشيش أو بعض أنواع الأدوية والعقاقير والحبوب، الخمور والمشروبات الكحولية، التدخين والذي يعتبر الأكثر انتشاراً بين المراهقين.
- أدوات التكنولوجيا: مثل التلفزيون وبرامجه، مواقع الأنترنيت المتعددة، وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي، الأجهزة الذكية والهواتف المحمولة والألعاب الالكترونية.
- الإدمان الجنسي: مثل ممارسة العادة السرية أو متابعة البرامج والمواقع الإباحية، أو حتى بعض الممارسات الجنسية المتاحة كالمثلية الجنسية.
- العادات السيئة: مثل قضم الأظافر أو نتف شعر الرأس واللحية أو الرموش أو التقيؤ.
الكثير من الأسر التي تضم فرداً مراهقاً تتساءل، كيف يكمن لهم أن يعرفوا بأن ابنهم مدمن على أحد المواد المخدرة، وهل يوجد علامات معينة يمكن من خلالها معرفة أن المراهق يتعاطى الخمور أو العقاقير المخدرة أو حتى التدخين؟
للإدمان أعراض وآثار منها ما هو واضح قد يبدو على جسم المدمن ومنها ما هو صعب الملاحظة يحتاج للتدقيق والرقابة لمعرفته، ومن هذه الأعراض والآثار:
الأعراض الجسدية للإدمان
عادة ما يصاحب حالة الإدمان عند المراهقين وهن عام في جسم المراهق، أو ظهور علامات غامقة تدل على التعب أسفل العينين إذا كان مدمن على أحد المواد أو العقاقير المخدرة، وهناك أعراض أخرى عند تناول الكحول أو التدخين مثل كثرة النوم والتعب والخمول الدائم وحتى تظهر رائحة هذه المواد على جسم المراهق وملابسه.
الأعراض النفسية للإدمان
وهناك أعراض أخرى تبدو على المدمن تتعلق بحالته النفسية، مثل كثرة الشرود والتفكير بالإضافة إلى الغموض في تصرفاته والمبالغة في ردات فعله تجاه من يتدخل في شؤونه، والرغبة الدائمة في البقاء وحيداً وإخفاء شؤونه عن الآخرين، قلة الاستيعاب والإدراك، وقد يصل الأمر إلى فقدان الشهية عن الطعام أو الهلوسة وأعراض أخرى أكثر خطورة تبعاً لطبيعة ودرجة الإدمان.
الآثار الاجتماعية على المدمنين
وقد تلاحظ على المراهق المدمن الرغبة بالانعزال عن المحيط، والبقاء مع جماعات من أصدقائه وعلاقات يحاول اخفائها عن ذويه، عدم الرغبة بالاختلاط مع الأخرين إلا ما يختاره هو من علاقات، السهر لساعات متأخرة ليلاً مع أشخاص غرباء، الهروب من المدرسة، والذهاب إلى أماكن غير معروفة من قبل الوالدين.
كيف يمكن التخلص من الإدمان والوقاية منه عند المراهقين؟
لا يخفى على أحد مدى حساسية مرحلة المراهقة وخطورتها من الناحية التربوية، ذلك أن للمراهقين صفات خاصة تجعل التعامل معهم أصعب ويحتاج إلى مستوى أكبر من الوعي والانتباه لخصائص هذه المرحلة الحرجة.
وعند الحديث عن مخاطر الإدمان على المراهقين ففي هذه المرحلة يبدو واضحاً ضرورة اتخاد اجراءات وقائية والتثقف بالطرق العلاجية حول هذه الأمور:
الوقاية من خطورة الإدمان على المراهق
- يجب أن يتعلم المراهق منذ طفولته ويتربى على أنه مسؤول عن تصرفاته وقرارته تجاه نفسه وتجاه الآخرين والمجتمع، ويجب أن لا يتأثر بمن يريدون الأضرار بمصلحته واتباع سلوك أوعى في نشاطاته.
- الانتباه الدائم لتصرفات المراهق وسلوكه، بغية الاكتشاف المبكر لحالات الإدمان لديه إن وجدت والتعامل معها وعلاجها قبل أن تتفاقم وتصبح أكثر صعوبة وتعقيداً.
- الوقوف إلى جانب المراهق عند حاجته للمساعدة في بعض شؤونه وإشعاره أن هناك دائماً من يهتم به ويريد مصلحته وهو ليس وحيداً في مواجهة متطلبات حياته.
- التعرف على طبيعة العلاقات التي يعيش ضمنها المراهق والانتباه أكثر لما لها من أثر على سلوكه وتشجيعه باستمرار على التقرب والارتباط أكثر بأسرته ومع من يتمتعون بصفات حميدة من أقرانه وأصدقائه.
- المحاولة دائماً لخلق جو أسري واجتماعي قائم على الحب والاحترام والتقدير، يجعل المراهق أكثر ثقة بنفسه وبمن حوله وبالتالي إضعاف احتمال لجوئه للإدمان عندما يواجه مواقف صعبة.
- يعد وقت الفراغ واحداً من العوامل التي تجعل المراهق يفكر باللجوء لتعاطي أحد المواد المخدرة وخاصة التدخين، وهنا لا بد من تعبئة وقته بأمور مفيدة كالرياضة أو تشجيع أحد مواهبه وهواياته، أو العمل على اكسابه عادة جيدة منذ صغره مثل القراءة أو تنمية بعض المهارات.
- توعية المراهق باستمرار وبشكل غير مباشر عن مخاطر الإدمان وآثاره السيئة على شخصية المدمن وأفكاره، ونظرة المجتمع له وطريقة تعاملهم معه.
- بالإضافة لما سبق فإنه وعند حدوث الإدمان، يجب تقبل الأمر بهدوء ومحاولة استيعاب وفهم الفكرة، وتحليل نوع هذا الإدمان وهل يحتاج إلى تدخل طبي في علاجه أم أنه في مراحله وأشكاله المبكرة، وبالتالي تحديد الخطوات الأنسب للتعامل مع الحالة.
تعتبر المراهقة كمرحلة أرضاً خصبة يسهل فيها زرع أي نشاط سواء كان سيء أو جيد، ضار أو نافع في سلوك المراهق، فهي مرحلة حساسة وحرجة في طبيعتها النفسية والجسدية والإدراكية التي تكون عليها حالة المراهق، وهذا ما يجعله أكثر عرضةً لاتباع نشاطات وسلوكيات دون أن يدرك نتائجها وعواقبها، ومن هنا بالضبط يعتبر المراهق أكثر عرضةً للإدمان بكافة أشكاله دون غيره من أفراد المجتمع في مراحل عمرية أخرى، ولهذا السبب كان من الضروري الخوض في هذا الموضوع، من حيث تعريفه ودراسة أسبابه ومراحله وشرح آثاره وعوارضه، وبالتالي الطرق الأفضل لتجنيب المراهق الإدمان.