اختبار واستبيان الإهمال العاطفي منذ الطفولة وآثاره
التجاهل أو الإهمال العاطفي في مرحلة الطفولة كما تحدثنا عن علامته وميزاته غير الملموسة في مرحلة بلوغ الشخص خلال مقال سابق؛ نخضعه اليوم لبعض التحليل كي يتسنى لك معرفة ما إذا كنت تعاني من آثاره الخطرة، التي سنتحدث عنها في مقال مستقل قادم أيضاً.
أهمية اختبار الإهمال العاطفي في مرحلة الطفولة من الناحية التحليلية النفسية
هناك قوة غير مرئية من الطفولة، تثقل الناس ككبار.. وهي ليست من الأحداث التي يمكن أن تكون ملحوظة أو قابلة للتذكّر، مع ذلك تترك علامة عميقة على الطفل يستمر أثرها طوال فترة البلوغ، إنه الإهمال العاطفي في الطفولة (CEN-Childhood Emotional Neglect).
وهو هو فشل أحد الوالدين في الاستجابة بما يكفي لاحتياجات الطفل العاطفية، يمكن أن يتنكّر فشل الاستجابة في حنان الوالدين حتى! كما يمكن أن تحدث في أفضل العائلات التي تتمتع بالصحة والعافية، كذلك يمكن أن يكون الإهمال العاطفي للطفل مطموساً ليس كسوء معاملة الطفل أو إيذائه جسدياً، فيمر ببطء دون أن يلاحظه أحد لكنه يلحق ضرراً صامتاً في حياة الفرد على طول عمره.
وبما أنه من الصعب أن تحدد إذا ما كنت تعاني من سيطرة هذا الضرر، هناك اختبار صممته الطبيبة النفسية جونيس ويب (Jonice Webb)؛ ووجدت أنه مفيد جداً لكنها لم تتمكن من إثبات دقته العلمية 100%، لذا تشير الدكتورة ويب إلى أن: "هذا الاختبار يعتمد فقط على دراسات سريرية، كما لا يستند إلى أي تجارب علمية حتى الآن".
خوض اختبار الإهمال العاطفي في مرحلة الطفولة
يمكن للتعرف على تأثير الإهمال العاطفي أن يُحدث فرقاً هائلاً في حياتك، بحيث يمكن أن تكشف الجزء المفقود في أحجية المشاكل التي تتعرض لها في حياتك، وأن تتمكن من إصلاح الخطأ الذي قد يكشفه لك هذا الاختبار في حياتك أو شخصيتك، كما يمكن أن يشكل هذا الاختبار بشكل حرفي؛ المنقذ لحياتك! فرغم موضوعية الطبيبة النفسية معدة؛ هذا الاختبار بعد سنوات طويلة من علاجها لتأثيرات التجاهل العاطفي على مرضاها، ووصفها بأنه فقط معتمد على الفحوص السريرية؛ هنا ستجد دقته لأنه نابع من دراسة واستقصاء قامت به الطبيبة ويب، ويحتاج موضوع الإهمال العاطفي لدراسات علمية دقيقة أيضاً وأيضاً، لما يحمله من مخاطر لا يمكن أن تلمس أثرها في حياتك حتى تسأل نفسك أسئلة الاستبيان.
كما قلنا ونكرر أن الإهمال العاطفي للطفل سيكون له آثار طويلة الأمد في مرحلة البلوغ.. وهي مخفية ومستترة لا يمكن الكشف عنها بسهولة، تتضح من خلال بعض العلامات والسلوكيات التي تحدثنا في مقالنا السابق.
وللتأكد إذا ما كنت تعاني من إهمال عاطفي تعرضت له وأنت طفل صغير، ما عليك إلا خوض اختباره كما تنصحك الدكتورة جونيس ويب وأنا (حيث أجريت الاختبار وتبين لي معاناتي من بعض آثار التجاهل العاطفي منذ الطفولة)، وانتبه ستكون لديك فقط إحدى الإجابتين عن كل سؤال؛ إما نعم أو لا، ثم تابع عدد إجاباتك بنعم على الأسئلة التالية:
- هل تشعر أحياناً بعدم الانتماء؛ إذا كنت مع أهلك أو أصدقائك؟
- هل تفخر بنفسك.. لعدم اعتمادك على الآخرين؟
- هل لديك صعوبة.. في طلب المساعدة من الآخرين؟
- هل يشتكي بعض أصدقائك أو أفرد عائلتك؛ من أنك منعزل أو متحفظ، وتحب أن تكون بعيداً عنهم؟
- هل تشعر بأنك لم تصل إلى كل إمكاناتك، وتحقق كل جهودك في الحياة؟
- غالباً ما تود أن.. يتركك الآخرون لوحدك؟
- هل تشعر بينك وبين نفسك؛ أنك ربما تكون شخصاً مخادعاً أو محتالاً ونصّاب؟
- هل تتجه لعدم الشعور بالراحة؛ في المواقف والمناسبات الاجتماعية؟
- هل تشعر غالباً بالغضب على نفسك، أو بخيبة الأمل من نفسك؟
- تحكم على نفسك بقسوة.. أكثر مما تحكم على الآخرين؟
- تقارن نفسك بالآخرين.. وفي الغالب تجد نفسك ومع الأسف عديم النفع أو غبي؟
- تجد أنه من الأسهل عليك؛ محبة الحيوانات أكثر من الناس؟
- غالباً ما تشعر بأنك مهتاج ومنفعل، أو غير سعيد من دون سبب واضح؟
- لديك مشكلة في معرفة حقيقة مشاعرك، أو ما تشعر به بشكل فعلي وبالضبط؟
- هل لديك مشكلة في تحديد نقاط الضعف ونقاط القوة لديك؟
- تشعر في الغالب.. أنك بعيد عن الواقع، أو أن لديك شعور من ينظر من الخارج إلى الداخل؟
- هل تعتقد أنك من الأشخاص، الذين يمكنهم العيش بسهولة.. كزاهد أو ناسك؟
- هل لديك مشكلة.. في تهدئة نفسك؟
- هل تعتقد أن هناك شيء ما، أو خطأ ما، يمنعك من عيش اللحظة الراهنة؟
- في بعض الأحيان تشعر.. بأنك فارغ من الداخل أو لا تمتلك الإحساس بالحياة؟
- تشعر بينك وبين نفسك، بأن هناك شيء ما خاطئ فيك؟
- هل تعاني من موضوع ضبط نفسك، أو حتى تحقيق الانضباط الذاتي، في عيش حياتك؟
انظر مرة أخرى على إجاباتك ب(نعم).. حيث تمنحك هذه الإجابات نافذة على أكثر النواحي من حياتك، التي قد تكون واجهت فيها الإهمال العاطفي في مرحلة الطفولة، فكلما زادت الأسئلة التي أجبت عليها "نعم"؛ يزداد احتمال تأثير (CEN) على حياتك كشخص راشد.
أهمية التعافي من تأثير الإهمال العاطفي
بعد أن تعرّفت على الآثار التي تركها الإهمال العاطفي عليك منذ الطفولة، كذلك العلامات والميزات السلوكية التي تترافق معه عند الشخص البالغ، لا بد من معرفة أهمية التعافي من تأثيرات التجاهل العاطفي (CEN) لأنه:
- الطريقة التي تعامل بها والديك معك عاطفياً؛ تحدد كيف ستتعامل مع نفسك كشخص بالغ، هذا ما أثبتته الدراسات العديدة حول ذلك.
- العاطفة هي جزء لا يمكن إنكاره من تكوينك كإنسان؛ إذا تجاهلت عواطفك فسوف تشعر بتجاهل على بعض الأصعدة الأخرى، بغض النظر عن مقدار الرعاية التي تمنحها لنفسك بطرق مختلفة.
- العواطف جوهر كل العلاقات الإنسانية، فإذا تجاوزت عواطفك ولم تصغي إليها جدياً؛ فإنك تتجاوز مصدراً حيوياً للاتصال والسعادة.
- لقد ثبت أن الذكاء العاطفي أكثر قيمة للنجاح في الحياة والعمل من الذكاء العام، فمن الأهمية بمكان أن تعرف كيفية تسمية المشاعر واستخدامها وإدارتها أيضاً، كذلك كيفية التعامل مع عواطف الآخرين ومشاعرهم.
- إن الأشخاص الذين حصلوا على كفايتهم العاطفية من آبائهم في مرحلة الطفولة؛ قادرون بالعموم على توفيرها تلقائياً لأطفالهم، وفي المقابل الناس الذين لم يحصلوا على ما يكفي من آبائهم؛ من المحتمل أن يكافحوا من أجل توفير العاطفة كآباء، بالتالي من المهم أن تدرك ما لم تحصل عليه، حتى تتمكن من بذل جهد واعي لتعلّم المهارات المفقودة، وملء النقاط العمياء عاطفياً لديك.. لإعطاء أطفالك ما لم تحصل عليه، حيث سيملئون فراغاً داخلياً لديك سببه تجاهل مشاعرك في طفولتك.
صعوبة العيش مع تأثيرات الإهمال العاطفي منذ مرحلة الطفولة
- تختبئ العاطفة وراء السلوك، فالسلوكيات مدفوعة بالعواطف.. ويمكن تشبيه الأمر بأن السلوك هو العربة والعاطفة هي المحرك، يمكنك رؤية العربة وكل حركاتها، لكن لرؤية المحرك عليك رفع الغطاء.
- لم نولد ولدينا معرفة بلغة العاطفة، ولأنها يمكن أن تكون قوية ومعقدة ومربكة؛ كثير من الناس يجدون أنه من الأسهل تجاهلها ببساطة!
- إذا كانت لديك نقاط عاطفية عمياء! فستصبح أعمى اتجاه مشاعر الآخرين أيضاً، بما في ذلك عواطف أطفالك.
كيفية إصلاح الآثار الخطرة للإهمال العاطفي خلال الطفولة على البالغ
انتبه وابدأ بتدوين وكتابة كل ما يتعلق بطبيعتك، فما الذي يعجبك أو لا يعجبك في نفسك؟ ما الذي تغضب أو تشعر بالخوف بسببه؟ هل لديك مشكلة مع النضال في سبيل أهدافك؟.. بالتالي مراقبة هذه الجوانب من نفسك بطريقة حيادية، لا تنطوي على تقييمك أو جلدك لذاتك حتى تصبح أكثر انسجاماً وتناغماً مع نفسك ومن أنت حقاً قلباً وقالباً.
- حاول التواصل مع كل ما تشعر به بما في ذلك ألمك.
- وقم غالباً بطرح الأسئلة التالية على نفسك:
- ماذا دهاك وما الذي يصيبك؟
- لماذا فعلت ذلك؟
- لماذا تقول هذا؟
- ما هو شعورك؟
- ماذا تريد؟
- من ماذا أنت خائف؟
- ما الذي أنت قلق بشأنه؟
- ما الذي يجعلك غاضباً، حزيناً، متألماً، وما إلى ذلك من المشاعر العميقة؟
- استمع بعناية إلى إجاباتك الصادقة حول هذه الأسئلة الصعبة! والتي قد يكون من الأصعب الإجابة عنها أحياناً، لكن التنفيذ البسيط المتمثل في السؤال والتناغم مع نفسك؛ يبدأ في تحطيم الجدار بينك وبين عواطفك المكبوتة.
- ضع في اعتبارك أن هدفك هو فهم عواطفك وإدارتها؛ ربما هذه الخطوة هي الأكثر صعوبة، فعندما تكون قادراً على فهم وتمييز ما تشعر به، فقد حان الوقت للعمل على تعلّم كيفية تحمل مشاعرك والتحكم بها من ثم التعبير عنها بشكل مناسب، هذه هي المهارات مع قدرتك على تغيير حياتك.
- لا تحكم على نفسك من خلال ما تشعر به أبداً، وهذا ما ستتبعه عندما تعرف قيمة عواطفك، بالتالي حاكم نفسك من خلال أفعالك فقط، لا من خلال عواطفك.
ستساعدك النصائح أعلاه على البدء في التعافي من آثار الإهمال والتجاهل العاطفي الذي عانيته في صغرك، سوف تبدأ أخيراً في فهم الأشياء التي استعصت عليك طوال حياتك حتى اليوم، بالتالي سوف تشعر بأنك متحرر من صراعك، فستتمكن من البدء في مساعدة نفسك على القيام بالأشياء بشكل مختلف.
والآن أنت تعرف ما يحدث معك بالفعل وأصبحت تطلق عليه التسمية العلمية الصحيحة، وقد أدركت التأثيرات الخطيرة (التي سنتحدث بإسهاب حولها؛ في مقال منفصل) وراء انتشار الإهمال العاطفي، وبتَ مجبراً على سحبه من الظلام إلى النور، لمساعدة نفسك على معرفة مدى تأثيره، وتعلّم الأدوات اللازمة لإصلاحه.. التي تحدثت عنها أيضاً الدكتورة ويب في كتابها (الركض في الفراغ.. التغلب على الإهمال العاطفي لطفولتك)؛ وهو الكتاب الأول من نوعه حول الإهمال العاطفي.
وفيه تتحدث عن أنواع الأهل الذين يهملون أطفالهم عاطفياً من دون قصد، وعن أهم المشاكل والقضايا التي يعانيها الأطفال المهملون عاطفياً في مرحلة البلوغ، وأخيراً أهم الاستراتيجيات التي تحدثت عنها الطبيبة النفسية المعالجة للإهمال العاطفي على مدى عشرين عاماً؛ لكيفية التغلب على الإهمال العاطفي في مرحلة الطفولة والآثار المترتبة عليه، لم أكن أعرف مخاطرها (حتى قرأت كتاب الدكتورة جوينس ويب)، فاكتشفت أن الأمر أبسط مما كنت أتخيله مشكلة كبيرة ومؤثرة في حياتي، فقط عندما نظرت إلى الموضوع من زاوية مختلفة، وسأتحدث بإسهاب عن خطوات الشفاء من تأثيرات إهمال أو تجاهل عواطفنا؛ الذي كان من دون قصد أهلنا على الأغلب!
في النهاية.. في هذا الاختبار البسيط قد تتعرف على مدى معاناتك من آثار الإهمال العاطفي في الصغر، لكنك ستطلق على المشكلة التي لم تكن تعرف اسمها؛ توصيفاً دقيقاً سيساهم حتماً في حلّها.. فلطفاً وليس أمراً اعطنا رأيك بما قرأته حتى الآن عن موضوع الإهمال العاطفي ومقالنا القادم حول الدروس التي يمكن لنا تعلّمها كبالغين؛ من الإهمال والتخلي العاطفي في مرحلة الطفولة، كما سنتحدث عن خطوات الشفاء بإسهاب.. فانتظرونا.