تأثير الطلاق على الأطفال ومخاطر الانفصال على حياة الطفل
لا شك في أن الأطفال يتأثرون بشكل كبير عند حدوث خلافات عائلية بين الأبوين، مما يؤثر على نفسية الطفل وينعكس سلباً على علاقته بالمحيط وعلاقته بنفسه، فكيف إن انتهى الخلاف بالطلاق؟ فلا شك أن نفسية الطفل ستتدمر ببطء ليصل الطفل في النهاية إلى أسوأ الحالات النفسية.
الشعور بالخسارة.. أول ما يعانيه الطفل بعد الانفصال
تؤكد "الكلية الملكية للأطباء النفسيين" في نتائج للعديد من أبحاثها أن انفصال الآباء بعد انتهاء الحب بينهما أو بالأحرى عندما تصل علاقتهما إلى حد لا يسمح لهما بالعودة يجعل الطفل يشعر بأن حياته انقلبت رأساً على عقب، ويزداد شعور الطفل بالضيق بشكل يختلف حسب طريقة انفصال والديه وعمر الطفل ومدى قدرته على فهم الموضوع، إضافة إلى الدعم الذي يحصل عليه من والديه ومن الأسرة والأصدقاء.
مشاعر الخسارة وانعدام الأمان في حياة الطفل بعد طلاق والديه
الشعور بالخسارة، هذا ما يعنيه انتهاء العلاقة والانفصال، فالطفل لا يخسر هنا مجرد منزل، بل يخسر انتماءً وأماناً، حيث تختلف طريقة حياته ويعيش حياة غير مألوفة، ويبقى حائراً حول ما حدث، خائفاً من أن يتخلى أحدُ والديه عنه، وما يزيد من قلقه بشأن الطلاق شعوره بالذنب وكأنه المسؤول عن ذلك.
وغالباً ما تكون هذه المشاعر أسوأ عندما يُفرض على العديد من الأطفال أن ينتقلوا إلى منزل جديد وأحياناً مدرسة جديدة بعد أن يتم الانفصال، ومعظم الأسر في هذه الحالة تتعرض لبعض الضغوط المالية حتى لو لم يكن لديهم مخاوف مالية من قبل، وإن كانت العلاقة الوالدية متوترة جداً أو عنيفة أحياناً، يظل لدى الأطفال مشاعر مختلطة حول أن يحدث الانفصال يوماً ما، والعديد منهم يملك الرغبة في أن يعود الوالدان كما كانا، لكن يمكن القول إنه مهما كان هناك خطأ أو ثغرة في العلاقة وتم الانفصال يبقى لكلا الوالدين دورٌ مهمٌ جداً في حياة طفلهما.
ومن الطبيعي أن يمر الأطفال بالعديد من المشاكل عند الانفصال أكثرها انعدام الشعور بالأمان عند الطفل، فالطفل يشعر بأن هذين الشخصين اللذين كانا أول من تعرف عليهما في حياته المصدر الأساسي للأمان والتخلص من القلق والخوف، الانفصال يُفقد الطفل هذا الإحساس، كما أن انعدام الأمن يمكن أن يزداد في سلوك الأطفال الأصغر سناً، ومنها حدوث التبول اللاإرادي، الكوابيس، المخاوف، العصيان وغيرها، كذلك سوء التصرف وعدم التركيز في الدراسة.
للطلاق أثر خطر على حياة الطفل في المدى القريب والبعيد
يؤثر الطلاق وانفصال الوالدين بشكل كبير على الأطفال، حيث أكَّدت "الكلية الملكية للأطباء النفسيين" أن نسبة 50% من الأطفال يستمرون بتخيل عودة والدَيهم بعد الانفصال بعشر سنوات، فإن آثار الانفصال والطلاق تظهر بوضوح على الأطفال على المديين القصير والطويل.
أثر طلاق الوالدين على الطفل على المدى المنظور
فبالنسبة للأثر القصير الأجل على الطفل، ذلك يترك الأطفال يكافحون عاطفياً، فالغضب والحزن هنا أمر طبيعي بغض النظر عن عمر أطفالك حتى وإن كانوا بالغين، وبالتالي الحزن يمكن أن يؤدي إلى العزلة، الشعور بالوحدة، الصعوبات الاجتماعية، وقد يكون أداء الأطفال أقل من الناحية الأكاديمية نتيجة تفكك آبائهم، ويمكن أيضاً أن يزداد الغضب عند الأطفال كي يتصدوا لمشاعر التخلي عنهم أو الشعور بالذنب أو القلق أو اللوم، كل هذه المشاعر طبيعية ويجب توقعها، ومع ذلك إذا استمر الغضب العميق أو الحزن إلى ما بعد شهرين إلى ثلاثة أشهر يجب على أحد الوالدين طلب المشورة للطفل.
وثمة تحدٍ هام آخر على المدى القصير هو أن الأطفال غالباً ما يعتقدون أنهم مسؤولون عن انفصال والديهم، ويتعرض الأطفال بشكل خاص لهذه الأنواع من الأفكار إذا كانت أعمارهم تتراوح بين ثلاث وثمان سنوات، والأمر متروك للوالدين لإقناعهم أنهم ليسوا مسؤولين عن قرار الانفصال بين والِدَيهم.
الأثر طويل الأجل على الطفل بسبب الطلاق
أما بالنسبة للأثر الطويل الأجل يتحدد في أن قرار الانفصال يترك أثراً دائماً في حياة الأطفال المتضررين منه، ومن المرجح أن يعاني الأطفال الذين يعيشون في منازل مكسورة العلاقة من ارتفاع معدل تعاطي المخدرات، الإجرام، فشل زواجهم في المستقبل، الاكتئاب أيضاً.
لكن ليس الانفصال وحده هو الذي يؤدي إلى مثل هذه النتائج لدى الأطفال، إنما النزاع المستمر يحمل تأثيراً كبيراً كأحد النتائج طويلة الأجل على الأطفال، فالفوضى التي تحدث جراء الخلافات المستمرة بين الطرفين يجب أن يتم وضع حدٍّ لها، فبغض النظر عما سيحدث، إن كان الانفصال أو الطلاق سيكون لهما أثر سلبي على الأطفال، إلا أن الصراع كلما طال زاد أثره على الطفل، وهذا الأمر متروك للزوجين لاتخاذ القرار فيه، إما إنهاء الخلافات أو الانفصال.
عمر الطفل ومدى علاقته بالآثار النفسية الناجمة عن الطلاق
من المؤكد أن أطفالك سيتأثرون من انكسار العلاقة بينكما بغض النظر عن العمر، لكن في معظم الحالات يعاني الأطفال الأصغر سناً اضطرابات نفسية أكثر من الأطفال الأكبر سناً، وفي بعض الحالات تكون هذه الاضطرابات واضحة على المدى القصير مثل السلوك المعارض والحزن والعزلة، وفي حالات أخرى قد لا تظهر التحديات نفسها عند الأطفال الأكبر سناً في سن المراهقة أو في مرحلة البلوغ المبكر، وتشير البحوث بوضوح إلى أنه كلما استطعت أن تجعل علاقتك مع شريكك السابق بحالٍ أفضل كلما كان أفضل لأطفالك.
تختلف نسبة الأثر الناجم عن الطلاق تبعاً لجنس الطفل
بعد الانفصال يبدو عموماً أن الفتيات قادرات على امتصاص الصدمة أكثر من الصبية، ويبدو ذلك لأن لديهنَّ القدرة العاطفية الأكبر على هضم الأمر والتعامل مع الانفصال وإن كان بشكل سطحي، إذ يستمر ذلك لمدة تصل إلى خمس سنوات حيث يواجه الأولاد عادة تحديات أكبر لاسيما في التعلم والمجالات الاجتماعية، بيد أنه مع انقضاء وقت الانفصال بين الوالدين لمدة تتجاوز 10 سنوات ينعكس هذا الاتجاه، حيث تظهر الفتيات أكبر قدر من الضعف النفسي وتصبح الاستجابة المرنة الأولية فقط على المستوى السطحي أي بشكل بسيط، ومع مرور الوقت فإن التوتر المرتبط بتفكك والدَيهِم يلقي بظلاله.
لتكن على علم بأن للطلاق تأثير سلبي على نمو الأطفال إلى جانب الآثار النفسية
الانفصال والطلاق يتركان آثارهما على حياة الأطفال، كآثار البقع غير المرغوب فيها على الثياب والتي لا يمكن التخلص منها، يحتاج الأطفال إلى آبائهم للمشاركة في حياتهم، وتظهر دراسات لا حصر لها فوائد كبيرة للأطفال اجتماعياً، إدراكياً، أكاديمياً، نفسياً، عاطفياً، وجسدياً عندما يبقى الوالدان معاً في حياة الطفل.
جميع الأطفال يخسرون عندما ينفصل الآباء، فهم يفقدون إمكانية الوصول إلى والديهم عندما يحتاجون إليهم، وتؤثر هذه الخسارة تأثيراً عميقاً على تطورهم، فعندما يشعر الطفل بالأمان الكافي الناجم عن وجود والديه في حياته يكون أكثر قدرة على الاستكشاف والتطوير والتعلم والنمو، إذ أن الانفصال يخلق عند الأطفال انعدام الأمن الذي يهدد تنميتهم واستكشافهم العالم، وبدلاً من ذلك يستنزفون طاقاتهم في البحث عن الطمأنينة بدلاً من التعلم والتجريب والنمو.
يمكنك أن تكون شريكاً سابقاً، لكن لا يمكن أبداً أن تكون والداً سابقاً، لديك الحق في إنهاء العلاقات لكن أطفالك ليس لديهم خيار، فقراراتك لها عواقب تتجاوز مجرد أنت، وما هو في مصلحتك الفضلى ليس بالضرورة في مصلحة أطفالك، الأطفال مسؤولية طويلة الأمد يجب على الآباء تقديم أفضل رعاية وأفضل فرصة لهم لتطويرهم وبنائهم جسدياً وعاطفياً ونفسياً.
هناك العديد من الاستراتيجيات يمكن اتباعها لتقليل أثر الطلاق على الطفل
يذكر الدكتور فاسو بالاغورو طرقاً مختلفةً لمواجهة تأثير الانفصال على الطفل بحيث يمكن للآباء والأمهات المنفصلين أن يعالجوا هذا الأمر عبر العديد من الخطوات، إذ يجب أن يساعد الوالدان الطفل ليدرك أن رغم ما حدث لايزال لديه والِدَين يقدمان الرعاية والحماية له من أي خطر من الأشخاص الأكبر سناً، وأن يوضحوا للطفل أن لا علاقة له بما حدث وليس هو السبب.
كن واضحاً وصريحاً مع أطفالك بعد الطلاق
لا مانع أن تفتح الأحاديث مع طفلك، فهو هنا بحاجة أكبر لأن يشعر بأنه لايزال محور اهتمام كلا الوالِدَين ولايزال هناك من يسمعه ويسمع أحاديثه، اطرح عليه الأسئلة حول ما يحب وما يرغب وما يجري معه من أحداث في مدرسته أو في حياته اليومية، طمئن طفلك بأنك ستبقى أنت وشريكك السابق تقدمان الحب والرعاية له، فما حدث لا علاقة له بدرجة الاهتمام والحب وإن كانت ستتغير بحكم بعد الطرفين وتأثير الانفصال السلبي.
استمرار العناية بالطفل كما كانت قبل وقوع الطلاق
من الضروري إلى جانب ما ذكرنا أن تستمر بالإنفاق على طفلك، وأن تكون صادقاً في مواعيد اللقاء المخصصة لكما بعد الاتفاق مع الطرف الآخر، وضِّح لطفلك أنك تستمع لآرائه إلا أنك لا تزال مسؤولاً عن قراراته، كذلك استمر بعمل الأنشطة المعتادة والروتين كزيارة الأقرباء والأصدقاء، لكن مع ذلك أدخل بعض التغييرات على حياة طفلك - ومن المؤكد تغييرات إيجابية - تبعده قليلاً عن التغير الحاصل في حياته بعد الطلاق، فهذا سوف يساعد طفلك بأن يشعر أنه على الرغم من الصعوبات إلا أن أحباءه لايزالون يهتمون به وأن الحياة يمكن أن تبقى طبيعية إلى حد معقول.
ابتعد عن الأمور التي تزيد خطورة الطلاق على طفلك
هناك عدة أشياء تهدد علاقتك بطفلك وتؤذيه بالمقابل عليك الابتعاد عنها، كأن تسأل طفلك: "مع من تريد أن تعيش حبيبي؟" فهنا تخبره بصريح العبارة أن هناك فرقاً كبيراً بينك وبين شريكك، وكأنك تقنعه أنك ستمنحه حباً أكبر من الآخر، كذلك لا تسأل طفلك عما يفعله الشريك السابق وكيف يقضي وقته بعد الانفصال، ولا تستخدم طفلك كسلاح للعودة إلى الشريك السابق، ولا تنتقده أيضاً أمام طفلك لتكسبه من طرفك.
وإذا كنت تجد صعوبة في مساعدة طفلك على التكيف على الوضع الجديد بإمكانك طلب المساعدة الخارجية، حتماً سيكون طبيبك قادراً على تقديم الدعم والمشورة، كما قد تحتاج بعض الأسر إلى مساعدة متخصصة من خدمات الصحة العقلية للأطفال والمراهقين، ومع ذلك إذا تم إدارتها بشكل حساس، يمكن لمعظم الأطفال التكيف بشكل جيد مع ظروفهم الجديدة، وبالتالي لن يكون لديهم صعوبات على المدى الطويل.
أثر الطلاق على الأطفال وطريقة تفكيرهم وحياتهم
بِريَا البالغة من العمر 10سنوات تتحدث عن ما شعرت به أثناء طلاق والديها، حيث تقول: "لا أذكر عندما كان والديَّ يحبان بعضهما، لكن تقول أختي أن هذا كان منذ زمن طويل عندما كانت صغيرة وقبل أن أولد، أبي الآن لم يعد معنا، فهو يعيش مع جدتي إلى أن يجد منزلاً جديداً خاصاً به، كما أننا لا نستطيع أن نعيش مع جدتي فهي دائماً ما تنتقد أمي وتتحدث عنها بأسوأ الصفات".
وتكمل: "أبي دائماً ما كان يحتضننا قبل النوم، عندما كانت أمي نادراً ما تفعل ذلك وتعطينا فرصة للحديث معها كما والدي، لا أعلم الآن لماذا لم يعودا يحبان بعضهما كما في السابق، أشعر بأنني السبب في ذلك، فبعد أن وُلِدْتُ انتهت علاقة الحب بينهما، وإن سألت والديَّ عن ذلك لن يعترفا، لكني لن أصدقهما".
"عائلتي تحتاج إلى المشورة، ليس لإصلاح العلاقة، فلا أعتقد بأن ذلك سيحصل مجدداً، لكني أحتاج إلى أن أتحدث معهما لأعرف إلى أين نحن ذاهبون، أمي تقول بأننا سننتقل إلى منزل جديد ومدرسة جديدة، وأن أبي لن يعيش معنا مجدداً، حياتنا كلها مختلفة الآن، ولا أعتقد أن لديهما أي فكرة عما نعانيه من صعوبة في حياتنا على التأقلم مع ذلك وعن الأثر السلبي العميق الذي سيؤثر على مجرى حياتنا بالكامل".
في النهاية.. إذا كنت نادماً على قرار الزواج وترغب في تحرير نفسك من الشعور بالذنب فبإمكانك أن تنهي القضية بالطلاق وتخلص نفسك مما تعانيه، لكن تذكر تماماً أن قرار الإنجاب ليس محطَّاً للندم أبداً ولا يمكن إنهاؤه، فاعدل في حياتك بين نفسك وأطفالك، وإذا وجدت أن الحل الوحيد لكي تعيش حياةً أفضل هو الطلاق، لا تنسَ أطفالك، وتذكَّر بأنك ستجعلهم يعانون إن لم تتصرف معهم بالطريق الصواب، ويمكنك دوماً أن تتحاور مع شريكك السابق أو أن تستشير اختصاصين بهذا المجال.