استخدام العصف الذهني في حل المشكلات
يعتبر العصف الذهني Brainstorming من أكثر الآليات شهرة وفاعلية في إيجاد الحلول وتوليد الأفكار، وقد أصبح اللجوء إلى العصف الذهني خطوة جوهرية وأساسية في الكثير من المجالات، كالعصف الذهني في التدريس والعصف الذهني في إدارة الشركات وفريق العمل والحملات وغيرها من المجالات.
في هذه المادة؛ نتعرف على العصف الذهني خطواته وتطبيقاته وفوائده، كما نتعرف على طريقة تسهيل وتيسير عملية العصف الذهني للحصول على نتائج جيدة، ونطرح أمثلة عن العصف الذهني في التدريس وطريقة تطبيقه.
العصف الذهني ليس ابتكاراً حديثاً لكن تم تعريفه وتنظيمه في العصر الحديث
لا يعتبر العصف الذهني فعلياً تقنية حديثة أو ابتكاراً جديداً، فلطالما مارس الإنسان عملية العصف الذهني في مجالات مختلفة، لكن تصنيف المصطلح وتنظيم العملية يعود إلى منتصف القرن العشرين، ويعود الفضل في تصنيف المصطلح وشرحه وتنظيم عملية العصف الذهني ورسم ملامحها إلى أليكس أوزبورن.
إذا أردنا تعريف العصف الذهني يمكن القول ببساطة؛ العصف الذهني هو نقل عملية التفكير والبحث عن الحلول من الفرد إلى المجموعة، أي أنّ العصف الذهني في جوهره لا يختلف عن عملية توليد الحلول المألوفة، لكن بدل أن يكون فردياً فهو جماعي، وبدل أن يكون مجرد تفكير، هو مشاركة أفكار، تهدف إلى استخرج أكبر كمية ممكنة من الأفكار المبدعة المتعلقة بموضوع ما.
قبل الخوض في قواعد العصف الذهني وكيفيه استخدامه أو المجالات التي يمكن أن يكون العصف الذهني مفيداً فيها، لا بد أن نتعرف أكثر على آلية عمل العصف الذهني.
كما ذكرنا سابقاً؛ العصف الذهني طريقة لتوليد الأفكار وابتكار الحلول، تقوم في جوهرها على المشاركة الحرة بين مجموعة من الأفراد المعنين بحل المشكلة.
وأهم ما يمكن ملاحظته في آلية عمل العصف الذهني هو الخروج بحل ناتج عن عملية انصهار ودمج لمجموعة هائلة من الآراء والاقتراحات، ومنح صاحب القرار فكرة أوسع عن المشكلة وصورة بانوراميه للحلول، فضلاً عن إتاحة الفرصة للإدارة أن تتعرف على الملكات الفردية والجماعية للفريق.
حيث يقوم كل فرد ضمن المجموعة بتقديم اقتراحاته وتطوير اقتراحات المشاركين الآخرين، في بيئة بعيدة عن التوتر والانتقاد والنقاش الساخن، ولا يطلب منهم غير الابتكار.
من الجدير بالذكر أن عملية العصف الذهني لا تعتبر جزءاً من عملية اتخاذ القرار، إنما جزءاً من تحليل المشكلة وإيجاد الحلول، حيث يبقى دور المشاركين في عملية العصف الذهني طرح الأفكار والتصورات والاقتراحات، وتبقى عملية اتخاذ القرار عملية مستقلة تقوم بها الإدارة.
وسنتمكن خلال هذه المادة وبالتدريج من إدراك مفهوم العصف الذهني وآليات تطبيقه وميزاته.
مجالات استخدام العصف الذهني
يمكن أن يتم استخدام العصف الذهني في حل المشكلات وتوليد الأفكار في جميع المجالات تقريباً، وعادة ما يتم الاعتماد على العصف الذهني بشكل كبير في مجالات الإدارة، مثل إدارة الفريق وإدارة الحملات الإعلانية أو المبادرات الخيرية وغيرها، كما يتم الاعتماد على العصف الذهني في التعليم كوسيلة فعالة لتبادل الأفكار وإيصال المعلومات.
باعتقاد أوزبورن فإن عملية العصف الذهني Brainstorming تهدف إلى إزالة العقبات التي قد تعرقل التواصل بين أفراد المجموعة من جهة، وتحفيز القدرات الإبداعية عند أفراد المجموعة للاستفادة منها في توليد الأفكار والحلول من جهة أخرى.
في سبيل الوصول إلى هذه المعادلة وضع أبورن أربعة قواعد رئيسية للعصف الذهني:
- عدد الأفكار والحلول هو الأهم: بالدرجة الأولى يركز العصف الذهني على الكم أكثر من تركيزه على النوع، لأن العصف الذهني في جوهره قائم على المشاركة لاستخراج أفكار وحلول مختلفة ومتباينة ومن وجهات نظر مختلفة.
- عندما كان العصف الذهني منفصلاً عن عملية اتخاذ القرار فمن الأفضل الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الاقتراحات من قبل المشاركين في عملية العصف الذهني ليقوم صاحب القرار بفلترتها والاختيار من بينها.
- الابتعاد عن النقد: يجب أن تكون جلسة العصف الذهني خالية من الانتقاد أو تحليل الأفكار لنقدها، حيث ينصب تفكير المشاركين في العصف الذهني على إيجاد الحلول والأفكار، والذهاب في الفكرة الواحدة إلى أبعد حد ممكن من خلال تطويرها، لكن دون التطرق للانتقاد، لأن الانتقاد سيعرقل تداعي الأفكار، حيث ستكون مرحلة اختيار الحل أو اتخاذ القرار هي المرحلة المناسبة للانتقاد والتحليل.
- الترحيب بالأفكار الجيدة والمبدعة الفريدة، وتقدير الجهود المميزة.
- التداخل بين الأفكار وجمعها للوصول إلى أفكار جديدة، فكل مشارك يقوم بطرح فكرة وتطوير أفكار الآخرين.
أولاً وقبل كل شيء؛ لا بد أن يكون الموضوع المطروح للنقاش قابلاً للتداول بطريقة العصف الذهني، ويمكن القول أن شروط المواضيع المناسبة للعصف الذهني:
- أن يكون الموضوع محدداً، بمعنى ألا يكون متشعباً وألا يتم نفاش أكثر من موضوع معاًـ لأن ذلك يعطل عاصفة الأفكار.
- أن يكون الموضوع مفتوحاً، حيث لا يمكن الاستفادة من العصف الذهني بالمواضيع المغلقة أو التي تقبل التصويت بنعم أو لا، بل يجب أن يكون الموضوع مفتوحاً.
- أن يكون المشاركون على دراية بالموضوع وعلى معرفة بما هو مطلوب منهم بالضبط.
بناء على هذه النقاط تقرر الإدارة إن كانت بحاجة لاستخدام العصف الذهني في موضوع محدد، أم أنها ستلجأ لطريقة أخرى من طرق حل المشاكل، وإذا كان القرار هو استخدام العصف الذهني فلا بد من اتباع هذه الخطوات:
- أولاً: اختيار مجموعة العصف الذهني سواء كنت مديراً لشركة أو مسؤولاً عن فريق تطوعي أو مدرساً ....إلخ، لا بد أن تقوم بانتقاء مجموعة العصف الذهني بعناية، لتضمن الوصول إلى أفكار متنوعة قدر الممكن، وعادة ما يكون العدد المثالي 12 فرداً. لنفترض مثلاً أنك تريد تغيير الشعار المكتوب على منجاتك، من البديهي أن فريق التسويق سيكون قادراً على تقديم احتمالات كثيرة، لكنها بشكل أو بآخر ستكون متشابهة أو متقاربة، لكن إذا شكلت مجموعة فيها أفراد من قسم التسويق، ومن المحاسبة، ومن المبيعات، ومن الموارد البشرية وربما تعرف شخصاً مميزاً في السكرتارية. الاقتراحات التي ستقدمها هذه المجموعة ستكون ممتازة، ويمكن أن تتوصل من خلالها لشعار جديد يلبي طموحك واحتياج السوق.
- ثانياً: ميسر الجلسة بعد اختيار المجموعة لا بد أن يكون هناك ميسر للجلسة، ولا بد أن يكون ميسر الجلسة أو مديرها قادراً على تحفيز المشاركين، ويمتلك خبرة في إدارة العصف الذهني ويعرف كيف يبدأ وكيف ينتهي، كما لا بد أن يكون شخصاً محبوباً.
- ثالثاً: طرح المشكلة على مجموعة العصف الذهني قبل أن تبدأ جلسة العصف الذهني لا بد أن تكون المشكلة واضحة في ذهن ميسر الجلسة، ولا بد أن يقدم للمشاركين المفاتيح التي تساعدهم على توليد الحلول، وعند طرح المشكلة على المجموعة لا بد أن يتأكد الميسر أن الجميع فهموا المطلوب بالضبط. مثال عن طرح المشكلة للعصف الذهني؛ إذا عدنا إلى مثال تغيير الشعار المكتوب على المنتجات، لا بد أن يشرح الميسر للمشاركين سبب الرغبة في تغيير الشعار، وأن يشرح لهم أن الهدف هو الخروج بأكبر عدد ممكن من الأفكار والاقتراحات لشعار جديد، والأهم ألا يؤثر على أفكارهم أو يؤطرها.
- رابعاً: تشغيل العجلة المرحلة الأخيرة من عملية العصف الذهني هي قدح الشرارة أو تشغيل العجلة، وذلك عندما يبدأ المشاركون بوضع اقتراحاتهم وفق الآلية المتفق عليه، قد تكون الاقتراحات مكتوبة أو شفهية، يتم وضعها في صندق أو يتم تبادلها مع الآخرين. ميسر الجلسة الجيد هو من يستطيع أن يعزز مشاركة الأفكار بين المشاركين بأقل قدر ممكن من النقاش حول جوهر هذه الأفكار، ومن يضمن العدالة والفاعلية في طرح الأفكار وتطوير أفكار الآخرين، ومن يجيد استخراج الأفكار من الأذهان وتحفيزها على الخلق والإبداع.
يعتبر استخدام العصف الذهني في مجال التدريس من الطرق الفعالة في تحفيز التفكير الإبداعي عند الطلاب، ويتم استخدام هذا الأسلوب في المراحل المدرسية المختلفة.
ويكون العصف الذهني عظيم الفاعلية في اكتشاف المهارات الفردية للطلاب، وتمكينهم من تطوير آليات خاصة بهم للبحث عن الحلول وخلق الأفكار، وقد يواجه المدرسون بعض الصعوبات في إدارة العصف الذهني، لذلك نطرح مثال عن العصف الذهني في التدريس.
مثال على العصف الذهني
لنفترض أنك مدرس في كلية التربية الاجتماعية، وتريد مساعدة الطلاب على تنمية مهارات خلق الحلول، ولنفترض أن المشكلة التي سيبحثون عن حل لها هي قضية التنمر.
لا بد في البداية أن يتم تقسيم الطلاب إلى مجموعات، ثم اختيار مسير لكل مجموعة، والأفضل أن يتم اختياره بالانتخاب، ثم يتم تحديد المشكلة بدقة.
لنفترض أنك ستطلب من كل مجموعة وضع خمسة إجراءات يمكن اتخاذها لمحاربة ظاهرة التنمر، لا بد في البداية أن تقدم لهم المعلومات الرئيسية المتعلقة بهذه القضية.
ستقوم كل مجموعة بتبادل الأفكار بين أفرادها للوصول إلى النقاط الخمسة المطلوبة، ثم تقوم كل مجموعة بتقديم ورقة لمجموعة أخرى، بحيث تطلع كل مجموعة على ما فعلته المجموعات الأخرى، وتحاول أن تقدم اقتراحات لتطوير الأفكار.
إذا افترضنا أن لديك 5 مجموعات في القاعة، ستخرج في النهاية بأكثر من 30 إجراء لمحاربة التنمر، ويمكن التصويت لاختيار الإجراءات الأكثر فاعلية.
أخيراً... للحصول على نتائج جيدة من العصف الذهني لا بد أن يركز المشاركون على تجنب النقاش الحاد أو الدخول في التفاصيل أو الخلط بين عملية العصف الذهني وعملية اتخاذ القرار.