أهداف ووسائل تنظيم الأسرة وسلبيات تحديد النسل
حسب إحصائيات المجلة الدولية للسرطان هناك 214 مليون امرأة في سن الإنجاب في البلدان النامية ممن يرغبن في تجنب الحمل لا يستخدمن وسيلة حديثة لمنع الحمل.
يُعتبر تنظيم الأسرة أحد الحلول المناسبة لتنظيم المجتمعات في كثير من الدول خصوصاً تلك التي تعاني من التضخم السكاني والازدحام والسكن العشوائي، أو تلك التي تعاني من تدهور الاقتصاد وسوء المعيشة، مما جعل كثير من سياسات الدول تركز أولاً على تنظيم الأسرة لتتحقق من خلالها باقي المتطلبات.
مفهوم تنظيم الأسرة.. منع الحمل أولاً
يشير مصطلح "تنظيم الأسرة" عموماً إلى الأساليب التي تسمح للنساء التحكم بالإنجاب وتحديد النسل الهرموني مثل حبوب منع الحمل، منع الحمل عن طريق الحقن، استخدام الرجال للواقي الذكري أو مبيدات النطاف في كثير من الأحيان، وكذلك الإجراءات الجراحية للحد من الخصوبة مثل استئصال الأسهر (أنبوب نقل النطاف الناضجة إلى الإحليل)، أو حتى الامتناع عن ممارسة الجنس.
وهناك ما يُسمى بتنظيم الأسرة الطبيعية، هذا النوع لا يتطلب أي حبوب أو هرمونات أو أجهزة، وبدلاً من ذلك تقوم النساء برصد دورة الطمث والامتناع عن ممارسة الجنس خلال أوقات الشهر التي يُحتمل أن يحدث فيها الحمل.
لتنظيم الأسرة فوائد على مختلف الاتجاهات
طبقاً لمكتب خدمات الصحة وتنظيم الأسرة في ولاية كاليفورنيا فإن تنظيم الأسرة يقلل من عدد حالات الحمل والإجهاض بين النساء، ويتيح للمرأة فرصة الاختيار عندما يكون الوقت مناسباً لإنجاب طفل، كما يتيح تنظيم الأسرة للمرأة أيضاً خيار الانتظار حتى تكون قادرة مالياً على رعاية الطفل، كذلك يتيح لها الوقت لمتابعة أهداف التعليم والتوظيف دون القلق بشأن العبء المالي لحملٍ غير مخطط له.
بشكلٍ عام يضمن تنظيم الأسرة التعرف على وسائل منع الحمل للنساء والأزواج وضمان الإنجاب في الوقت المناسب، فهذا أمر ضروري لضمان رفاه المرأة واستقلاليتها مع دعم صحة المجتمعات وتنميتها، ويتحقق معه وتقليل حدوث المخاطر الصحية المتعلقة بالحمل لدى النساء، وتنخفض بذلك الحاجة إلى الإجهاض لاسيما الإجهاض غير المأمون، يسمح ذلك أيضاً بتحديد عدد الأطفال والمباعدة بين الولادات.
كما أن قدرة المرأة على اختيار قرار الإنجاب والتوقيت المناسب لذلك له تأثير مباشر على صحتها وسعادتها، ويسمح تنظيم الأسرة بالتباعد بين حالات الحمل ويقلل نسبة المشاكل الصحية وحالات الوفاة التي تحدث عن الفتيات نتيحة الإنجاب المبكر، أو عند النسار كبيرات السن، اللواتي يواجهن مخاطر متزايدة تتعلق بالحمل كما يتيح تنظيم الأسرة للنساء الراغبات في الحد من حجم أُسرهن القيام بذلك، وتشير الدلائل إلى أن النساء اللواتي لديهن أكثر من 4 أطفال يتعرضن لخطر متزايد لوفيات الأمهات، كما أن هناك العديد من الأسباب الأخرى:
الحد من وفيات الأمهات والرُّضَّع
يمكن لتنظيم الأسرة أن يمنع حالات الحمل والولادة المتقاربة والمتأخرة، مما يسهم في انخفاض معدلات وفيات الأمهات والرُّضَّع في العالم، كما أن الرُّضَّع من الأمهات اللاتي يَمُتْنَ نتيجة الولادة يتعرضون أيضاً لخطر أكبر للوفاة وسوء الحالة الصحية.
المساعدة على الوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية
يقلل تنظيم الأسرة من خطر الحمل غير المرغوب فيه بين النساء المصابات بفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، مما يؤدي إلى عدد أقل من الأطفال المصابين واليتامى، وبالإضافة إلى ذلك توفر الواقيات الذكرية والأنثوية حماية مزدوجة من حالات الحمل غير المرغوب فيه ومن الأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي بما في ذلك فيروس نقص المناعة البشرية.
زيادة الوعي الذاتي وتطوير التعليم والعمل
يتيح تنظيم الأسرة للناس اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن صحتهم الجنسية والإنجابية، ويمثل تنظيم الأسرة فرصة للمرأة لمتابعة التعليم الإضافي والمشاركة في الحياة العامة بما في ذلك العمل بأجر في المنظمات والشركات، كما أن عدد الأطفال المحدود في كل أسرة يسمح للآباء بالاهتمام أكثر بكل طفل، فالأطفال الذين لديهم أشقاء أقل يميلون إلى البقاء في المدرسة لفترة أطول من تلك التي لديها العديد من الأشقاء.
الحد من حمل المراهقات
المراهقات الحوامل أكثر عرضة للإصابة بالولادة المبكرة أو إنجاب الأطفال بوزن منخفض، كما أن الأطفال المولودين للمراهقات يزداد لديهم معدل الوفيات في عمر مبكر، ويتعين على العديد من الفتيات المراهقات اللواتي يحملن مبكراً مغادرة المدرسة، هذا ينطوي على آثار طويلة الأجل بالنسبة لهم كأفراد وعلى أسرهم ومجتمعاتهم المحلية.
تباطؤ النمو السكاني
يعتبر تنظيم الأسرة عاملاً أساسياً في إبطاء النمو السكاني غير المستدام وما يترتب على ذلك من آثار سلبية على الاقتصاد والبيئة والجهود الإنمائية الوطنية والإقليمية.
فوائد صحية أخرى لتنظيم الأسرة
ووفقاً لتقرير صدر في نوفمبر 2003 من المجلة الدولية للسرطان فأن استخدام وسائل منع الحمل عن طريق الفم لمدة خمس سنوات أو أكثر يقلل من فرص المرأة في الإصابة بسرطان المبيض في المستقبل، وحبوب منع الحمل أيضاً تقلل من خطر كيسات المبيض، وبعض العلامات التجارية من وسائل منع الحمل عن طريق الفم قد تساعد أيضاً في التخلص من حب الشباب، تنظيم أو تقليل تدفق الطمث، الحد من تقلصات الدورة الشهرية، وغيرها من أعراض ما قبل الحيض.
ولعل الأهم من ذلك أن تنظيم الأسرة يمكن أن يساعد في إنقاذ حياة النساء والأطفال لاسيما في بلدان العالم الثالث، حيث أن برامج تنظيم الأسرة لها تأثير هائل في الحد من وفيات الأمهات، ووفقاً لصندوق الأمم المتحدة للسكان تموت امرأة كل ثماني دقائق أثناء الإجهاض غير المأمون، ويمكن منع ما يقرب من 2.7 مليون حالة وفاة حديثي الولادة كل عام عن طريق تحديد النسل.
يوفر تنظيم الأسرة العديد من الفوائد للأم والأطفال والأب وللأسرة في نهاية الأمر.
- بالنسبة للأم يمكنها من استعادة صحتها بعد الولادة ويعطيها ما يكفي من الوقت لتقديم الاهتمام والحب لزوجها وأطفالها، وعندما تعاني من مرض ما فتنظيم الأسرة أو تحديد النسل يعطيها ما يكفي من الوقت للعلاج والانتعاش.
- أما فوائدها على الأطفال فتتحدد في أن الأمهات ذوات الصحة السليمة تلدن أطفالاً أكثر صحة وقوة، وسوف يحصل الأطفال على كل الاهتمام، الأمن، الحب، والرعاية التي يستحقونها.
- أما الأب فيخفُّ العبء والمسؤولية في دعم أسرته، ويمكنه من إعطاء أطفاله احتياجاتهم الأساسية من الغذاء والمأوى والتعليم وتحقيق مستقبل أفضل، ويمنحه الوقت الكافي لعائلته ليبقى أقرب منهم.
سلبيات ومخاطر متعلقة بتنظيم الأسرة
الآثار الجانبية لتحديد النسل قد تبرز باعتبارها عيباً بالنسبة لبعض النساء، في حين أن العديد من النساء اللواتي يستخدمن بانتظام وسائل منع الحمل يعانين من آثار جانبية تشمل زيادة الوزن، الصداع، الدوخة والغثيان، وهناك آثار جانبية أقل شيوعاً لكنها أكثر خطورة تشمل السكتة الدماغية، جلطات الدم، الحمل خارج الرحم.
على الرغم من أن تنظيم الأسرة الطبيعي لا يشكل أي مخاطر صحية فإن هذه الطريقة هي من بين الأقل فعالية في منع الحمل، وفقاً للمركز الوطني للإحصاءات الصحية في أميركا من بين 100 امرأة يستخدمن تنظيم الأسرة الطبيعي ستصبح حوالي 25 امرأة حاملاً.
من الذي يساعد على تنظيم الأسرة وتوفير وسائل منع الحمل؟
من المهم أن يكون تنظيم الأسرة متاحاً على نطاق واسع ويمكن الوصول إليه أو التعرف على طرقه الصحيحة بسهولة من خلال القابلات وغيرهن من العاملين الصحيين المدربين وأي شخص ناشط في هذا المجال، ويجري تدريب القابلات على توفير وسائل منع الحمل المتاحة محلياً والمقبولة ثقافياً، كما يقدم العاملون الصحيون المدربون في مجال الصحة الاجتماعية المشورة وبعض وسائل تنظيم الأسرة مثل الحبوب والواقيات الذكرية وغيرها.
معدل استخدام وسائل منع الحمل يزداد ويتناقص تبعاً للمجتمع
ازداد استخدام وسائل منع الحمل في مناطق كثيرة من العالم لاسيما في آسيا وأمريكا اللاتينية، لكنه لا يزال منخفضاً في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وعلى الصعيد العالمي ارتفع استخدام وسائل منع الحمل الحديثة ارتفاعاً طفيفاً من 54% عام 1990 إلى 57.4% عام 2015، وعلى الصعيد الإقليمي ارتفعت نسبة النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و 49 سنة اللواتي أبلغن عن استخدام وسائل حديثة لمنع الحمل من 23.6% إلى 28.5%، وفي آسيا ارتفعت قليلاً من 60.9% إلى 61.8%، وفي أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي ظلت مستقرة عند 66.7%.
ويشكل استخدام وسائل منع الحمل من قبل الرجال مجموعة فرعية صغيرة نسبياً من معدلات الانتشار المذكورة أعلاه، حيث تقتصر وسائل منع الحمل الحديثة للرجال على الواقيات الذكورية.
الحاجة العالمية غير الملباة لوسائل منع الحمل
ومن أسباب ذلك الخيارات المحدودة من أساليب منع الحمل بسبب الجهل بالموضوع أو عدم توفر الوسائل وقلة فرص الحصول على وسائل منع الحمل لاسيما بين الشباب أو شرائح السكان الأفقر، والخوف من الآثار الجانبية أو المعارضة الثقافية أو الدينية أو سوء نوعية الخدمات المتاحة.
ولا تزال الحاجة غير الملباة لمنع الحمل مرتفعة جداً، ويعزى هذا التفاوت إلى ازدياد عدد السكان ونقص خدمات تنظيم الأسرة، ففي أفريقيا تعاني 24.2% من النساء في سن الإنجاب من حاجة غير ملباة إلى وسائل منع الحمل الحديثة، وفي آسيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي - المناطق ذات الانتشار المرتفع نسبياً لوسائل منع الحمل - تبلغ مستويات الاحتياجات غير الملباة 10.2% و 10.7%.
التغلب على الحواجز التي تحول دون تنظيم الأسرة
وتشمل الأسباب الشائعة لعدم استخدام النساء وسائل منع الحمل مشاكل لوجستية مثل صعوبة السفر إلى المرافق الصحية أو القدرة المالية الضعيفة لزيارة العيادات الصحية، تتضمن الأسباب أيضاً الحواجز الاجتماعية مثل معارضة الشركاء أو الأسر أو المجتمعات المحلية، كما أن نقص المعرفة يلعب دوراً في ذلك حيث لا تفهم الكثير من النساء أنهن قادرات على منع الحمل ولا يعرفن وسائل منع الحمل المتاحة، أو أن لديهن تصورات غير صحيحة عن المخاطر الصحية للطرق الحديثة.
وهناك عدد من التحديات التي تحول دون الحصول على المعلومات والخدمات المتعلقة بتنظيم الأسرة، لذلك يجب أن تكون الجهود رامية إلى زيادة فرص إيصال وسائل تنظيم الأسرة لمختلف المناطق، وأن تنظر في أوجه التفاوت الاقتصادي والجغرافي والعمري داخل البلدان، وكثيراً ما تقل فرص حصول النساء الفقيرات والنساء في المناطق الريفية على خدمات تنظيم الأسرة.
كما تواجه مجموعات معينة بما في ذلك المراهقين، غير المتزوجين، الفقراء في المناطق الحضرية، سكان الريف، الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية؛ مجموعة متنوعة من الحواجز التي تحول دون تنظيم الأسرة، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع معدلات الحمل غير المقصود، زيادة خطر الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية وغيره من الأمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي، اختيار محدود من وسائل منع الحمل، مستويات أعلى من الاحتياجات غير الملباة لتنظيم الأسرة، لذلك يجب إيلاء اهتمام خاص لتعزيز حقوقهن الإنجابية والحصول على خدمات تنظيم الأسرة وغير ذلك من خدمات الصحة الجنسية والإنجابية.
مع العلم أن هناك الكثير من المنظمات تدعم العديد من جوانب تنظيم الأسرة الطوعي بما في ذلك شراء وسائل منع الحمل وتدريب المهنيين الصحيين على تقديم المشورة بدقة وحساسية للأفراد بشأن خيارات تنظيم الأسرة، وتعزيز التثقيف الجنسي الشامل في المدارس لكن دون التشجيع أبداً على الإجهاض.
في النهاية.. تنظيم الأسرة أحد الحلول التي تتبعها الكثير من الدول للحصول على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، والكثير من الدول حققت نجاحاً في تنظيم المعيشة وتعزيز الأمن الاقتصادي لها باعتماد هذا الحل.