مشاعر النقص والدونية لدى الطفل
مشاعر الإنسان ونظرته لنفسه عموماً تتشكل في المرحلة المبكرة من حياته وما يمر معه خلالها من ظروف تقوده في اتجاهات مختلفة نحو الطريقة التي يبني فيها شخصيته، ونتيجة لهذه الظروف قد يتصف الفرد بأنه واثق بنفسه ومحباً لذاته، أو ناقماً على نفسه كارهاً لذاته يشعر بالنقص والدونية في شخصيته.
وهنا تتلاقى عوامل وظروف متعددة تعمل وتتكاتف معاً في تحديد هذه الصورة التي يرى فيها الطفل نفسه، ولهذا لا بد من التوسع في معرفة هذه الظروف والعوامل وبالتالي العمل على تحسين مشاعر الطفل التي تتصف بالدونية والتخفيف قدر المستطاع من هذه المسألة التي تعتبر من الاضطرابات النفسية المؤذية والمضرة بشخصية الطفل.
الدونية والنقص هي مشاعر تتولد عند الأطفال والكبار بعدم الثقة بالنفس أو الشعور بعجز في القدرات عن القيام ببعض الأمور البسيطة التي يستطيع كل شخص القيام بها، ويشعر فيها الفرد بـأنه أقل من الآخرين خلال مقارنة ذاته معهم وعدم القدرة على مجاراتهم، فهو يرى أن الجميع أفضل منه وأكثر منه قدرة وقوة، وعادة ما تتسبب عوامل عديدة بهذه المشاعر منها ما هو نفسي أو بيئي واجتماعي أو حتى وراثي، ولهذه المشاعر آثار سلبية عديدة على الكائن البشري من حيث نظرته لذاته وحضوره الاجتماعي وتوافقه النفسي.
كل ما يمر بالطفل من ظروف ومواقف تترك أثراً معيناً على ذاته وشخصيته، وهذا الأثر قد يكون إيجابياً في بعض الأحيان أو سلبياً في أحيان أخرى، وعند الحديث عن الطفل الذي يعاني من الدونية والنقص في مشاعره ونظرته لنفسه، فهناك مواقف وظروف وعوامل قد لا تحصى تؤدي لمثل هذه المشاعر ومن هذه العوامل:
مواقف محرجة تهزُّ ثقة الأطفال بأنفسهم: ففي الحياة اليومية يوجد الكثير من الأسباب والمواقف التي تشعر الطفل بالإحراج، وإذا تكرر حدوث هذه المواقف وكانت ردة فعل الآخرين بالسخرية والاستخفاف بسلوكه فإن هذا سوف يجعل الطفل يشعر بالخجل، وإذا تطور الأمر وزاد عن حده قد يصل لمرحلة شعوره بالنقص وفقدان احترامه لذاته.
تأثير العوامل الوراثية على نظرة الطفل لذاته: بعض العوامل التي يرثها الطفل عن ذويه أو أسرته قد تكون سبب في شعوره بأنه أقل من الآخرين وبالتالي يفقد ثقته بنفسه، مثل الشكل السيء أو التشوهات الخلقية أو الذكاء المحدود أو الفقر وقلة الحيلة.
الشعور أن الآخرين يملكون أكثر منه: لأسباب عديدة كالفقر أو عدم الاهتمام من قبل أسرة الطفل به وبشؤونه من حيث ممتلكاته ونظافته ومستواه التعليمي وتفوقه الدراسي، يشعر الطفل بالغيرة من الآخرين وأنه أقل شأن منهم.
الإحباط في بعض الأهداف والرغبات يولد شعوراً بالنقص: قد يتعرض الطفل لمواقف الفشل أو الإحباط في غاياته ومبتغياته، ومثل هذه الأشياء قد يراها الطفل ضعف في إمكاناته وقدراته وبالتالي سوف يفقد ثقته بنفسه ويشعر بالنقص والدونية.
ضعف الشخصية: بعض الأطفال تتصف شخصياتهم أساساً بالضعف وقلة الثقة بالنفس نتيجة تعرضهم لصدمات معينة أو نشأة غير طبيعية ومثل هذه الصفات من البديهي أن تنتج شعوراً لدى الطفل بأنه أقل من الآخرين وأدنى منهم.
عدم ملئ مخزون المحبة والعواطف لدى الطفل: فالطفل بحاجة أن يشعر بمحبة الآخرين واهتمامهم به بشكل دائم ومستمر، وعدم اشباع هذه الحاجة وملء المخزون العاطفي لديه يؤدي لضعف شخصيته والنظرة الدونية لذاته.
النعت بالفشل باستمرار والتنمر من أسباب شعور الطفل بالنقص: بعض الأهل أو المربين يلجؤون باستمرار إلى نعت طفلهم بالفشل والضعف كأسلوب تربوي من أجل تحفيزهم واستفزاز احترامهم لذاتهم، ولكن هذا الأسلوب غالباً ما يأتي بنتائج سلبية كشعور الطفل بالإحباط والنقص.
إخافة الطفل باستمرار من كل شيء: بهدف حمله على الانصياع لأوامر الأهل وإبعاده عن بعض المخاطر، يخيف الأهل أطفالهم بطرق وأساليب وأشياء عديدة، ولكن هذه المخاوف قد تتطور لدى الطفل فيصبح يخاف من كل شيء أو يتصف بالجبن وعدم الثقة بالنفس.
تقييد حركته وعدم ترك مساحة من الحرية لخياراته وتجاربه: فالطفل بحاجة لتجريب كل شيء واختباره بنفسه بأسلوبه الخاص ليتعلم منه بطريقته، ومنعه من حريته هذه وتقيدها يؤدي إلى شعوره بأنه ضعيف وغير قادر على تقرير شؤونه بنفسه.
الاتكالية وتعويده دائماً بأنه يوجد من يساعده بالقيام بشؤونه وواجباته: وأنه لن يتمكن من إنجاز شيء وحده، فيصبح كثير الاتكالية والاعتماد على الآخرين ولا يستطيع القيام بشيء بنفسه ولا يتجرأ على اختبار الأشياء الجديدة وحده، وبالتالي يقل اعتماده على نفسه ويقل احترامه وتقديره لذاته.
الطفل الذي يكنُّ اللوم لذاته ويشعر بالنقص في قدراته والدونية في مستواه وشخصيته، سوف يواجه الكثير من الصعوبات والعقبات خلال حياته، لا يتوقف الأمر على مجرد الانزعاج أو عدم الثقة بالنفس وإنما قد يتطور الأمر إلى مشاعر وسلوكيات قد تتصف بالاضطراب والخلل في سويتها النفسية، أو حتى إلى تشكيل صفات شخصية وهوية اجتماعية قد لا يرضى عنها المجتمع أو الطفل نفسه أو أهله، ومن نتائج ومظاهر شعور الطفل بالنقص والدونية:
الغيرة من بعض الأشخاص: فهو نتيجة شعوره بالنقص وعدم ثقته بنفسه يشعر أنه أدنى من بعض أقرانه وأقل منهم قدراً وقيمة، وهذا سوف يجعله يشعر بالغيرة منهم وربما يحسدهم أو يكرههم ويحقد عليهم.
لوم الذات وكره المجتمع: والشعور أن الجميع يكرهونه ويتآمرون ضده، وفي هذه الحال يفقد الطفل ثقته بنفسه وبالآخرين، ويصبح لديه شخصية قلقة انعزالية تتصف بعدم التوازن النفسي والانفعالي.
اتباع أسلوب الغضب والعدوان في سلوك الأطفال كوسيلة لتعويض الشعور بالنقص ورغبة في فرض الوجود والاحترام على من حوله ولو بالقوة أو الترهيب، وهذا التعويض يعتبر من آليات الدفاع اللاشعورية التي يستخدمها الطفل حين يسقط مشاعر الإحباط لديه ويصب جام غضبه نحو موضوع آخر لا يرتبط بالضرورة بأسباب الإحباط الأساسية والحقيقية.
الشعور أنه غير قادر على إنجاز شيء وعاجز أمام كل ما يعترضه من مشكلات أو مواقف تحتاج منه لردة فعل معينة أو اتخاذ قرار قوي وسريع، وهنا يلجأ للاعتماد على غيره في الدفاع عنه وتقرير شؤونه وتوجيه سلوكه وتصرفاته.
مشاعر الخجل: في بعض الأحيان لا يكون الخجل ناتج عن الأدب والأخلاق الحميدة، وإنما ضعفاً في الشخصية وعدم القدرة على التعبير عن الذات والحاجات والرغبات، أو قلة ثقة بالنفس وعدم تقدير للذات.
ضعف الشخصية: الشعور بالنقص والدونية من البديهي أن ينعكس ضعفاً في شخصية الطفل وفي نظرته لذاته وتقديرها، فحين يشعر أنه أقل من الآخرين ودون مستواهم، سوف يتصف سلوكه بالضعف وعدم قدرته على تقديم نفسه بطريقة صحيحة، وضعف الشخصية قد يكون سبباً ونتيجة في آن.
عدم القدرة على التعبير عن الحاجات والرغبات: فيشعر الطفل غير الواثق من ذاته والضعيف في شخصيته أن حاجاته غير ضرورية ولا أحد يهتم بها، ومن هنا سوف يشعر بالخجل من طرحها أو المطالبة بها.
الانطواء والعزلة: كون الطفل يشعر أنه أدنى من الآخرين وأقل منهم شأناً وقيمةً، سوف يؤدي هذا إلى ضعفه في المشاركة الاجتماعية وعدم قدرته على بناء العلاقات المرضية سواء مع الأقران أو كل من يقابلهم من أشخاص وربما يتطور الأمر حتى بعد أن يكبر ويصبح كامل العضوية في المجتمع.
التراجع الدراسي: كونه في بعض الأحيان يخاف من معلميه وزملائه ويخاف أو يخجل من السؤال والمشاركة في دروسه، ولا يثق بقدرته على التركيز والفهم والحفظ التي تتطلبها الواجبات المدرسة وامتحاناتها، وكل ذلك لأنه يشعر بانخفاض قيمته ودونيته.
عدم القدرة على الدفاع عن النفس والمصالح: أو المطالبة بالحقوق وإبداء الرأي والدفاع عنه والتمسك فيه، فعدم ثقته بنفسه سوف يؤدي لعدم ثقته برأيه وأفكاره ويجعله يعتقد أن أي من رغباته وحاجاته مدعاة لسخرية الآخرين وازدرائهم، ولهذا تجده انهزامي في مواقفه والمواجهات التي يتعرض لها ولا يتمكن من الدفاع عن نفسه وقد يلجأ في كثير من الأحيان إلى لانسحاب والهرب والبكاء أو الخوف والترجي.
حتى لا يبقى الطفل ضعيفاً أمام مشاعره حبيساً وراء لومه لذاته وعم ثقته بنفسه، وبالتالي انعكاس كل هذا على صحته النفسية وهويته الاجتماعية، كان من الواجب البحث عن الطرق والوسائل التي تعزز احترامه لذاته وتحد من أثر مشاعر النقص والدونية لديه، وهنا يمكن ذكر بعض الخطوات التي تساعد في هذا الإطار حتى لا يبقى طفلنا حائراً بالطريقة التي يجب أن يرى فيها نفسه:
زيادة ثقته بنفسه: عن طريق التحدث معه والتعامل بجدية واحترام مع مشاعره والتقليل من مواقف الإحباط أو الفشل التي يتعرض لها، وإشعاره باستمرار بأنه فرد من الأسرة والمجتمع وله وجوده واحترامه في هذا المجتمع.
تعليمه أحد المهارات وتفرده باحترافها: فحين يرى الطفل أنه يملك موهبة وقدرة خاصة ويتمتع بها دون غيره، فسوف يرى بأنه متميز وأن لديه ما هو غير موجود لدى الآخرين، وسوف يحاول باستمرار إظهار موهبته والتحدث عنها والاهتمام بها، وهنا يتحول شعوره بالنقص وأنه أقل من الآخرين إلى شعور معاكس بأنه لديه ما ينقص الآخرين.
تحفيزهم باستمرار على المحاولة والاصرار والنجاح: كثيراً ما يفشل الأطفال في إنجاز بعض مهامهم ومسؤولياتهم وتحقيق رغباتهم، وهذا أمر طبيعي ويعد من أدوات التعلم، عندما يجرب ويخطئ ثم يعيد التجربة بطرق أخرى، ولهذا يجب تعليمه أنه هناك دائماً فرصة أخرى للنجاح فكل ما فشل في أمر يجب التجريب مرة أخرى وبطريقة أخرى حتى النجاح.
عدم التعامل معه بطريقة تقلل من شأنه: أو تحط من قيمته واحترامه لذاته أو احترام الآخرين له، مثل إهانته ببعض التصرفات والكلمات وخاصة أمام الآخرين.
إشعاره بالمحبة والعطف والاهتمام: سواء من أسرته أو أصدقائه وأقرانه أو حتى في مدرسته بين معلميه والمشرفين على تربيته، فيجب دائماً أن يشعر أن هناك من يحبه ويهتم به ويقف بجانبه في كل المواقف والظروف، كي يملأ مخزونه العاطفي ولا يشعر بالفراغ والنقص في عواطفه.
أن يشعر الطفل أنه أقل من الآخرين ودونهم في مستواه سواءً من أقرانه أو كل الموجودين في محيطه، فهذا من الاضطرابات النفسية التي يمكن أن تستمر في شخصيته وتتطور في مختلف مراحل حياته، وهذه الاضطرابات إذا ما تحولت إلى صفة تميز شخصية الفرد، فسوف تنعكس عليه صعوبة في حياته بكافة صعدها ومجالاتها، وهنا تبدو ضرورة أن نفهم الأسباب وراء مثل هذه المشاعر عند الطفل وتوجيه كافة الجهود للتخفيف منها والتقليل من آثارها حتى لا تتحول إلى ميزة تتصف فيها شخصية الطفل ووصمة في حياته ونظرة الناس له.