أسباب الشجار بين الأطفال وتأثيره على شخصيتهم
عندما أعود في ذاكرتي إلى أيام الطفولة أسترجع الكثير من الصور التي أصبحت مضحكة من مواقف الخلافات التي كانت تحدث بيني وبين أخي القريب من عمري أو حتى بيني وبين أقراني في المدرسة أو أصدقاء الحي، ففي كل يوم كنا نتشاجر لسبب ما وكان يصل الأمر في بعض الأحيان إلى نشوب عراك بالضرب وتبادل المذمات والشتائم، تلك أيام قد خلت وعندما نذكرها لا نتمكن من منع أنفسنا عن الضحك أو الخجل من تلك التصرفات.
جميع الأطفال يتشاجرون فهم مثلنا يغضبون ويريدون إثبات وجودهم وفرض رأيهم والتصدي لكل من يقف أمام رغباتهم، ونتيجة لهذا يحدث بينهم شجار وعراك قد يتجاوز في بعض الأحيان حدود المعقول وقد يصبح مؤذٍ لصحتهم الجسدية أو النفسية ولهذا يجب الوقوف على أسباب هذه المشاجرات والعوامل المؤدية إليها وكيف يمكن التعامل معها.
بسبب صغر سنه وضعف خبرته وقلة المواقف الجدية التي مر فيها؛ فالطفل لم يدرك بعد حدود ما هو مسموح من رغباته أو أن هناك أشخاص آخرين في الحياة لديهم رغبات وقد يحدث تناقض بين رغباته ورغباتهم، ولأن الطفل اعتاد على ذويه الذين يؤمنون كل حاجاته ويسايرون معظم رغباته ويتنازلون له عن بعض حقوقهم، لكن عندما يتعامل مع طفل آخر في نفس سنه وطريقة تفكيره وأنانيته فإنه لن يجد المعاملة نفسها التي اعتاد عليها عند ذويه، وهنا تنشأ بذور الخلاف بينه وبين أقرانه وقد تتدخل ظروف أخرى كالغيرة أو الغضب لتحول هذا الخلاف إلى موقف يهدد رغبات الطفل ويدفع به إلى حد فقدان السيطرة على أعصابه وبالتالي نشوب المشاجرات والعراك لفرض رأيه والحصول على ما يريده بالقوة.
هناك استعداد غريزي لدى الفرد البشري للدفاع عن مصالحه وحاجاته ورغباته حتى لو اضطر إلى استخدام القوة وأساليبه الفطرية والغريزية، وعند الحديث عن الأطفال فإنهم معرضون أكثر من الكبار لاستخدام هذه الأساليب كونهم لم يتعرفوا بعد على المنظومة القانونية السائدة بين الكبار من جهة، وكون طبيعتهم النفسية تتسم أكثر بالأنانية والفردية، وهناك الكثير من المواقف والأسباب التي تدفع بالأطفال إلى الشجار للدفاع عن هذه الصالح ومنها:
خلافات على أشياء محددة: مثل اللعب أو الحصول على بعض الأشياء أو الغيرة من بعضهم، وهذا غالباً ما يحدث بين الأشقاء في نفس المرحلة العمرية، فدائماً ما تجدهم يرغبون بالحصول على نفس الأشياء ويغارون من بعضهم أو يقلدون بعضهم.
الخلاف بين المصالح والرغبات: فلكل طفل رغباته الخاصة وحاجاته ومصالحه التي لا يستغني عنها لصالح أحد، كما يحدث مع الأقران في المدرسة فهذا يريد الجلوس في مكان معين والآخر يريد الجلوس في نفس المكان، وهنا قد يصل هذا الخلاف إلى مرحلة الشجار.
الأنانية: الأطفال لا يتنازلون عن أي من الأشياء التي يرونها حقاً أو ملكاً لهم ويريدون كل الأشياء لأنفسهم فهم لم يتعلموا بعد قيم المشاركة وحقوق الآخرين، ولهذا نجدهم يتورطون في الشجارات عندما يأتي أحد ويهدد ما يرونه حقاً لهم.
إثبات الذات: يرى بعض الأطفال في افتعال الشجار مع أقرانهم إثباتاً لوجودهم وقوتهم وقدرتهم على فرض رغباتهم بالقوة.
استعراض القوة: في بعض الأحيان يلجأ الطفل إلى الشجار مع أقرانه وخاصة في المدرسة كوسيلة لاستعراض قوته وإظهار قدراته أمام الآخرين طمعاً بنيل الإطراء والإعجاب.
فرض الرأي: الكثير من الأشياء تقف عائقاً أمام الطفل وهو يحاول إبداء رأيه في العديد من الأمور، وبين أقرانه تجده متعنتاً أكثر لرأيه ومتعصباً لقناعاته وعندما يجادله أحد أو يقف على الطرف النقيض قد نجده يستخدم الشجار لفرض رأيه بالقوة.
الرغبة في القيادة والتزعم: بعض الأطفال يولدون ولديهم الميل نحو القيادة والسيطرة على المحيط وخاصة الأقران، وفي سبيل تحقيق هذه الغاية القيادية يلجأ هؤلاء الأطفال إلى الشجار كوسيلة لجعل الآخرين يخافونهم وينضوون تحت قيادتهم.
المنافسة: لا يريد الطفل أن ينافسه أحد على شيء وخاصة الأشياء التي يعتبرها ملكه كألعابه أو ذويه أو أغراضه الشخصية أو إعجاب الأخرين والحضور الاجتماعي له ولهذا يلجأ إلى الشجار كوسيلة لكسب المنافسة.
الطبيعة النفسية لكل طفل: فبعض الأطفال بسبب طبيعتهم النفسية والبيولوجية أو حتى الوراثية وتربيتهم المنزلية لديهم ميل أكثر نحو استخدام القوة والعدوانية وافتعال العراك مع الأقران أكثر من غيرهم.
تقليد سلوك الكبار او التعلم منهم: الأطفال شديدو الملاحظة وعندما يرون الكبار من ذويهم أو من يرونهم قدوة لهم يستخدمون الشجار في حل خلافاتهم ومشاكلهم فإنهم سوف يقلدون هذا السلوك.
تبعاً لطبيعة المواقف التي تسبب الشجار من حيث الدوافع والأسباب من جهة، وتبعاً للطبيعية النفسية والعقلية لكل طفل من أطراف الخلاف من جهة أخرى، فإن أشكال الشجار والتعبير عن الخلاف والتناقض تتصف بالتنوع والتغير بحسب كل حالة وظروفها، ولهذا فإن شجار الأطفال يأخذ أشكال وأنواع عديدة ومنها:
العراك واستخدام أسلوب الضرب: وهو من الأساليب الأكثر شيوعاً ووضوحاً للشجار، وخاصة عند الأطفال الذين لم يكونوا بعد طرقاً أخرى في الدفاع عن رغباتهم وتسوية خلافاتهم، ولهذا يلجؤون إلى استخدام الضرب والأقوى هو من يفوز بما يريد.
عدم السماح بالاقتراب من أشيائه الخاصة: فبينما يلعب الطفل مع أحد أقرانه بألعابه ويشاركه أغراضه ويقدم له ما يريد، فإنه قد لا يتعامل مع طفل آخر بنفس الأسلوب وذلك تبعاً للعلاقة القائمة بينه وبين هذا الطفل وهذا يعتبر من أشكال الشجار والتعبير عن الكره، ويلاحظ هذا عند الأخوة في معظم الأحيان.
الشتائم والمذمات: وهو شكل آخر من الإهانات التي يوجهها الطفل لطفلٍ آخر لا يحبه ويتشاجر معه، ويشعر أثناء قذفه بالشتائم بأنه أذله وانتقم منه.
كبت مشاعر الكره والحقد: وهذه من أكثر أشكال الشجار سوءً، فهنا قد يتطور الشجار إلى مراحل أكثر حدة وخطورة على أطراف الشجار من حيث أثرها على مشاعرهم النفسية وعلاقاتهم الاجتماعية.
الغيرة: أما هذه فهي من أسباب الشجار وأحد أشكاله أيضاً فالطفل يشعر بالغيرة من الطفل الآخر الذي لا يكن له مشاعر المحبة، فيشعر بالغيرة منه أكثر من غيره ويرغب دائماً بالاصطدام معه وافتعال المشاكل والعراك والخلافات معه.
الوقوف على النقيض أمام كل شيء صادر عن الطرف الآخر: مثل تصيد الأخطاء وإفشاء أسراره والإضرار بمصالحه ونقل أخباره إلى الآخرين.
الشجارات الجماعية: في بعض الأحيان عند الأطفال الأكبر سناً قد يتطور الأمر ليصبح هناك شجارات جماعية فيحصل أن مجموعة من الأطفال تتشاجر مع مجموعة أخرى وهنا يصبح الأمر أكثر خطورة.
آثار شجار الأطفال على شخصياتهم وسويتهم النفسية والاجتماعية
الخلاف والشجار الذي يحدث بين الأطفال لا يتوقف دائماً عند حدوده الزمانية والمكانية ولكنه يترك أثر قد يكون إيجابي في بعض الأحيان أو سلبي في أحيان أخرى وذلك تبعاً لسبب الشجار والطريقة التي انتهى بها وعولج من خلالها، ومن الآثار التي عادةً ما تنتج عن شجار الأطفال:
الآثار الإيجابية لخلافات الأطفال
رسم الحدود: فالأطفال من خلال خلافاتهم مع أقرانهم وشجاراهم الناتج عن هذه الخلافات ومن ثم تسويتها ومعالجتها؛ يتعلمون حدود رغباتهم وأين تقف حقوقهم وحقوق الآخرين.
إثبات الذات وتعلم الدفاع عن المصالح: وهذه من الأشياء الضرورية التي يجب أن تغرس في شخصية الطفل وهي قيمة الدفاع عن الحقوق وعدم الاستغناء عنها.
الابتعاد عن الأنانية: فعندما يرى الطفل أن ليس كل من حوله سوف يتنازل له عن حقوقه ويساير رغباته ويفهم أن الآخرين لديهم حقوق ورغبات تخف لديه مستويات الأنانية والفردية التي اعتادها.
التعرف على القوانين في المجتمع والحياة ورغبات وحقوق الآخرين وواجباته تجاههم وما هو مقبول من تصرفاته وما هو مرفوض من أنانيته.
الآثار السلبية لخلافات الأطفال
تشكيل العداوات: فخلال الشجار مع الأقران والاختلاف معهم يصنع الطفل العدوات ومشاعر الكراهية تجاه بعض الأشخاص.
الغيرة: وهذا الشعور تجاه بعض الأقران يحدث عندما يفشل الطفل في كسب المنافسة مع بعض الأطفال وبالتالي يتشكل لديه شعور الغيرة.
كبت مشاعر الحقد والكره: من الآثار الأكثر سلبية لشجار الأطفال كبت مشاعر الحقد والكراهية وهذا يخلق شخصية حقودة وسلبية في المجتمع.
الغضب والعدوانية: فاتباع سلوك الشجار في تسوية الخلافات دائماً يؤدي لصنع شخصية عدوانية سريعة الغضب.
ضعف الشخصية والثقة بالنفس: إذا كان الطفل أقل قدرة أو أصغر سناً من الشخص الذي يتشاجر معه ولا يتمكن من مواجهته فهذا سوف يؤدي إلى الخوف والتنازل عن الحقوق.
تعلم حل الأمور بالطريقة الخاطئة: فالشجار هو طريقة خاطئة في تسوية الخلافات والتعبير عن الرأي والرغبات، والنجاح في الحصول على ما يريد من خلال العدوانية والشجار سوف يعلم الطفل أن هذا أسلوب مجدي وسوف يستخدمه باستمرار.
في كثير من الأحيان يقلق الشجار الحاصل بين الأطفال ذويهم ويتساءلون باستمرار عن وسائل تمكنهم من تسوية الخلافات التي تسبب هذا الشجار أو الحد من آثارها المزعجة، في البداية لا داعي للقلق فكما سبق وذكرنا أن هذه الخلافات هي سلوك طبيعي، بل وضروري في بعض الأحيان لدى الجنس البشري، وعند الحديث عن طريقة التعامل مع هذا السلوك فهناك خطوات وأفكار عامة قد تساعد في الحد من الأثر السلبي لهذه الخلافات:
- تعزيز روح المشاركة والتعاون: وحل الخلافات بالطرق السلمية عبر النقاشات والتسويات وإيجاد الحلول المتفق عليها.
- وضع حدود للطفل وتعليمه: أنه ليس كل ما في الحياة يسير وفقاً لرغباته وكما يحلو له، هناك الكثير من المواقف التي سوف تتعارض فيها رغباته مع رغبات الآخرين.
- مساعدة الأقران على إيجاد قواسم مشتركة بينهم، وتشجيع روح الصداقة والمحبة والتعاون.
- حل مشاكل الكبار وتسوية خلافاتهم بعيداً عن الأطفال: حتى لا يقلد الأطفال هذه السلوكيات في حل مشاكلهم.
- عدم التمييز بين الأطفال: وإشعارهم بالغيرة من أقرانهم وخاصة بين الأشقاء، والعدل في توزيع الحقوق والاهتمام بينهم حتى لا يشعر الطفل بالظلم ويلجأ للشجار للدفاع عن حقوقه.
- توعية الطفل أكثر بالقوانين الاجتماعية: التي لا يستطيع تجاوزها، والمعايير والقيم السائدة وكيف يجب تسوية خلافاته مع الآخرين من خلالها.
- تشجيع فكرة الروح الرياضية في المنافسة: وتقبل نجاح الآخرين وتفوقهم وجعل هذا حافز للطفل بدلاً من أن يكون موضوع يثير الغيرة والحقد، ويؤدي إلى الشجار.
- إذاً الشجار هو سلوك طبيعي يحدث بين البشر كباراً وصغاراً بل وضروري في بعض الأحيان حتى يتمكن الطفل من إدراك حقوقه وواجباته وحدود رغباته وتصرفاته، فالاختلاف هو ميزة الجنس البشري والبديهي أن ينتج عنه خلافات كثيرة بين الأشخاص، ولكن إذا كان الأمر في حدود تتجاوز الطبيعي والمألوف يجب التدخل للتعرف على أسباب خلافات الأطفال والطريقة التي يتبعونها في حل وتسوية هذه الخلافات سواء من خلال الشجار أو وسائل أخرى وكيف يمكن التقليل قدر الإمكان من الآثار السلبية لهذه الخلافات.