أسباب التنمر والتعامل مع المتنمرين
تحوَّل موضوع التنمر خلال الفترة الماضية إلى قضية عامة يهتم بها الناس بشكل استثنائي، فعلى الرغم من قدم مفهوم التنمر وتعرض الكثير من الناس للتنمر مرة واحدة على الأقل في حياتهم، إلَّا أن الحملة التي أطلقتها منظمة اليونيسيف بالتعاون مع وزارة التربية المصرية لفتت الأنظار إلى قضية التنمر وضرورة التعامل معها بطريقة فعالة.
في هذه المادة؛ نتناول مفهوم التنمر بالتفصيل من خلال التعرف على معنى التنمر وطبيعة المتنمرين، ونركز أكثر على دوافع وأسباب التنمر، إضافة إلى الوقاية من التنمر وعلاج المتنمرين، اقرأ حتى النهاية.
إساءة المعاملة واستعراض القوة الأصل في التنمر
تشتق كلمة التنمر في اللغة العربية من محاكاة النمر، وذلك لتشبيه سلوك من يقوم باستغلال قوته في إساءة المعاملة بالنمر الشرس والمفترس، فالمتنمر من تشبَّه بالنمر بسوء خلقه وشراسته وصراخه، والتنمر باللغة الإنجليزية Bullying يشير إلى اساءة المعاملة التي تتضمن الإيذاء بأشكاله المختلفة أو الابتزاز وإساءة استعمال السلطة والقوة.
وإذا نظر كلٌّ منا في ذكرياته بتمعن سيجد نفسه بلا شك قد تعرض للتنمر مرة واحدة على الأقل في حياته، وغالباً سيجد نفسه متنمراً أيضاً في مواقف معينة.
فهم دوافع وأسباب التنمر خطوة متقدمة نحو العلاج
لنتمكن من فهم سلوك المتنمر والوصول إلى حلول فعالة للتنمر لا بد أن نحلل دوافع المتنمرين بعمق، لأن التنمر برأينا يتصف "بالقهرية" نوعاً ما، أي أن المتنمر بالكاد يتمكن من السيطرة على سلوكه العدواني هذا أو التحكم به، دعنا نحاول معاً أن نجيب عن هذا السؤال: لماذا يتنمر المتنمرون؟
السلوك العدواني وسمات الشخصية
يتصف بعض الأشخاص بالسلوك العدواني منذ الطفولة، والعدوانية عند الأطفال تعتبر جزءاً من تكوين شخصيتهم، فغالباً ما يجرب الأطفال انتزاع ما يريدونه بالقوة، وإظهار غضبهم كوسيلة للابتزاز العاطفي.
وهنا يكون دور الأهل والمربين في تقويم سلوك الأطفال والتحكم بردة فعلهم تجاه الحرمان، فعندما يحسن الأهل التعامل مع سلوك أطفالهم العدواني دون إضعاف شخصيتهم سيتعلم الأطفال أن العدوانية ليست الطريقة الأفضل في الحصول على الأشياء وتحقيق الرغبات.
وعندما يرضخ الأهل لغضب أطفالهم أو يدخلون معهم في صراع ندي وعدوانية متبادلة أو مساومة؛ يترسخ السلوك العدواني عند الطفل وينتقل معه إلى المدرسة وقد يصبح سمة من سمات الشخصية ترافق الطفل على مدى حياته، وتكون الدافع الأساسي لممارسة التنمر.
التنمر بوصفه ردة الفعل وحلقة القهر المفرغة
في أحد مشاهد مسرحية "كاسك يا وطن" للكاتب السوري محمد الماغوط، يقول بطل المسرحية (دريد لحام الشهير بـ غوار) لزوجته مبرراً تعنيفه لها: هم ضربوني، وأنا أضربكِ، وأنتِ اضربي الأولاد، والأولاد يضربون أولاد الجيران، معركة دائرة!.
فمن أبرز دوافع المتنمرين الرد على التنمر الذي تعرضوا له، فإذا وضعنا التنمر المدرسي تحت المجهر وحاولنا تحليل سلوك الطالب المتنمر؛ قد نجد أنه قد يتعرض للتنمر في منزله، أو يتعرض للتنمر من أصدقائه خارج المدرسة، أو حتى من ذويه، فيكون تنمره على أقرانه ردة فعلٍ واستكمالاً للدوران في دائرة إساءة المعاملة.
كذلك عندما يسيء المدير إلى مرؤوسه المباشر، الذي بدره يسيء لمن هو أدنى منه في الهرم التنظيمي كنوع من تنفيس الغضب، بل أن الذي يتعرض للتنمر في وظيفته دون أن يتمكن من الدفاع عن نفسه سيكون معرضاً أكثر للتعامل مع أهل بيته وأطفاله بتنمر أيضاً، ودواليك.
الفروقات الاجتماعية والفردية
من أبرز أسباب ودوافع التنمر الفروقات الفردية والاجتماعية، فعلى مستوى الجامعات يتعرض الطلاب الفقراء للسخرية من قبل الطلاب الأغنياء، الطالب الضخم يتنمر على الطالب القصير، والفتيات الرشيقات يتنمرن على الفتيات البدينات ....إلخ.
في حقيقة الأمر لا يمكن أن يخلو تجمع بشري من الفروقات الفردية والاجتماعية، لكن ثقافة المجتمع ككل وتربية الأفراد هي التي تتحكم بطريقة التعامل مع هذه الفروقات الفردية التي لطالما كانت سبباً للتنمر.
السلطة والسيطرة كدوافع للتنمر
في كتابه العرب من وجهة نظر يابانية يلفت المستعرب الياباني نوبواكي نوتوهارا نظرنا إلى قضية بالغة الأهمية، فقد لاحظ مثلاً أن سائق التكسي العربي هو من يتحكم بالراكب، حيث يقرر الوجهة التي سيذهب إليها وينتقي ركابه على هذا الأساس، وليس من المستغرب أن يرفض استكمال الرحلة لسبب خاص به، وذلك أنه لا يدرك فعلياً طبيعة علاقته بالراكب ولا يحترم عمله ولا عملاءه كما يجب، مما يجعله يتعامل مع ركابه بتسلط من منطلق أنه الآمر الناهي في حدود ملكيته.
ومن هنا نرى أن صاحب السلطة أو القرار مهما كانت سلطته متواضعة لن يدخر جهداً في التعسف باستعمال تلك السلطة حتى أبعد الحدود.
ويمكن أن نلاحظ ذلك إذا أمعنا النظر في المتنمرين لنجد أنهم غالباً ما يختارون من هم أدنى منهم من حيث السلطة والقوة ليمارسوا عليهم التنمر، فلو اعتقد المتنمر أن ضحيته قادرة على الرد أو الدفاع عن نفسها لما أقدم على التنمر أصلاً.
ولا نبالغ إن قلنا أن التنمر ثقافة؛ ففي كل التنظيمات الاجتماعية هناك تسلسل للسلطة، لكن العبرة أن يجيد صاحب السلطة استعمال سلطته، وألا تتحول السلطة لسوط يجلد به كل ضعيف.
ومن نماذج إساءة استعمال السلطة مثلاً قضية طرحتها إحدى صديقات موقع حلوها، حيث حاول مديرها في العمل (وهي تعمل في المجال الطبي) أن يتقرب منها وطلب منها خلع نقابها ليرى وجهها وحاول التحرش بها لفظياً، لكنها عندما رفضت تعرضت لسوء المعاملة، ولجأ مديرها لاستعمال سلطته في ملاحقتها على أبسط الأخطاء كنوع من الانتقام أو كمحاولة لابتزازها.
إثبات الذات وتعويض النقص
أخيراً وليس آخراً؛ تعتبر الرغبة في إثبات الذات أمام الآخرين وتعويض الشعور بالنقص أو النبذ من أبرز أسباب ودوافع التنمر، فالمتنمر يعلم تمام العلم أن إهانة شخص آخر تجعله مرهوباً وربما محبوباً، لذلك نجد المراهقين لا يفوتون الفرصة بالعدوان على أقرانهم الضعفاء لأن في ذلك إثباتاً للذات أمام الآخرين.
وغالباً ما يفتقر المتنمرون في هذه الحالة إلى مميزات حقيقة تجعلهم محط إعجاب الآخرين، فيلجؤون إلى استعراض العضلات كوسيلة لتعويض النقص لديهم.
وبرأينا أن هذا ليس ذنب المتنمر فقط، وإنما ذنب المجتمع المحيط به الذي علمه منطق القوة وأن الذي يضرب ويشتم ويسخر يحظى باحترام أكبر بكثير من التعاطف الذي تحظى به الضحية.
وإذا كانت الفروقات الفردية والاجتماعية كالغنى والجمال والذكاء والتفوق سبباً من أسباب التنمر؛ قد تكون أيضاً سبباً من أسباب تعرض الشخص للتنمر من الذين يشعرون ضمنياً أنهم أقل شأناً منه، لكنهم يتمتعون بالقدرة الجسدية أو أي نوع من أنواع السلطة يسمح لهم بإساءة المعاملة كمحاولة لسد تلك الفجوة.
يختار المتنمر ضحية غير قادرة على الدفاع عن نفسها وغير قادرة على الانتقام!
من وجهة نظرنا فإن المتنمرين هم ضحايا الثقافة السائدة، والذين يتعرضون للتنمر هم ضحايا تلك الثقافة وضحايا المتنمرين في آنٍ معاً.
وإذا دققنا في أسباب التنمر التي ذكرنها يمكن أن نعرف من هم ضحايا التنمر، فهم بالدرجة الأولى الأشخاص غير القادرين على رد الإساءة لسبب أو لآخر، أو من يعانون من فروقات فردية تؤثر سلباً على صورتهم الاجتماعية وتجعلهم محطاً للسخرية والتنمر من قبل أقارنهم.
فالزوجة ضحية محتملة للتنمر الزوجي غالباً، لأنها أقل سلطة من الزوج وأضعف بدنياً في أغلب الأحيان، كما أن موقفها الاجتماعي أضعف بكثير من موقف الزوج.
والطالب ضعيف البنية أو الخجول أو الطالب المتفوق الذي لا يعرف كيف يدافع عن نفسه سيكون ضحية للتنمر المدرسي، وسيجد عدداً كبيراً من الطلاب الذي يرغبون بالسخرية منه أو الاعتداء عليه، مقابل عدد أقل من المتعاطفين.
كذلك يكون عامل البوفيه أكثر عرضة للتنمر من الموظفين الآخرين، لأنه وببساطة أكثر حاجة منهم إلى العمل وأقل قدرة واعتياداً على الدفاع عن نفسه.
ولا يعني بالضرورة أن يكون المتنمَّرُ عليه ضعيف الشخصية، فالظروف هنا تلعب دوراً كبيراً في تقبل التنمر دون التصدي له، فالموظف الذي يخشى خسارة وظيفته قد يتقبل صراخ المدير على مضض، ومن هنا تأتي ضرورة تأهيل المتنمر ذاته ليكون أكثر تقديراً واحتراماً للناس من حوله.
ينصب اهتمام الباحثين والمهتمين بقضية التنمر على حماية ضحايا التنمر ومساعدتهم على تجاوز أي أزمات نفسية يمكن أن تنتج عن التنمر، فيما يتناسون غالباً أن المتنمر أيضاً ضحية، ضحية نفسه وضحية المجتمع وثقافته.
ومن هذا المنطلق الأجدى أن نحاول اقتلاع مرض التنمر من جذوره، وذلك من خلال إيجاد آليات فعالة لحماية ضحايا التنمر من جهة، بالتوازي مع محاولة إعادة تأهيل المتنمرين ليكونوا أكثر تعاطفاً وليجدوا طرقاً أخرى لإثبات الذات من جهة ثانية.
الوقاية من التنمر
يبدأ علاج التنمر من الوقاية؛ وقاية أطفالنا من أن يكونوا ضحايا للتنمر، ووقايتهم من أن يكونوا هم المتنمرون أيضاً.
وذلك من خلال تعليم الأطفال القيم الإنسانية من الاحترام والتعاطف والتعامل مع الاختلافات الفردية والاجتماعية بطريقة إنسانية خالية من الاحتقار والتكبر، إضافة إلى تعليمهم تحمل مسؤولية تصرفاتهم وإجادة استعمال السلطة دون تعسف أو استغلال.
كما لا بد من تعليم الأطفال أساليب فعالة تساعدهم بالدفاع عن أنفسهم بمواجهة الإساءات اللفظية والجسدية وغيرها، ذلك مع ضرورة تعليمهم السيطرة على غضبهم وحسن استعمال الآليات الدفاعية ضمن إطار الدفاع عن النفس وردة الفعل.
أساليب علاج التنمر
علاج التنمر مسؤولية اجتماعية؛ فالأهل والمدرسة وحتى المشرِّعُ القانوني جميعهم مسؤولون عن التصدي لظاهر التنمر وعلاج مرض التنمر، ذلك من خلال:
- تعليم الأطفال والمراهقين قيم التعاطف والتعاون وضرورة وقوفهم في وجه التنمر حتى وإن لم يكن موجهاً إليهم بشكل مباشر.
- العمل على تحويل الطاقة العدوانية عند المتنمر إلى اتجاه آخر، مثل الرياضة أو الموسيقى أو غيرها من المعارف والممارسات التي تساعد الإنسان على التخفيف من الميول العدوانية.
- اتخاذ موقف حازم من تعرض أحدهم للتنمر، فعلى الآباء أن يكونوا حازمين في التعامل مع تعرض أبناهم للتنمر، كما يجب أن يكون المدرس أو الأستاذ حازماً في منع التنمر في الفصول الدراسة وبحات المدارس، كذلك على المدير أن يكون محامياً ومدافعاً شرساً عن ضحايا التنمر في الوظيفة.
- وضع عقوبات صارمة ضمن المؤسسات المختلفة لردع المتنمرين، مع ضرورة فتح الباب لإعادة تأهيلهم.
- إطلاق حملات توعية دورية تهدف إلى التثقيف والتوعية بظاهرة التنمر وخطورتها وطريقة التعامل معها.
أخيراً.... إذا كنت قد تعرضت للتنمر فيما مضى، أو أنك تتعرض لأي نوع من أنواع التنمر حتى الآن، أو كنت أنت متنمراً تعتقد أنك تحتاج إلى المساعدة، ستجدون الكثير من الآراء والنصائح عبر طرح مشاكلكم على قراء وخبراء موقع حلوها من خلال هذا الرابط، وتذكروا أن مشاركة المشاكل مع الآخرين من أفضل طرق إيجاد الحلول لها والتخفيف من آثارها السلبية. كما يمكنكم التواصل مع خبراء حلوها بسرية تامة من خلال خدمة ألو حلوها.