بكاء الأطفال والتعامل مع الطفل كثير البكاء
بين الحزن الشديد أو السعادة الغامرة يصل الإنسان إلى حالة عاطفية لا يمكنه معها التعبير عن مشاعره من خلال الكلام أو الوسائل الأخرى التي تعلمها في حياته، لذلك نجده يعود لاستخدام غريزته الطبيعية التي خلق عليها وهو لا يعرف غيرها كطريقة للتعبير عن العواطف وهي البكاء.
وبالنسبة للطفل فإنه لا يعرف أساساً سوى البكاء للتعبير عن عواطفه أو أي شعور آخر كالجوع والعطش والألم، وهنا نتوقف لنسأل لماذا يبكي الأطفال وما هي الوظيفة التي يمارسها البكاء عندهم؟، ثم ماهي مضار وفوائد وأسباب وأنواع بكاء الأطفال؟.
أولاً ما هو تعريف البكاء: هو استجابة أو ردة فعل عاطفية تجاه بعض المواقف التي تحفز الغدد الدمعية لإفراز كمية من الدموع وطرحها عبر العين، وهي تمارس مهمة تساهم في خفض التوتر الذي يشعر فيه الإنسان والذي ينتج عن موقف عاطفي معين سواء كان هذا الموقف يثير الحزن أو السعادة.
وللبكاء وظائف جسدية ونفسية نذكر منها:
- الوظيفية الجسدية للبكاء: عملية البكاء التي تؤدي لذرف الدموع من العين تمارس عن طريق هذه الدموع وظيفة في ترطيب العين وتعقيمها من الجراثيم والغبار الذي يدخل إلى العين بفعل العوامل الطبيعية، وفي هذا حفاظ على سلامة العين الصحية وإعادة تهيئتها للقيام بمهامها بفعالية أفضل.
- وظيفة نفسية للبكاء: البكاء هي اللغة الفطرية التي يستخدمها الطفل للتعبير عن شعوره بعدم الرضا والانزعاج من أي شيء، فمن ناحية يتمكن الطفل من خلال البكاء إشعار الآخرين حوله أنه يريد شيء ما ولن يتوقف عن البكاء حتى يحققه، ومن ناحية أخرى فهو وسيلة لتفريغ الانفعالات مثل الخوف والغضب أو الشعور بالألم والانزعاج.
ومن الجدير بالذكر أن الأمهات يستطعن قراءة وفهم رغبات الطفل الرضيع من خلال بكائه، فالبكاء من الجوع غير البكاء من البرد أو الحر وغير البكاء لتغيير الحفاضة.
يبدأ الطفل لقائه الأول مع عالمه بردة فعل عامة بين جميع الأطفال وهي البكاء، ويفسر هذا البكاء بأنه مزيج من الشعور بالألم الناتج عن أنفاسه الأولى في العالم الجديد بالإضافة للاستغراب والخوف من هذا العالم الذي خرج إليه بشكل مفاجئ، وبعدها يتطور البكاء عند الطفل في أسبابه بشكل متوازي مع تطور مشاعره وعواطفه وحاجاته، ومن هنا تصبح أسباب البكاء عند الأطفال متعددة ومتنوعة بحسب العامل الذي أدى للبكاء ومن هذه الأسباب:
الأسباب الجسدية والبيولوجية لبكاء الأطفال
- بكاء الطفل والشعور بالجوع: فالطفل في مراحله العمرية المبكرة يعبر عن شعوره بالجوع من خلال البكاء في أوقات معينة وهي مواعيد تناول الطعام أو الرضاعة التي اعتاد عليها، ولهذا نجد الطفل الرضيع يدخل في نوبات غضب حادة خاصة في مرحلة الفطام فهو يفقد غذائه الأساسي الذي اعتاده بشكل مفاجئ وبدأ بتناول أنواع أخرى جديدة من الأطعمة.
- الشعور بالألم: يبكي الأطفال بشدة عندما يشعرون بالألم لسبب ما، ويوجد العديد من الأسباب التي قد تؤدي إلى تألم الطفل وشعوره بالأوجاع، مثل المغص الناتج عن تقلصاته المعوية أو انزعاجه من بعض الملابس والحفاضات التي تؤدي إلى السماط أو احتباس الدم في بعض مناطق الجسم، وقد يشعر بالألم أيضاً جراء المرض أو الوضعية التي يكون عليها جسمه وكل ما سبق لا يجد الطفل وسيلة للتعبير عنه سوى البكاء.
- النعس والبكاء: فالطفل الرضيع على وجه التحديد قد يشعر بالنعاس دون أن يدري أن هذا السبب الذي يزعجه، وهنا تجده يستمر بالبكاء حتى يخلد أخيراً للنوم.
الأسباب النفسية لبكاء الأطفال
- مواقف الحزن أو الفرح: الانفعال أو التوتر الذي ينتج عن الكثير من المواقف العاطفية، فمثل هذه المشاعر قد تجعل الطفل لا يجد وسيلة للتعبير عنها وتفريغها إلا من خلال البكاء الذي يعتبر من الوسائل الغريزية لخفض التوتر.
- الإحباط بسبب موقف معين: فالطفل يشعر بالعجز عن القيام بالعديد من الأمور وتحقيق بعض الغايات بسبب صغر سنه وضعف قدراته أو رفض الكبار بعض طلبات ومثل هذه المواقف تشعر الطفل بالإحباط ولا يجد طريقة لتفريغ انزعاجه إلا من خلال البكاء.
- البكاء وعلاقته بالعناد: بعض الأطفال يتميز سلوكهم بالعناد وعند وقوف أي سبب أمام تحقيق ما يريدون مثل منعهم من قبل الكبار يستخدمون البكاء لإجبار الآخرين على تحقيق غاياتهم.
- البكاء والخوف: فعند شعور الأطفال بالخوف من الأصوات العالية أو رؤية الغرباء أو حتى الخوف من بعض الحيوانات والحشرات أو المشاهد المرعبة التي قد يراها على التلفاز فإن ردة فعله المباشرة هي البكاء كطريقة للهروب من الموقف المخيف أو لطلب النجدة من الآخرين.
- الغضب: قد يغضب بعض الأطفال للكثير من الأسباب والمواقف التي يتعرضون لها بشكل شبه يومي، وقد ينتج عن هذا الشعور بالغضب نوبات حادة من البكاء، ويلاحظ في هذا السبب أن الطفل يبالغ في رفع صوته وتقصد إزعاج الآخرين ببكائه.
- إثارة المشاعر: تحصل خلال حياة الطفل مواقف قد تثير مشاعره وعواطفه مثل رؤية والديه بعد فترات طويلة من الغياب وشعوره بالشوق إليهم أو رؤية مشهد درامي معين على التلفاز، ومثل هذه المشاعر تؤدي لنوع معين من بكاء الأطفال.
- كبت الرغبات: لا يتمكن الطفل من تحقيق كل رغباته سواء بسبب تضارب هذه الرغبات مع النظام المنزلي أو المدرسي أو عدم إمكانية تحقيق رغباته للعديد من الأسباب، ولكن الطفل غير قادر على تحليل السبب وراء كبت هذه الرغبات وإنما يشعر بالحزن والغضب لعدم تحقيقها ويلجأ للبكاء تعبيراً منه لرفض هذا الواقع.
- الابتعاد عن الوالدين: وهي من أكثر المواقف التي تثير الحزن والخوف عند الطفل، مثل دخوله المدرسة أو عندما يتوه من والديه في الشارع، وهنا يمكن أن يستمر الطفل بالبكاء لفترات طويلة وهذا ينتج عن عدة مشاعر مثل الخوف والغضب والوحدة.
بحسب السبب الذي يقف وراء بكاء الطفل، يتغير شكل هذا البكاء ونوعه، فحالات البكاء متنوعة ومتعددة بالنظر إلى مضمون هذا البكاء وغايته، فعندما يبكي الطفل لشعوره بالوجع والألم مثلاً ليس كما حين يفتعل البكاء لتحقيق غاية معينة، ومشاعر الغضب المسببة لسلوك البكاء لا تشبه من حيث نتيجتها مشاعر الجوع أو العطش، وهنا يمكن تحديد أشكال البكاء كالآتي:
- البكاء الكاذب أو المصطنع: وفي هذه الحالة يمثل الطفل أنه يبكي ومنزعج ويذرف بعض الدموع بشكل مقصود ويصدر أصواتاً تدل على أن بكائه غير حقيقي، ويلجأ الطفل لهذا النوع من البكاء عندما يمنع من تحقيق رغبة معينة مثل شراء لعبة جديدة أو أكل المثلجات كما قد يستخدمه في حالات إجباره على شيء ما مثل الخلود إلى النوم أو الذهاب إلى المدرسة أو قضاء بعض الواجبات.
- بكاء ناتج عن الشعور بالظلم والقهر: في هذه الحالة يقف الطفل أمام مواقف تشعره بالعجز والضعف مثل الغيرة من اهتمام والديه بطفل آخر أو حرمانه من شيء يرغب فيه بشدة أو مواقف خيبات الأمل مثل الرسوب في الامتحان أو تعرضه للتنمر من قبل المعلم أو أحد أقرانه أو ذويه، وفي هذه الحالة يصدر بكاء الطفل عن شعور بالقهر في داخله وأنه مظلوم ولا أحد يراعي رغباته وظروفه.
- بكاء ناتج عن الطبيعة النفسية للطفل: حيث أن الأطفال يختلفون من حيث خصائصهم النفسة، ويؤدي هذا إلى اختلاف نوع بكائهم والسبب الذي ينتج عنه هذا البكاء، فبعض الأطفال يتميزون بسرعة الغضب والبعض الآخر يتميز بالخوف وضعف الشخصية، ولهذا نجد بعضهم ينعزلون في غرفهم ليبكوا وحيدين وبعضهم الآخر يتقصدون رفع صوتهم وإظهار احتجاجهم وإزعاج الآخرين ببكائهم.
- دموع السعادة: ليس بالضرورة أن يكون سبب البكاء دائماً هو الحزن والانزعاج ففي بعض الحالات قد يبكي الأطفال بدافع شدة الفرح، فهم لشدة فرحهم لا يجدون طريقة أصدق من البكاء للتعبير عن شعورهم بالسعادة، وهذا النوع من البكاء متميز في شكله عن باقي الأنواع الأخرى.
- البكاء المرضي: وهو في حالات الأطفال الذين لا يتوقفون عن البكاء، فتجد الطفل كثير البكاء إلى درجة مبالغ بها، ويتميز بأن الطفل قد يبكي دون وجود سبب واضح أو معروف لبكائه، وهو ينتج عن أسباب جسدية أو نفسية مرضية.
في بعض الحلات عندما يتجاوز بكاء الطفل حدوده الطبيعية يكون له أثر سلبي على شخصية الطفل ونتائج ضارة وسلبية على نفسيته ومن هذه المضار:
- الصداع والشعور بالتوتر بشكل دائم: نتيجة تنبيه الأعصاب الناتج عن الانفعال وإجهاد الغدد الدمعية.
- تشكل مشاعر سلبية: فالطفل الذي يبكي باستمرار تصبح مشاعر السلبية والحزن والتشاؤم غالبة على مشاعره وخصائصه للنفسية.
- تنمية شخصية ضعيفة وانهزامية: غير قادرة على المواجهة حيث أن البكاء هو من الأساليب الضعيفة لمواجهة المشاعر والمواقف الصعبة وإذا اعتاد الطفل على هذا الأسلوب فإنه سوف يفقد ثقته بقدراته على مواجه مشاكله والدفاع عن مصالحه.
انفعال البكاء هو سلوك واضح وملفت للانتباه وقد يسبب الإزعاج في بعض الأحيان، لهذا فإن جميع الأهل يبحثون عن طرق وأساليب للتخفيف من بكاء أطفالهم ومعرفة أسبابه ليتمكنوا من اسكاتهم وعلاج المشكلة التي تسببت في بكائهم، وهنا نستعرض مجموعة من الخطوات التي تساعد في التقليل من بكاء الطفل أو علاجه في الحلات المرضية:
- التقبل والمحبة للطفل: فمن الضروري أولاً أن يشعر الطفل أنه محبوب ومرغوب فيه ومحط اهتمام ذويه، حتى لا يشعر بالنقص في شخصيته وبالتالي يستخدم البكاء للتعويض عن هذا النقص ولفت انتباه الآخرين.
- عدم المبالغة في كبت رغبات الطفل: حيث أنه يجب استخدام أسلوب تربوي يقنع الطفل أن ليس جميع رغباته مقبولة ويمكن تحقيقها وشرح أسباب ذلك، فالكبت لهذه الرغبات يؤدي نتائج عكسية في كثير من الأحيان.
- في حالات الطفل الرضيع: يجب الانتباه جيداً ومعرفة السبب الذي يبكي الطفل، فقد يشعر بالجوع أو الوجع أو المرض أو الخوف، وكلها أسباب يجب تلافيها سواء للتقليل من بكاء الطفل أو لعلاج مشاكله.
- عدم تجاهل الطفل: ففي الحالات التي يشعر فيها الطفل بالقهر والظلم يحتاج إلى من يقف إلى جانبه ويشعره بالمحبة والاهتمام، حيث أن مثل هذه المشاعر تساعد الطفل على تجاوز مشاعره السلبية والتغلب على المواقف التي تشعره بالضعف وبالتالي سوف يتوقف عن البكاء ويبحث عن وسائل أفضل لمواجهة إحباطه.
- عدم تدليل الطفل: من الخاطئ مسايرة الطفل كل ما لجأ لاستخدام البكاء بدافع إجبار الآخرين على تحقيق رغباته، فهذه المسايرة سوف تنمي لديه شخصية استغلالية وسوف يكرر هذا السلوك كلما دعت الضرورة نتيجة للاستجابة التي يجدها عندما يستخدمه.
- العناية بصحة الطفل: من حيث نظافته الشخصية وصحته الجسدية حتى لا يصاب بالأوجاع أو الأمراض والاهتمام به في حالات المرض وعرضه على الطبيب لعلاجه وبالتالي سوف نحقق الحفاظ على صحته والتقليل من بكائه.
جميع الأطفال يبكون وهو سلوك طبيعي ناتج عن الكثير من الأسباب ويؤدي العديد من الوظائف، قد تنزعج من بكاء طفلك أو قد تتعاطف معه وتقلق عليه، وفي جميع الأحول وعند تجاوز الطفل لحدوده الطبيعية في البكاء، يجب معرفة مسببات بكاء هذا الطفل وبالتالي العمل على علاج هذه الأسباب التي قد تكون ناتجة عن مشاكل خطيرة في بعض الأحيان ولم يجد الطفل وسيلة غير البكاء للتعبير عنها وإشعار الآخرين أنه يعاني من مشكلة ما.