ظاهرة التسول والأطفال المتسولين

معنى التسول، دوافع وأسباب لجوء بعض الأطفال إلى التسول، أشكال وحالات التسول، المظاهر والآثار السلبية لظاهرة التسول، طرق محاربة ظاهرة التسول وإنقاذ الأطفال من شرورها
ظاهرة التسول والأطفال المتسولين
تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

نراهم منتشرين في الشوارع والأزقة يمدون يدهم لكل من يمر أمامهم طالبين الحسنة ولقمة العيش، بأساليبهم وطرقهم المتعددة التي غالباً ما تعتمد على استجداء الشفقة وإثارة عواطف الآخرين، وللناس بدورهم طريقتهم في الرد والتعامل مع الأطفال المتسولين؛ فمنهم من يستجيب لطلبهم هذا بالإحسان وتلبية حاجاتهم بما فيه النصيب، ومنهم من يقابلهم بالعنف بأشكاله المتعددة كالنهر أو الإهانة أو حتى الضرب في بعض الأحيان.
وهنا يجوز السؤال هل الفقر والحاجة هو الدافع الأساسي أو الوحيد لانتشار هذه الظاهرة التي تشوه وجه المجتمع وبراءة الطفولة؟ أم أنه يوجد أسباب وعوامل أخرى؟، ومن ناحية أخرى ما هي طرق ووسائل الأطفال المتسولين لتحقيق غايتهم والحصول على رزقهم؟، ثم كيف يمكن محاربة هذه الظاهرة وإعادة هؤلاء الأطفال إلى حياتهم الطبيعية.

التسول هو طريقة غير مشروعة لكسب الرزق واستجداء الحسنة، عادة ما تنتشر بين الأطفال الفقراء ذوي النصيب المحدود من الدخل، ويعتمد الأطفال في تسولهم على وسائل مختلفة ومتنوعة تقوم بمعظمها على إثارة العواطف وتحريك مشاعر الشفقة كالدعاء أو تمثيل المرض أو الحاجة، وتعود ظاهرة التسول لأسباب عديدة أهمها الفقر وانتشار البطالة والتخلف الاجتماعي.

animate

لو كان الفقر رجلاً لقتلته، فالفقر هو الآفة التي تفرز الكثير من الظواهر الاجتماعية السيئة، والتسول هو أحد أسوء هذه الظواهر وأكثرها انتشاراً، والجدير بالذكر أن هذه الظاهرة تعود بالجزء الأكبر من آثارها السلبية على الأطفال في أي مجتمع، فهم الأصغر سناً والأقل وعياً ودراية بمساوئ هذه الظاهرة، ولدوافع وأسباب عديدة يلجاً الكثير من الأطفال إلى هذا السلوك المرفوض، ومن هذه الأسباب:

  1. الفقر والحاجة وعلاقتهما بالتسول: فهما الداء الذي يفرز الكثير من ظواهر المأساة الاجتماعية مثل السرقة أو التسول، فقد يجبر الفقر والحاجة بعض الأشخاص على القيام بأفعال لا يرضى عنها المجتمع أو الأخلاق والقانون أو حتى الشخص المتسول ذاته.
  2. تلبية بعض الرغبات التي تتطلب أموال أكثر من المتوفر: فبعض الأطفال وخاصة الكبار منهم قد يحتاجوا المال لتلبية رغبات مكلفة مثل التدخين أو الذهاب لبعض الأماكن المنحرفة وبسبب عدم كفاية ما يملكونه من مال لتلبية هذه الأشياء فقد يلجؤون للتسول لتأمين المال الكافي.
  3. كثرة متطلبات الحياة الحديثة والغلاء المعيشي: فالحياة المعاصرة والتطور التكنولوجي جاء بالعديد من الحاجات الاستهلاكية التي لم تكن موجودة في الماضي كالهواتف الذكية أو ارتياد مقاهي الانترنيت أو الذهاب للأماكن الترفيهية أو تناول الأطعمة الجاهزة، وكل ذلك يتطلب مزيداً من المال قد يدفع الطفل للتسول، وربما دون معرفة ذويه.
  4. الإدمان على أحد أنواع المخدرات: تعاطي المواد المخدرة من أقوى الدوافع التي تدفع بعض الأطفال للتوسل؛ فهذه المواد المخدرة غالية الثمن وغالباً لن يستطيع الطفل تأمين ثمنها، فيلجأ لعديد من الوسائل مثل التسول لتلبيتها.
  5. وفاة المعيل وشعور الطفل أنه مسؤول عن تأمين حاجاته وحاجات أسرته بنفسه: وهذه من الظواهر كثيرة الحدوث حيث يفقد رب الأسرة حياته أو صحته لسبب ما، وتتجه أنظار أفراد الأسرة نحو ابنه الأكبر ليأخذ دور الأب وهو ما زال طفلاً وهنا قد يضطر هذا الطفل للعمل بسن مبكرة أو التسول عند عدم عثوره على عمل يكفي احتياجاته واحتياجات أسرته.
  6. التسول والأشخاص الذين يعانوا من أزمات نفسية وعقلية: فهؤلاء لا يدركون قيمة ما يفعلوه ونتائج تصرفاتهم، والمجتمع يشجهم على التسول سواء بإعطائهم بعض الأموال أو تقديم بعض الأطعمة والسلع بشكل مجاني إليهم على سبيل كسب الحسنة وإرضاء الضمير.
  7. الهروب من المدرسة والتسول: فعندما يهرب التلميذ من المدرسة قد يحتاج إلى المال للطعام أو ارتياد بعض المقاهي وأماكن الألعاب والتسلية لتمضية الوقت، حيث يجد بالتسول وسيلة للتسلية من جهة والحصول على المال من جهة أخرى.
  8. استغلال الأطفال من قبل أحد الكبار للعمل في التسول: مثل ذويهم أو بعض الغرباء الذين ينظمون هؤلاء الأطفال في جماعات تمارس التسول كحرفة مقابل إعطائهم قوت يومهم. 
  9. البطالة والتسول: بالإضافة لما سبق فإن بعض الأشخاص الذين لا يتمكنون من الحصول على عمل بسبب البطالة وقلة فرص العمل من جهة، والضغط الناتج عن متطلبات الحياة ولقمة العيش من جهة أخرى فقد يجدون في التسول طريقة لمواجهة هذه البطالة، وقد يلجؤون لتجنيد أبنائهم في التسول.
  10. العلاقة بين التسول والتشرد: تعد العلاقة بين التسول والتشرد عند الأطفال شديدة الصلة، فالتشرد يضع الأطفال في مواقف وحاجات تدفهم للتسول لتأمين لقمة عيشهم ومتطلبات حياتهم، فهم قد لا يتمكنون من العمل لأسباب عديدة، ولا يجدون من يرعاهم ويساعدهم في حياتهم.
  11. استسهال طريقة التسول في الحصول على المال: سهولة الحصول على المال تجعل الطفل يكرر التجربة، والتسول طريقة سهلة للحصول على المال لا تحتاج للعناء أو المنافسة من قبل أحد. أو مهارات استثنائية.
  12. كما ينتشر التسول في حالات المآسي الاجتماعية: مثل الحروب أو الكوارث الطبيعية والتي يختلط فيها من يستغل مثل هذه المآسي لاستجرار عواطف الناس والاحتيال عليهم مع من أصبحوا بحاجة فعلية بسبب هذه المآسي.

عندما كان السبب الوحيد وراء ظاهرة التسول هو الفقر والحاجة فعلاً، كانت طريقته هي طلب المساعدة والحسنة من الأشخاص الميسورين الحال في المجتمع بشكل مباشر وواضح، ولكن الآن ومع تعدد واختلاف أسباب ودوافع هذه الظاهرة فقد أصبح لها أيضاً أوجه وأشكال عديدة، لا تخلو من حالات النصب والاحتيال واللعب بعواطف ومشاعر الآخرين، ومن أشكال ظاهرة التسول:

  1. التسول عن طريق بيع بعض الأشياء الرمزية: كالورود أو البسكويت أو المناديل الورقية والعديد من السلع الأخرى وغالباً لا يحددون سعر معين لهذه السلع.
  2. اصطحاب طفل رضيع أو شخص مريض يعاني من عاهة مزمنة: واستغلاله لإثارة عواطف الناس ومشاعرهم.
  3. خدمات رمزية في ظاهرها وهي تسول في حقيقتها: مثل مسح واجهات السيارات على الإشارات المرورية أو حمل الامتعة في محطات السفر.
  4. الدعاء والوقوف أمام الأماكن المقدسة والدينية: مثل الكنائس أو المساجد حيث يعرف المتسولون أن مثل هذه الأماكن تذكر الناس بالزكاة عن أموالها وقيم المحبة والتكافل الاجتماعي.
  5. النصب والاحتيال كأسلوب للتسول: فقد يدعي الطفل المتسول أنه تائه ويريد المال ليتمكن من العودة إلى المنزل أو أن أحد أفراد الأسرة يعاني من مرض خطير ويريد شراء الدواء له، أو الادعاء أنه مندوب لمؤسسة خيرية ويقوم بجمع التبرعات على نية الخير والإحسان.
  6. استغلال المناسبات الاجتماعية: مثل الأعياد أو الوقوف أمام المقابر أو بالقرب من مراكز الامتحانات أو المشافي.
  7. تمثيل أو استغلال المرض: عن طريق استخدام تقارير طبية أو بعض الوثائق أو في بعض الأحيان قد يكون يعاني من مرض فعلاً ويستغل مرضه هذا في التسول.

ظاهرة التسول تعود من حيث أثرها السلبي على مختلف مكونات المجتمع وأطراف هذه الظاهرة، فهي تؤثر سلباً على الطفل المتسول من حيث إهانة قيمته الإنسانية والانتقاص من صورته وحضوره الاجتماعي وحرمانه طفولته.
كما تؤثر أيضاً على الشخص الذي يلبي طلب المتسول ويمنحه الحسنة، بالإضافة لتأثيرها على المجتمع وصورته الحضارية:

  1. التسول يساهم في انتشار الجريمة: فهو يضع الأطفال في مواقف ويجعلهم ينضمون إلى جماعات منحرفة قد تمتهن السرقة أو الجريمة أو تعلمهم على النصب والاحتيال واستغلال عواطف وطيبة الناس.
  2. التسول يبعد الأطفال عن مكانهم الحقيقي في مدارسهم وبين أحضان أسرهم: فعندما يجد الأطفال أنهم يحصلون على المال الوفير من خلال التسول سوف ينشغلون عن دروسهم ويتسربون من المدارس التي قد يرون فيها مضيعة للوقت الذي يمكنهم استغلاله للحصول على المال.
  3. يعلم الأطفال على الكسل: والتقاعس عن العمل واستسهال الحصول على المال عن طريق التسول دون مشقة أو عناء.
  4. يؤدي إلى توجه بعض الأطفال إلى الانحراف: مثل التدخين أو الهروب من المدرسة أو السرقة والنشل وربما قد يتحول هذا الطفل عندما يكبر إلى مجرم خطير.
  5. يعطي التسول صورة مشوهة عن المجتمع الذي يعاني من الظاهرة: فانتشار هذه الظاهرة بأشكالها المختلفة مثل جلوسهم في الأماكن العامة ومد يدهم واستخدام وسائل مثل البكاء واللحاق بالمارة كلها مظاهر تشوه صورة المجتمع.
  6. وقوع بعض الأشخاص ضحايا لحالات النصب والاحتيال: فبعض الناس يتعاملون بطريقة عاطفية مع المتسولين بدوافع أخلاقية أو دينية أو عاطفية فيشفقون على المتسول الذي يلعب دور المريض أو المحتاج ويعطونه من مالهم حتى لو كانوا أكثر حاجة إليه، وبذلك يقعون ضحية لعملية نصب منظمة. 

التسول هو أحد الآفات الاجتماعية والإنسانية، وهو ظاهرة مرفوضة في جميع المجتمعات والثقافات البشرية، وكون الأطفال هم مستقبل أي مجتمع وهم من أكثر الفئات المتضررة من هذا السلوك، فيجب العمل على حمايتهم من هذه الظاهرة التي قد تودي بمستقبلهم وبراءة طفولتهم.
ويمكن تحقيق هدف القضاء على ظاهرة تسول الأطفال أو الحد من آثارها، عبر عدة خطوات يمكن إيجاز بعضها:

  1. إنشاء مشاريع وبرامج لتأمين فرص عمل: فبدلاً من اللجوء للتسول لتأمين لقمة العيش يمكن للمتسول أن يجد أي عمل يكسب منه رزق مشروع، بما يجنبه إشراك أطفاله في التسول.
  2. العمل على إصدار تشريعات تنص على ملاحقة من يجبر الأطفال على التسول سواء من ذويهم أو من الغرباء وكل من ينظم جماعات من الأطفال تمارس التسول.
  3. إنشاء جمعيات أو مؤسسات خاصة: تعمل على إيواء ذوي الاحتياجات الخاصة وتلبية حاجاتهم وتقديم الخدمات العلاجية لهم.
  4. وضع سياسات تقوم على ضمان التحاق جميع الأطفال في المدراس: وتقديم الدعم والمساعدة لمن لا يتمكن من تأمين متطلبات التعليم والمعيشة منهم.
  5. التوعية بأهمية وضرورة التكافل الاجتماعي: عبر جباية الزكاة أو تقديم المساعدة للمحتاجين عن طريق التبرعات ضمن برامج خطط منظمة تضمن وصول هذه المساعدات لمحتاجيها. 
  6. وضع خطط حكومية تقوم على علاج المشاكل الحقيقة للمتسولين: وإنشاء جهات مختصة بهذا الموضوع مثل مؤسسات رعاية الأيتام أو ذوي الاحتياجات الخاصة أو المسنين.
  7. التحلي بالمسؤولية الاجتماعية: حيث يجب أن يقدم كل فرد من المجتمع المساعدة للأطفال المتسولين بحيث ينقذهم من التسول، من خلال كفالتهم أو إيصالهم لمن يكفلهم، والإبلاغ عن حالات الاستغلال.

الأطفال هم البذور التي نزرعها في تربة حاضر المجتمع، تمهيداً لحصد ثمارها في مستقبله، وهذه الثمار هي التي سوف يقع على عاتقها رسم وتصوير ملامح أي مجتمع في المستقبل وإدارة شؤونه وتنمية وتطوير موارده ومقدراته وبالتالي تحقيق أهدافه وغايته.
وهنا تكمن ضرورة العناية بهؤلاء الأطفال وإعطائهم ما يستحقونه من اهتمام ورعاية، وعدم السماح بتحولهم لمتسولين متشردين في الشوارع مادين أيديهم يسألون الحسنة واستعطاف الآخرين، تتقاذفهم رياح التشرد والأزقة مبعدة إياهم عن مكانهم الطبيعي داخل أسرهم ومدارسهم.