أسباب وعوامل ألم أسفل الظهر
إذا كنت تشعر بألم في الظهر فأنت لست تعاني من هذه المشكلة وحيداً بكل تأكيد، إذ يعتبر ألم أسفل الظهر واحداً من أكثر الشكاوى المرضية شيوعاً، ويذكر تبعاً لإحصائيات المعهد الوطني الأميركي للصحة (NIH) أن 80 في المئة من البالغين أبلغوا عن معاناتهم من ألم أسفل الظهر في مرحلة ما من حياتهم، كما يعتبر هذا العرض السبب الأول للإعاقة الناتجة عن العمل وسبباً رئيسياً للإجازات المرضية.
تعتبر الحالات المرضية المؤدية إلى ألم الظهر كثيرة ومتنوعة بشكل لا يمكن حصره في مجموعة معينة من الأمراض إلا بعد فحص المريض أو السؤال عن طبيعة الألم وطلب التحاليل والاختبارات اللازمة، ولكن الأمر الإيجابي هو أن معظم أسباب ألم الظهر بسيطة ولا تدعو للقلق، في هذا المقال سنتحدث بشيء من التفصيل حول عدد من الأسباب الرئيسية المؤدية إلى الألم في أسفل الظهر، مع ذكر العوامل المؤهبة أو الصفات الخاصة لكل منها.
الفرق بين الألم الحاد والمزمن والأسباب المتوقعة لكل منهما
معظم حالات ألم أسفل الظهر هي من النمط الحاد (Acute) أو قصير الأمد، يستمر هذا الألم لمدة أيام أو أسابيع قليلة، وكثيراً ما يخف ويزول من تلقاء نفسه عند الاعتناء بالنفس والانتباه إلى الجلوس والنوم بوضعية سليمة ومريحة دون أن يترك عواقب دائماً أو تأثيراً على حركات الظهر.
معظم حالات الألم الظهري الحاد ذات طبيعة ميكانيكية، أي أنها تتعلق بالعلاقة التشريحية والوظيفية بين البنى المكونة لهذه المنطقة من فقرات وعضلات وأربطة,
ألم أسفل الظهر تحت الحاد (Subacute) هو حالة وسط بين الألم الحاد والألم المزمن، ويصنف ألم أسفل الظهر مع النمط تحت الحاد إذا استمر من 4 إلى 12 أسبوعاً.
أما عن الشكل المزمن (Chronic) فيعرف على أنه ألم أسفل الظهر الذي يستمر 12 أسبوعاً أو أكثر، حتى بعد علاج الإصابة أو السبب الذي أدى إلى التسبب بالألم الحاد في البداية، يصاب حوالي 20% من الأشخاص بالألم الظهري الحاد الذي يتحول إلى ألم مزمن ذي أعراض مستمرة، في بعض الحالات يمكن علاج ألم أسفل الظهر المزمن بنجاح عبر استخدام الأدوية أو الجراحة، وفي حالات أخرى يستمر هذا الألم رغم اعتماد جميع العلاجات الممكنة.
البنى التشريحية الموجودة في ظهر الإنسان وعلاقتها بالألم
يعتبر العمود الفقري هو الدعامة الرئيسية للجهاز العظمي في جسم الإنسان، ويمتد على طول الجذع ليستند عليه الرأس والعنق من الأعلى، ثم الكتفان اللذان يربطان الطرفين العلويين، وبذلك تتحمل منطقة أسفل الظهر مسؤولية حمل الجذع والرأس والطرفين العلويين، تتألف منطقة أسفل الظهر من الفقرات القَطَنية (Lumbar Vertebrae) وعددها خمس فقرات تتحمل العبء الأكبر في حمل الجزء العلوي من الجسم.
تنفصل الفقرات عن بعضها البعض بواسطة الأقراص الفقرية المرنة التي تنضغط وتتمدد لتمتص الصدمات وتسمح للعمود الفقري بالتحرك دون اصطدام الفقرات ببعضها، ترتبط العظام فيما بينها باستخدام الأربطة (Ligaments) التي تمنع خروج فقرة وانحرافها عن استقامة العمود الفقري، إضافة إلى ذلك تحاط الفقرات بالعديد من العضلات التي تساعد في تثبيت الجذع بوضعية مستقيمة، وتمنحنا القدرة على تحريك الظهر باتجاهات مختلفة، يخرج من جانبي العمود الفقري 31 زوجاً من الجذور العصبية التي تتحكم بحركات الجسم، كما تنقل الإشارات الحسية إلى المراكز العصبية الدماغية.
أسباب شائعة مسؤولة عن معظم حالات أسفل الظهر
ذكرنا أن الأغلبية الساحقة من حالات الألم في أسفل الظهر هي من الطبيعة الميكانيكية، ففي كثير من الحالات يكون هذا الألم مرتبطاً بـ انقراص الفقرات (وهو مصطلح عام يشير إلى عمليات التنكس التي تصيب الأقراص والأربطة بين الفقرات وتؤدي إلى نقص المسافة العازلة بين فقرتين متتاليتين)، ومن الحالات الطبية الشائعة التي تسبب ألماً ميكانيكياً في أسفل الظهر نذكر:
- الرضوض والشد العضلي: وهي المسؤولة عن معظم حالات ألم أسفل الظهر الحاد، من الناحية الطبية يعرف الوثي (Sprain) أو التواء المفصل على أنه تمطط أو تمزق الأربطة بشكل جزئي، كما يمكن أن يحدث التمزق في العضلات أو الأوتار التي تثبت العضلة على الفقرات في الظهر، يمكن أن يحدث كل من التمطط والتمزق عبر إجراء حركة غير طبيعية أو حمل جسم ثقيل بطريقة خاطئة، كما يمكن أن تؤدي هذه الحركات إلى تحريض تشنجات عضلية في الظهر قد تكون مؤلمة.
- تنكس الأقراص بين الفقرات: وهو سبب شائع أيضاً للألم الميكانيكي في أسفل الظهر، يحدث هذا التنكس عندما تفقد الأقراص المطاطية المرنة الموجودة بين الفقرات هذه المرونة بسبب الشيخوخة، تلعب هذه الأقراص دوراً في زيادة طول العمود الفقري (وبالتالي طول الشخص) كما تسمح للظهر بالتحرك والتمطط في جميع الاتجاهات، وفي هذه الحالات يفقد الشخص قدرته على تحريك الظهر بأريحية.
- تمزق الأقراص أو فتق النواة اللبية (الديسك): في بعض الحالات ينضغط القرص بين الفقرات بسبب تحميل قوة شديدة على هذه المنطقة (مثل حمل وزن ثقيل) مما يؤدي إلى بروز جزء من القرص إلى خارج المسافة بين الفقرات، كما قد يضغط هذا الجزء المتبارز على الجذر العصبي الخارج من هذه المسافة مما قد يضيف أعراضاً جديدة مثل ضعف الحركة أو الخدر أو التنميل في المنطقة التي يتحكم بها هذا الجذر العصبي.
- اعتلال الجذور العصبية (Radiculopathy): وهي مجموعة من الحالات المرضية الناجمة عن إصابة الجذر العصبي بالانضغاط أو الالتهاب أو الأذية المباشرة، ويؤدي الضغط على الجذر العصبي إلى الألم، الخدر والتنميل في الذي ينتشر إلى أجزاء أخرى من الجسم يقوم هذا الجذر بتعصيبها (مثل الخدر في إحدى الساقين لدى مرضى الديسك)، ويحدث هذا الاعتلال في التهابات العمود الفقري أو بسبب تضيق المسافة بين الفقرات بسبب التنكس أو بسبب فتق النواة اللبية (الديسك),
- ألم العصب الوركي (Sciatica) أو عرق النسا: وهو من أشكال اعتلال الجذور العصبية سببه انضغاط العصب الوركي، وهو عصب كبير يمر عبر منطقة الورك ثم يسير على الوجه الخلفي للفخذ، ويسبب هذا الانضغاط ألماً وإحساساً حارقاً في أسفل الظهر بالإضافة إلى ألم ينتشر من الردف إلى الفخذ والساق حتى يصل أحياناً إلى القدم.
في الحالات الشديدة من ألم العصب الوركي لا تقتصر الأعراض على الألم، بل تترافق مع تنميل وضعف في عضلات الطرف السفلي بسبب اضطراب نقل الإشارات عبر العصب، يمكن أن يحدث هذا الانضغاط بين الفقرات والأقراص الفقرية أو بسبب كتلة ضاغطة مثل خراج أو كيسة أو ورم خبيث.
- انزلاق الفقرات (Spondylolisthesis): وهي حالة مرضية تنزلق فيها إحدى فقرات العمود الفقري وتخرج من استقامة هذا العمود، مما يضغط على الجذور العصبية التي تخرج في مستوى الفقرة المنزاحة.
- إصابة رضية: مثل الإصابات الرياضية وحوادث السيارات والسقوط من مكان مرتفع التي قد تؤذي الأوتار والأربطة والعضلات مما يؤدي إلى ألم في أسفل الظهر، كما يمكن أن تؤدي الإصابة وعمليات الشفاء منها وتكوين الندوب إلى انضغاط القناة التي يمر عبرها النخاع الشوكي، ويؤهب هذا لحدوث فتق النواة اللبية (الديسك) أو تمزق الأقراص بين الفقرات مما يؤدي إلى اختلاطات وأعراض إضافية.
- تضيق القناة الفقرية: القناة الفقرية هي قناة مكونة من تراكب الثقوب الموجودة في منتصف كل فقرة، يمر عبرها النخاع الشوكي وتؤمن له الحماية والدعم، لذلك يؤدي تضيق هذه القناة إلى انضغاط النخاع الشوكي والجذور العصبية الخارجة منه، مما يظهر على شكل ألم أو تنميل عند المشي، وعلى المدى البعيد يؤدي إلى ضعف العضلات ونقص الحس.
- شذوذات في الجهاز العظمي: وبخاصة في العمود الفقري، مثل الجنف (أي انحراف العمود الفقري إلى أحد الجانبين) والذي لا يعطي أعراضاً واضحة حتى فترة منتصف العمر إذ يظهر على شكل ألم في الظهر يزداد بالمشي والوقوف لفترة طويلة كما يكون عادة في جهة أكثر من الأخرى، والحداب الذي قد يكون وراثياً أو تالياً لتخلخل العظام لدى المسنين، إضافة إلى التشوهات الولادية في العمود الفقري والنخاع الشوكي.
هل يمكن أن يكون ألم أسفل الظهر دليلاً على مرض خطير؟
في حالات قليلة، يكون ألم أسفل الظهر مرتبطاً بحالات مرضية خطيرة وخفية، وهذه الحالات تحتاج إلى عناية طبية مستعجلة فور تشخيصها ومنها:
- الإنتانات: أي غزو الجسم بالكائنات الممرضة، وهو ليس سبباً شائعاً لألم أسفل الظهر، تعتبر جراثيم السل وجراثيم البروسيلا المسؤولة عن الحمى المالطية من أكثر الجراثيم التي تفضل الفقرات وخاصة في منطقة أسفل الظهر، قد يحدث التهاب داخل عظام الفقرات يدعى باسم ذات العظم والنقي (Osteomyelitis) أو يصاب القرص بين الفقرات بالالتهاب، وفي بعض الحالات تصاب المفاصل بين العمود الفقري وعظام الحوض.
- الأورام: في بعض الحالات تنشأ الأورام بشكل بدئي في منطقة أسفل الظهر مثل الأورام العظمية والأورام العضلية والرباطية، ولكن الأمر الأكثر شيوعاً هو وجود ورم في منطقة أخرى من الجسم وقد انتقل وأعطى بؤراً ثانوية في الفقرات القطنية، ومن أشيع هذه الأورام هو سرطان البروستات الذي قد يسبب ألم أسفل الظهر قبل التسبب بأي أعراض أخرى، وأحد أورام الدم المدعو باسم الورم النقوي العديد (Multiple Myeloma) الذي يؤدي إلى بؤر من الانحلال العظمي في عظام الجمجمة والحوض والعمود الفقري وعدد من العظام الأخرى.
- متلازمة ذيل الفرس: وهي من الاختلاطات الخطرة للديسك أو تمزق الأقراص بين الفقرات، تحدث عندما يدخل جزء من هذا القرص المتمزق إلى داخل القناة الفقرية ويضغط على الحزمة السفلية من الجذور العصبية في نهاية النخاع الشوكي والمدعوة باسم ذيل الفرس، مما يؤدي إلى ألم أسفل الظهر بالإضافة إلى إصابة الوظائف العصبية المتعلقة بهذه المناطق مثل التحكم في المثانة والشرج لذلك يتوقع لدى المريض حدوث اضطراب في عمليات التبول والتغوط، كما قد تصبح هذه الإصابة دائمة في حال التأخر بالعلاج.
- الحصيات البولية: يمكن أن تسبب ألماً حاداً شديداً في أسفل الظهر (القولنج الكلوي) يكون غالباً في جهة واحدة أكثر من الأخرى.
عوامل الخطر التي تزيد احتمال إصابة الشخص بألم أسفل الظهر
بعيداً عن الأمراض الخفية المؤدية إلى ألم الظهر، هناك عدد من عوامل الخطورة الشائعة التي تزيد من احتمال إصابة الشخص بألم أسفل الظهر لأنها تجعله معرضاً للكثير من أسباب هذا الألم، ومن هذه العوامل:
- العمر: تحدث الهجمة الأولى من ألم أسفل الظهر عادة بين عمر 30 و 50، ويصبح هذا الألم أكثر شيوعاً كلما نظرنا إلى فئة عمرية أكبر، فعندما يكبر الشخص في السن، تزداد فعالية العوامل المؤهبة للألم مثل تخلخل العظام الذي يضعف الفقرات ويجعلها أكثر قابلية للانهدام والكسر، وتضعف العضلات المثبتة للعمود الفقري، كما تفقد الأقراص بين الفقرات مرونتها مع التقدم في السن مما يضعف دورها في تخفيف الضغط عن العمود الفقري.
- اللياقة البدنية: فألم الظهر بشكل عام يكون أكثر شيوعاً عند الأشخاص ضعيفي اللياقة البدنية، لأن عضلات الظهر الضعيفة لا تستطيع دعم العمود الفقري بشكل سليم، كما أن ”مقاتلي العطلة" أو الأفراد الذين يقضون الأسبوع بكامله في العمل المكتبي ثم يمارسون الرياضة في أيام عطلة نهاية الأسبوع معرضون بشكل كبير لإصابات الظهر الحادة مما يشير إلى أهمية النشاط الرياضي المعتدل والمنتظم، وتوزيعه ولو بشكل خفيف على أيام الأسبوع.
- الحمل: لعل جميع الأمهات اللواتي يقرأن هذا المقال عانين لفترة ما من هذا الألم خلال الحمل، والأسباب هنا كثيرة أهمها الوزن الإضافي المتمثل بالجنين طبعاً، إضافة إلى ارتخاء عضلات الظهر وأربطته بسبب هرمونات الحمل، عادة ما تزول هذه الأعراض من تلقاء نفسها بعد انتهاء الحمل.
- اكتساب الوزن: البدانة واكتساب وزن زائد في فترة زمنية قصيرة تضيف حملاً إضافياً على عضلات الظهر وتؤهب إلى الألم في أسفل الظهر.
- الوراثة: لأن بعض الحالات المرضية المؤدية إلى ألم أسفل الظهر ترتبط بعوامل وراثية، مثل التهاب الفقار اللاصق (Ankylosing Spondylitis)، وهو من أشكال التهابات المفاصل التي تؤدي إلى التحام الفقرات وتحدد حركتها وألم في الظهر يكون واضحاً عند الاستيقاظ من النوم بشكل خاص.
- العوامل المهنية: مثل العمال الذين يتضمن عملهم رفع أجسام ثقيلة وتحميل عبء كبير على الظهر، أو الأعمال المكتبية الخاملة التي تضعف عضلات الظهر وتتطلب الجلوس بوضعية غير صحية لفترة طويلة من كل يوم.
- الحقيبة المدرسية لدى الأطفال: ليس من الشائع أن يحدث ألم في الظهر لدى الأطفال دون التعرض لحادث أو أذية جسدية ما، وهنا علينا الشك في الحقيبة المدرسية التي تسبب الألم بسبب انضغاط العمود الفقري وإجهاد العضلات المثبتة له، ينصح أطباء الأكاديمية الأميركية للجراحة العظمية بأن وزن حقيبة الطفل المدرسية يجب ألا يتجاوز 15 أو 20 في المئة من وزن الطفل على أعلى تقدير.
وفي الختام.. نرى أن ألم الظهر أمر شائع ولا يدعو إلى القلق في معظم الأحيان، كما يمكن تجنب هذا الألم باتباع قواعد الحياة الصحية مثل الجلوس بوضعية سليمة وممارسة التمارين الرياضية المعتدلة بانتظام، كما يمكن الاطمئنان من عدم وجود مرض خطير عبر زيارة الطبيب الذي يتحرى علامات الخطر في حال وجودها ويطلب الاستقصاءات والتحاليل اللازمة وفقاً لها.