هرمون النمو (Growth Hormone) وعلاج مشاكل هرمون النمو
يعد هرمون النمو واحداً من أهم الهرمونات التي تلعب دوراً حاسماً في نضج ونمو معظم أعضاء الجسم، لكن في بعض الأحيان قد يرتفع تركيزه بشكل غير طبيعي مؤدّياً بذلك إلى العملقة وضخامة الأطراف، أو أن تحدث القزامة إذا ما انخفض مستواه قبل البلوغ، اقرأ معنا لتعرف أكثر عن هرمون النمو،كذلك عن أكثر الاضطرابات المرتبطة به شيوعاً.
ما هو هرمون النمو؟
يطلق عليه أيضاً اسم الهرمون الموجّه للجسد (STH: Somatotrophin Hormone) أو هرمون النمو البشري(HGH: Human Growth Hormone)، هو عبارة عن هرمون ببتيدي (الببتيد: مركب يتكون من اثنين أوأكثرمن الأحماض الأمينية)؛ يتم تركيبه في الفص الأمامي للغدّة النخاميّة(Anterior Pituitary Hormone) ليُفرز منها إلىالدم بمعدّل 1-2 ملغ يوميّاً، ويعمل على تحريض نمو جميع أنسجة الجسم.
يتميّز إفراز هرمون النمو بنظام يعتمد على الوقت خلال اليوم حيث يكون تركيزه الأعلى ليلاً وتركيزه الأصغر في النهار، لهذا يقال أن الأطفال يكبرون ليلاً، ويكون تركيزه عند حديثي الولادة أكبر منه عند الأطفال والبالغين.
بمصطلحات الكيمياء الحيويّة فإنّ هرمون النمو يحفّز عمليّة تركيب البروتينات ويزيد من تحطيم الدهون وذلك بهدف تأمين الطاقة الضروريّة لبناء الأنسجة، أيضاً يعتبر هرمون النمو ذو تأثير معاكس لتأثيرات الأنسولين، قد يقوم هذا الهرمون بالتأثير مباشرة على الأنسجة، لكنّ معظم الآثار التي يحدثها تكون بواسطة الكبد وغيره من الأنسجة التي تقوم بإنتاج وتحرير مادّة كيميائيّة تُعرف بعامل النمو المشابه للأنسولين (Insulin-Like Growth Factors).
وبشكل أساسي عامل النمو المشابه للأنسولين-1 (IGF-1) الذي كان يدعى سابقاً "السوماتوميدين"(تم اطلاق مصطلح عامل النمو المشابه للأنسولين بسبب قدرة هذا العامل عندما يتواجد بتراكيز عالية؛ على إحداث تأثيرات مشابه لتلك التي يُحدثها الأنسولين، في حين يكون تأثيره الأوّلي تحفيز عمليّة النمو).
يزداد التركيز المصلي لـIGF-1 خلال سنوات الطفولة، في حين تحصل زيادة سريعة وكبيرة لتركيزه خلال سن البلوغ، ليبدأ بعدها بالتناقص التدريجي مع مرور الوقت، كذلك الأمر بالنسبة لهرمون النمو (GH).
ما العوامل التي تنظّم إفراز هرمون النمو؟
يتم تحفيز إفراز هرمون النمو من الفص الأمامي للغدّة النخاميّة كما ذكرنا؛ بواسطة هرمون يطلقه الوطاء (Hypothalamus) يدعى بالهرمون المطلق لهرمون النمو (GHRH: Growth Hormone-Releasing Hormone)، في حين يتم تثبيطه بواسطة السوماتوستاتين (Somatostatin).
وفيما يلي نذكر أهم العوامل التي تؤثّر على إفراز هرمون النمو:
- الجهد العضلي: يؤدي العمل العضلي إلى زيادة إفراز هرمون النمو وزيادة تحلل الدسم التي تُستخدم عندها لتوليد الطاقة.
- نقص سكّر الدم: إن حقن الأنسولين يؤدي إلى نقص سكر الدم، بالتالي زيادة إفراز هرمون النمو، فهرمون النمو يعد ذو تأثير معاكس للأنسولين كما ذكرنا سابقاً.
- الجوع المديد: تحدث زيادة في إفراز هرمون النمو يمكن تخفيضها بتناول البروتينات.
- الكرب والانفعالات النفسية والعمليات الجراحيّة: كلها تلعب دوراً في زيادة إفراز هرمون النمو.
- بعض الهرمونات: الستيروئيدات الكظريّة (كالهيدروكورتيزونوالألدسترون) تنقص من تركيز هرمون النمو، أما الاستروجينات فتزيده.
- النوم: يزداد إفراز هرمون النمو أثناء النوم كما ذكرنا سابقاً، وتكون مستوياته عند الأطفال أثناء ذلك أعلى منها عند الكهول.
ما وظائف هرمون النمو (GH)؟
يمكن إجمال تأثيرات هرمون النمو ضمن ثلاث مجموعات رئيسيّة، هي:
- تأثيره على النمو.
- تأثيرات استقلابيّة.
- تأثيرات نفسيّة.
تأثيرات هرمون النمو على النمو
يقوم هرمون النمو بتأثيراته الفيزيولوجيّة من خلال تحريضه على اصطناع مواد بروتينيّة وسيطة تدعى السوماتوميدينات، لذلك عند غياب القدرة على تشكيل السوماتوميدينات عند طفل ما؛ يصاب بالقزامة التي لا يفيد معها إعطاء هرمون النمو.
تكون آلية تأثير هرمون النمو عند الأطفال قبل البلوغ عبر تأثيره على غضاريف الاتصال في المشاشات العظمية (المشاشة هي النهاية المدورة للعظم الطويل عند المفاصل، تنمو بشكل منفصل عن جسم العظم في البداية)، التي تعتبر كخلايا هدفيّة للGH، أي الخلايا التي يتوجّه هرمون النمو بالتأثير عليها بشكل أساسي، كما لا يتنافى هذا مع تأثير هرمون النمو على باقي نسج الجسم القابلة للنمو كالنسيج العضلي والكبدي والشحمي، بينما لا يملك أيّة تأثيرات على النسيج العصبي في الدماغ، وهو يحرّض زيادة حجم وعدد الخلايا، كما يؤثر على التمايز الخلوي للأنسجة.
يتوقّف تأثير هرمون النمو على المشاشات العظميّة بعد البلوغ بسبب انغلاقها (تحوّل كامل المشاشة من طبيعة غضروفيّة إلى عظميّة)؛ توقف النمو الطولي للعظام، حيث أن تأثيرات هرمون النمو المحرّضة للنمو تعتمد على سلامة الغدّة الدرقيّة والأنسولين.
تأثيرات هرمون النمو الاستقلابيّة نذكر منها:
- زيادة الكالسيوم وتعزيز تثبيت المعادن على للعظام.
- زيادة الكتلة العضليّة.
- تحريض انحلال الشحوم.
- زيادة تركيب البروتينات، لذلك يصنف من ضمن الهرمونات البانية أو الحافظة للبروتين.
- تحفيز نمو جميع الأعضاء الداخليّة باستثناء الدماغ.
- يُنقص من تخزين الغلوكوز (النوع الوحيد من السكر الذي تستخدمه خلايا أجسامنا لإنتاج الطاقة) في الكبد.
- يحفّز عمليّة استحداث الغلوكوز في الكبد.
- يحفّز الجهاز المناعي.
تأثيرات هرمون النمو النفسيّة
يبدو أن لهرمون النمو تأثيرات أخرى تتعلّق بالصحّة النفسيّة والإدراكيّة، فقد تبيّن أن له دوراً بما يلي:
- نوعيّة الحياة: أشارت العديد من الدراسات التي تضمنت مرضى مصابين بعوز هرمون النمو (نقص تركيزه)؛ إلى أن لهذا الهرمون دور جوهري في الحفاظ على أداء كل من الفعاليّات العقليّة والشعوريّة بمستوىً عالٍ، حيث تم ملاحظة أعراض الاكتئاب والانسحاب من المجتمع وكذلك مشاكل في الذاكرة، في حين كان تقديم علاج يتضمن إعطاء هرمون النمو مفيداً في علاج هذا النوع من الاكتئاب والناتج عن نقص تركيز هرمون النمو.
- الوظائف الإدراكيّة: "الإدراك أحد الوظائف أو العمليّات العقليّة العليا التي يكتسب من خلالها الشخص المعرفة ويفهم الأمور عبر التفكير والتجارب والحواس"، كذلك الأمر فقد لوحظ لدى الأشخاص المصابين بعوز هرمون النمو اضطراباً في الإدراك، وقد كان مفيداً لهم إعطاؤهم علاجاً من هرمون النمو لتحسين ضعف الإدراك الناجم عن نقص هذاالهرمون.
ما هي العوامل التي تُنقص من إنتاج هرمون النمو؟
يوجد الكثير من التأثيرات الصحيّة السلبيّة الممكن مشاهدتها لدى الأفراد الذين لا ينتجون هرمون النمو بمستويات كافيّة، وغالباً ما يتعرض المسنونوالأشخاص البدينون لنقصٍ في إنتاجهرمون النمو، حيث ينخفض تركيزه 4-7 مرّات أقل عنه لدى الشباب.
لنستنتج من ذلك أن على الأشخاص المتقدّمين بالعمر ممارسة التمارين الرياضة ضمن نظام حياتهم وذلك لإبقاء أجسامهم بحالة صحيّة جيّدة عن طريق رفع مستوى هرمون النمو، لكنّ تناول الطعام مباشرة بعد الانتهاء من القيام بالجهد العضلي يلغي هذه الزيادة، كما توجدعوامل أخرى تنقص من إفراز هرمون النمو، منها:
- استهلاك الكحول.
- النوم بوقت متأخّر، القلق، متلازمة انقطاع النفس أثناء النوم وغيرها من المشاكل التي تمنع الوصول لمرحلة النوم العميق.
- نظام الحياة قليل الحركة.
يُعد عوز هرمون النمو واحداً من أسباب قصر القامة والقزامة،وتنتج هذه الحالة بشكل أساسي عن:
- أذية الوطاء أو الغدّة النخاميّة (مكوّنات الدماغ) خلال المرحلة الجنينيّة (عوز هرمون النمو الخَلقي) أو بعد الولادة (عوز هرمون النمو المكتسب).
- كما قد يكون السبب ناجماً عن طفرات تصيب المورّثات المسؤولة عن تنظيم عمليّة تصنيع وإفراز هذا الهرمون.
- يكون عوز هرمون النمو في بعض الحالات تالياً لعوز الهرمون المطلق لهرمون النمو (GHRH).
- اضطراب في بنية هرمون النمو نفسه أو ضعف في قدرته التحفيزيّة للنمو.
- كما أن حالة قصر القامة وعوز هرمون النمو تتواجد عند الأطفال الذين يعانون من القزامة ذات المنشأ النفسي والناجمة عن الحرمان العاطفي الشديد، في حين تعود وظيفة الغدّة وهرمون النمو إلى الحالة الطبيعيّة بعد إزالة الضغوط النفسيّة وتقديم الرعاية لهؤلاء الأطفال.
تتضمن أعراض عوز هرمون النمو لدى الأطفال إلى ما يلي:
- قصر القامة.
- تباطؤ سرعة النمو ومراحل البلوغ.
- تراكم الشحوم في منطقة الخصر.
- قد يبدو الطفل أصغر من الأطفال الآخرين في نفس عمره.
- تأخّر تطوّر الأسنان.
- تأخّر بدء البلوغ، وبالرغم من ذلك فإن النساء اللواتي تعانين من عوز هذا الهرمون يمكنهنّ أن ينجبن في بعض الحالات.
تتضمن أعراض عوز هرمون النمو لدى البالغين ما يلي:
- نقص الطاقة.
- نقص القوّة العضليّة والقدرة على تحمّل الجهد.
- نقص الكتلة العضليّة.
- زيادة الوزن، خصوصاً في المنطقة حول الخصر.
- الشعور بالقلق والإحباط أو الحزن ما يقود لتغيّر سلوك المرضى وانسحابهم من المجتمع.
- جلد رقيق وجاف.
تم البدء باستخدام هرمون النمو المصنّع مخبرياً منذ عام 1980م لعلاج الأطفال والبالغين مع تحقيقه لنجاح كبير، في حين كان يتم استخلاص هذا الهرمون من الجثث قبل 1980م، فقبل ذلك لم يكن بالمقدور الحصول على هرمون النمو إلا بعد ما يستخرجوه من جثّة إنسان ميّت، لكن بعد 1980 استطاعوا تصنيع نفس التركيبة الكيميائيّة لهرمون النمو في المخابر، بالتالي استغنوا عن الطريقة السابقة.
حيث يتم إعطاء هرمون النمو عن طريق حقنه بالنسيج الشحمي للجسم بشكل أساسي كالجزء الخلفي للذراع، الفخذ أو في الأرداف، وتكون فعاليّته أكبر إذا ما تم الحقن على أساس يومي.
وبشكل عام تكون الأعراض الجانبيّة لهذا العلاج قليلة وغير شديدة، من هذه الأعراض:
- احمرار مكان الحقن.
- صداع.
- ألم في الورك.
- انحناء العمود الفقري (الجنف).
- في بعض الحالات النادرة يؤدي العلاج طويل الأمد بحُقن هرمون النمو إلى الإصابة بالداء السكري، خصوصاً لدى الأشخاص ذوي القصّة العائليّة للإصابة بهذا المرض.
ماذا يحصل عندما يزداد تركيز هرمون النمو بشكل كبير؟
غالباً ما تكون التراكيز المرتفعة من هرمون النمو ناجمةً عن إصابة الخلايا المنتجة لهرمون النمو في الغدّة النخاميّة بورم حميد، وفي بعض الحالات قد تقوم بعض أنواع الأورام التي تصيب الرئة وجزر لانغرهانس (الموجودة في البنكرياس) بإنتاجالهرمون المطلق لهرمون النمو (GHRH) الذي يحرّض الغدّة النخاميّة على إنتاج كميّات كبيرة من هرمون النمو.
في بعض الحالات النادرة يحدث إنتاج مفرط لهرمون النمو من قبل أنواع معيّنة من السرطان، التي تصيب خلايا لا علاقة لها بإنتاج هذا الهرمون أساساً.تُعد الأورام التي تصيب الخلايا المصنّعة لهرمون النمو في الغدّة النخاميّة نادرة جدّاً لدى الأطفال وتسبّب نموّاً مفرطاً لديهم، ما يقود إلى العملقة وظهور علامات ضخامة النهايات (ضخامة الأجزاء الطرفيّة –اليدين، القدمين، الذقن والأنف- من الجسم).
يشير مصطلح ضخامة النهايات إلى حدوث زيادة حجم الأجزاء البعيدة من الجسم (Distal) (الأجزاء القاصية أو البعيدة عن مركز الجسم)؛ مثل، اليدين، القدمين، الذقن والأنف، تعود هذه الضخامة إلى نمو مفرط للغضاريف، العضلات، النسيج تحت الجلد، الجلد، ومنه يكون أنف وأيدي وأقدام المرضى ضخمة جدّاً، بالإضافة إلى وجود ضخامة في معظم الأنسجة الأخرى مثل اللسان، القلب، الكبد، الكليتين، وبالإضافة إلى الآثار التي تسبّبها الكميّات المفرطة من هرمون النمو؛ فإنّ الورم النخامي نفسه يسبّب صداعاً شديداً، والضغط الذي يمارسه الورم على التصالب البصري قد يسبّب مشاكل في الرؤية.
باعتبار أن التأثيرات الاستقلابيّة لهرمون النمو تعتبر معاكسة لتلك التي يمارسها الأنسولين؛يصاب بعض مرضى ضخامة النهايات بالداء السكري.
تتضمن المشاكل الأخرى المرتبطة بضخامة النهايات (فرط هرمون النمو) ما يلي:
- ارتفاع ضغط الدم.
- أمراض الجهاز القلبي الوعائي.
- التهاب المفاصل الرثياني (الروماتزمي).
- زيادة خطر الإصابة بالأورام الخبيثة للأمعاء الغليظة.
من الممكن علاج فرط هرمون النمو بوسائل وتقنيات مختلفة، منها:
- الجراحة الاستئصاليّة لجزء من الغدّة النخاميّة.
- العلاج الشعاعي.
- العلاج الدوائي: باستخدام أدوية مثل بيغوفيزومانت (pegvisomant) الذي يعمل على منع ارتباط هرمون النمو بمستقبلاته.
وفي النهاية.. أصبحنا نعرف الآن مدى الأهميّة الكبيرة لهذا الهرمون وما له من آثار حاسمة على عمليّة النمو بالإضافة إلى التأثيرات الأخرى، وعلى أهم اضطراباته المتمثّلة بعوزه وما ينجم عنها من قصر قامة وغيرها، وكذلك فرط وجوده والنتائج المترتبة على ذلك من ضخامة تشمل معظم أنسجة الجسم.