ما هو الاستنساخ Cloning وما هي تقنيات الاستنساخ؟
يُعدُّ موضوع الاستنساخ من المواضيع الشائكة والغامضة عند الكثيرين وقد تتضارب الآراء والأفكار والمعلومات حوله، ولعل العديد منا قد يملك فكرة سلبية عنه لنقص المعرفة به أو لكونها من مصادر غير موثوقة، فعند ذكر كلمة الاستنساخ يتبادر لأذهان معظم الأشخاص تساؤل أساسي وهو هل يتم من خلال الاستنساخ صنع نسخ مطابقة من البشر واستخدامها بطرق مختلفة؟ لكن في الحقيقة إن موضوع الاستنساخ أكثر تعقيداً واتساعاً من هكذا فكرة وله العديد من التطبيقات والفوائد التي من الممكن الاستفادة منها، وموضوع صنع نسخة من البشر قد يكون آخر ما يتم الاهتمام به ضمن استخدامات الاستنساخ، وسنوضح في هذا المقال ما هو الاستنساخ؟ وما الطرق التي يجرى بها؟ وما استخداماته؟
يعتقد الكثيرون بأن الاستنساخ موضوع جديد ودخيل في حياتنا وهو من صناعة البشر كلياً، لكنَّ هذا الأمر ليس صحيحاً أو دقيقاً، فالاستنساخ أمر موجود وبشكل طبيعي في الكائنات الحية، ولعل أهم هذه الأمثلة الجراثيم أو البكتيريا حيث تكون هذه الكائنات ذات الخلية الواحدة قادرة على الانقسام وصنع نسخة منها (استنساخ نفسها) بعملية تدعى بالتكاثر اللاجنسي، ومن الأمثلة الشائعة أيضاً والتي قد لا يتوقعها البعض عن وجود الاستنساخ في الطبيعة هو موضوع التوائم البشرية الحقيقية (Identical Twins)، حيث نعلم أن الجنين البشري يبدأ تكوُّنه من خلية واحدة التي هي البيضة الملقحة التي تنقسم خلاياها وتتكاثر لتعطي الجنين في النهاية، لكن في حالة التوائم الحقيقة هذه الخلية الواحدة التي هي البيضة الملقحة تنقسم لخليتين متشابهتين تماماً أو بمعنى آخر مستنسختين عن بعضهما، وكل خلية منهما تشكل نواة لتكاثر وتطور جنين، هذان التوأمان الناتجان عن هذا الانقسام يكونان نسخة عن بعضهما في كل شيء كالشكل والجنس وحتى المادة الوراثية DNA.
فإذاً الاستنساخ ليس بالأمر الجديد أو من صنع البشر، لكن الجديد الذي حدث مع التقدم العلمي والطبي إجراء تجارب الاستنساخ في المخابر تحت إشراف وتدخل بشري بهدف الاستفادة وإيجاد حلول للعديد من المشكلات أو الأمراض التي تكون مستعصية على الحل بالطرق العلاجية التقليدية، وقبل البدء في الحديث عن الاستنساخ وتفاصيله وفي إطار توضيحه وفهمه لابد من المرور والتكلم باختصار عن الخلية ومادتها الوراثية.
ما هو الاستنساخ؟
يعرَّف الاستنساخ (Cloning) كمصطلح بأنه؛ مجموعة من العمليات التي يتم من خلالها الحصول على نسخة مطابقة تماماً من مكونات حيوية، والمقصود بالمكونات الحيوية التي تدخل في بنية الجسم والكائن الحي كالجينات والصبغيات والخلايا وحتى الأعضاء، أي بمعنى آخر يشمل الاستنساخ الحصول على نسخة من أي مكوِّن من مكونات الكائن الحي من أصغر مكوِّن - الذي هو الحصول على نسخة من الجينات فقط - ويتدرج الموضوع للحصول على نسخة من الخلايا أو نسخة من نسيج كامل وحتى الحصول على كائن حي متكامل مشابه للأصل تماماً ويحمل كافة صفاته الوراثية.
الخلية والمادة الوراثية المحور الأساسي للاستنساخ
تشكِّل الخلية الوحدة الأساسية أو حلقة البداية لتكوين الكائنات الحية، فالكائن الحي عبارة عن مجموعة كبيرة من الخلايا التي تكوِّن أعضاء وهذه الأعضاء تقوم بوظائف الكائن الحي، وكما ذكرنا قبل قليل كمثال الجنين البشري الذي يبدأ من اجتماع نطفة الأب مع بويضة الأم وتتكون نتيجة هذا الاجتماع خلية واحدة (بيضة ملقحة)، هذه الخلية تبدأ بالنمو والانقسام لعدد كبير من الخلايا ومن ثم تقوم كل مجموعة من هذه الخلايا بتشكيل العضو المسؤولة عنه والمتخصصة بتشكيله، وهنا يكون السؤال كيف يمكن لخلية أن تعرف إلى ماذا ستتحول؟ بمعنى آخر نحن لدينا مجموعة من الخلايا متشابهة في بداية تشكل الجنين بكل شيء كيف تتحول هذه الخلية إلى خلية مكونة للجلد مثلاً أو خلية مكونة للكبد أو للعين؟ كيف تتخصَّص هذه الخلية بتشكيل عضو معين؟ ومن المسؤول عن هذا التخصص للخلية؟ هنا يكون الجواب بأن المسؤول عن هذا الأمر المادة الوراثية للخلية والكائن الحي.
آلية عمل المادة الوراثية
تتوضع المادة الوراثية التي تعرف بال DNA عند البشر في نواة الخلية (Nucleus)، هذه المادة الوراثية عبارة عن بنى بشكل خيوط تدعى الصبغيات (Chromosome)، تحمل هذه الصبغيات المكوِّن الأصغر والأهم الذي هو الجينات (Gene)، هذه المادة الوراثية عموماً والجينات على وجه الخصوص تُعدُّ المنظم والعقل الموجه للخلية في وظائفها وتخصُّصها وعملها، توجد هذه الجينات وهذه المادة الوراثية في كل خلية من خلايا الجسم البشري دون استثناء وتكون مميزة لكل شخص بحيث يمكن التعرف على هويته من أي خلية من خلايا جسمه لأنها كلها تملك نفس المادة الوراثية، لكن على الرغم من وجود الجينات في كل الخلايا إلا أنها لا تعمل كلها مع بعضها بل على العكس، كل جين من الجينات له وظيفة محددة و يعمل في مكان محدد ويسبب تأثيرات محددة، فعلى سبيل المثال كما قلنا عند تكوين أعضاء الجنين كالجلد فرضاً تعمل في الخلايا الجينات التي تجعل الخلية تتحول لخلية جلد وفي حال تكوين خلية عضلية فرضاً تعمل الجينات التي تجعل الخلية تتحول وتتخصص كخلية عضلية وهكذا، حيث يملك البشر تقريباً بحدود (20000-25000) جين في المادة الوراثية وكل جين له وظيفة وتخصص يعبِّر عنه ويقوم به في المكان المخصص له.
تشكِّل هذه المادة الوراثية وهذه الصبغيات والجينات المحور الأساسي لعملية الاستنساخ كما سنرى بعد قليل، حيث يتم الحصول على هذه المادة الوراثية الخاصة والمميزة لكل شخص أو كائن حي آخر كالحيوانات، وبعد ذلك يتم القيام بعدة إجراءات للحصول على نسخة مطابقة تماماً لخلايا هذا الكائن والشخص.
هناك ثلاثة أنواع للاستنساخ بآليات مختلفة
يعتمد الاستنساخ من حيث المبدأ كما ذكرنا قبل قليل على الحصول على المادة الوراثية الخاصة بالكائن المراد استنساخه مع ما تحمله من مورثات وجينات، ومن ثم يتم التعامل مع هذه المادة الوراثية بطرق مختلفة وبإشراف مختصِّين والهدف النهائي يكون الحصول على نسخة من هذه المادة الوراثية الخاصة بالكائن الحي، وذكرنا أن الهدف من الحصول على هذه النسخة من المادة الوراثية له أهدافه واستخداماته المتنوعة من دراسة جينات فقط أو حتى الحصول على كائن كامل مشابه للأصل الذي أُخذت منه المادة الوراثية، وتختلف آليات الاستنساخ والحصول على المادة الوراثية بحسب الهدف الذي ستستخدم من أجله هذه المادة، وأهم أنواع وآليات الاستنساخ هي ما يلي:
الاستنساخ الجيني (Gene cloning): الهدف هنا الحصول على نسخة فقط من الجينات الموجودة في المادة الوراثية، هذه الجينات تكون كما قلنا محمولة على الصبغيات وكل جين له موقع ووظيفة محددة، فيكون الاستنساخ موجهاً للحصول على نسخة من الصبغيات والجينات ككل أو الحصول على جين محدد لدراسته وفهمه، فعلى سبيل المثال في حال وجود جين يُشكُّ به بأنه مسبب لاضطراب ما يتم من خلال استنساخ هذا الجين دراسته والتعرف عليه وهل هو فعلاً مسبب للاضطراب أم لا.
آلية الاستنساخ الجيني
يتم الحصول على الجين أو مجموعة الجينات المراد دراستها ومراقبتها بطريقة فريدة وقد تكون مستغربة، حيث يتم استخدام الجراثيم والفيروسات في هذه العملية، فالجراثيم والفيروسات خلال عملية تكاثرها وغزوها للخلية قادرة على الدخول لداخل الخلية والوصول لنواتها وبالتالي الوصول للمادة الوراثية للخلية، يتم حقن الفيروس أو الجرثوم في الخلية، ومن ثم يصل للمادة الوراثية ويقوم بتفكيكها فيحصل بذلك الجرثوم أو الفيروس على قطع متفرقة من الصبغيات والجينات الخاصة بالخلية المراد الحصول واستنساخ مورثات محددة منها، وبعدها يتم إخراج هذا الفيروس أو الجرثوم مع قطع المادة الوراثية التي يحملها والتي نريد استنساخها، من ثم يوضع الفيروس أو الجرثوم في المخبر بظروف خاصة لكي يتكاثر ويعطي نسخاً من هذه الجينات والمورثات التي حصل عليها بغزوه للخلية.
إذاً باختصار يغزو الجرثوم الخلية ويحصل على الجينات التي نريدها، ومن خلال تكاثر الجرثوم نحصل على نسخ منها.
الاستنساخ التكاثري أو الإنتاجي (Reproductive Cloning): يُعدُّ هذا النمط الأكثر شهرةً أو تداولاً بين الأشخاص، والمقصود به إنتاج واستنساخ كائن كامل ومشابه للكائن الأساسي ويحمل نفس صفاته، ومن أشهر الأمثلة على هذا النمط من الاستنساخ هو استنساخ النعجة دولي عام1996، دولِّي كانت عبارة عن نسخة من أمها وتحمل صفاتها وتشبهها، لكن دولِّي لم تكن الأولى فقد كانت هناك محاولات استنساخ للعديد من الكائنات قبلها كالضفادع وغيرها ولكن النعجة دولِّي هي التي انشهرت على مستوى العالم.
وخلافاً للاستنساخ الجيني الذي يهدف للحصول على نسخ من بعض الجينات للخلية، يكون هدف الاستنساخ التكاثري الحصول على كامل المادة الوراثية للخلية؛ وذلك لصنع نسخة كاملة ومشابهة وتحمل نفس الصفات.
آلية الاستنساخ التكاثري
نعلم أنه في عملية التكاثر عندنا نحن البشر يتم اجتماع نطفة الأب مع بويضة الأم لتكوين بيضة ملقحة هذه البيضة تكون مادتها الوراثية مكونة من اجتماع نصف المادة الوراثية للأب مع نصف المادة الوراثية للأم لتكوين جنين بشري بعدد مورثات وجينات متكامل، وبعد هذا التلقيح للبويضة تتكاثر وتنقسم إلى خلايا في رحم الأم وتعطي الجنين الذي تحمل كل خلية من خلاياه نفس العدد من الصبغيات والجينات والتي هي 46 صبغياً.
الذي يحدث في عملية الاستنساخ التكاثري هو إلغاء عملية تلقيح البويضة التي تحمل نصف المادة الوراثية من قبل النطفة، واستبدال هذه العملية وإجراؤها في المخبر كالتالي:
أولاً: يتم الحصول على بويضة غير ملقحة من الأم، هذه البيضة كما قلنا تحمل نصف عدد المورثات في النواة، وبعد الحصول عليها تتم إزالة النواة والمادة الوراثية تماماً منها.
ثانياً: نأخذ خلية من جسم الكائن الذي نريد أن نستنسخه كخلية جلد مثلاً، هذه الخلية تكون المادة الوراثية في نواتها كاملة وبعدد صبغيات صحيح ومتكامل، بعدها يتم الحصول على هذه النواة الخاصة بالخلية مع المادة الوراثية كاملة العدد.
ثالثاً: يتم نقل نواة الخلية التي أخذناها من الكائن الذي نريد استنساخه ووضعها في البويضة غير الملقحة التي نزعنا نواتها، إذاً نستبدل نواة البويضة التي تحمل نصف عدد المورثات بنواة خلية الكائن الذي نريد استنساخه والتي تحمل العدد الكامل من المورثات، بهذا نكون وكأننا أعددنا بيضة ملقحة بعدد كامل من المورثات لكن دون اجتماع النطفة مع البويضة.
رابعاً: بعد الحصول على هذه البيضة الملقحة بشكل صناعي والتي تحمل المادة الوراثية ومورثات الكائن الذي نريد استنساخه يتم تحريض هذه البويضة على الانقسام في وسط مناسب لتعطي مجموعة من الخلايا، من ثم تُزرع في رحم طبيعي أو صناعي وتتكاثر لتكوِّن كائناً مستنسخاً مع مادة وراثية وصفات وصبغيات مشابهة للكائن الأصلي الذي أخذنا نواته ونقلناها للبيضة.
تُعرف عملية الاستنساخ التكاثري باسم نقل نواة الخلية الجسمية (Somatic Cell Nuclear Transfer)، وتعني كما قلنا الحصول على نواة خلية من جسم الكائن الذي نريد استنساخه وزرعها في بيضة غير ملقحة لتتطور هذه البيضة في الرحم وتعطي كائناً مستنسخاً مشابهاً للأصل.
الاستنساخ العلاجي (Therapeutic Cloning): من اسمه يتبيَّن لنا أن غايته علاجية لبعض الأمراض والاضطرابات التي تصيب الإنسان، فعلى سبيل المثال أحد أنواع مرض السكري ينجم عن تدمير الخلايا التي تنتج الأنسولين في البنكرياس، فماذا لو كان بالإمكان الحصول على خلايا جديدة منتجة للأنسولين انطلاقاً من المادة الوراثية لنفس الشخص وزرعها مكان الخلايا التالفة؟ هذا ما يتمحور حوله الاستنساخ العلاجي.
آلية الاستنساخ العلاجي
تكون الخطوات في الاستنساخ العلاجي مشابهة لخطوات الاستنساخ التكاثري ماعدا المرحلة الأخيرة، حيث أنه وبعد الحصول على البيضة الملقحة صناعياً في المخبر لا يتم زرعها في الرحم لتعطي كائناً كاملاً بل تُترك لتتكاثر وتعطي مجموعة من الخلايا، هذه الخلايا جميعها متشابهة بالشكل والمادة الوراثية ولم تتمايز لأي نوع أو لأي عضو؛ وذلك لأن الجينات فيها لم تعبر بعد ولم تقم بإصدار أمر التمايز والتخصص للخلايا في هذه المرحلة، فيكون لدينا مجموعة من الخلايا الخام التي يمكن أن تتحول لأي شكل أو أي عضو وذلك تبعاً للجين الذي يتم تفعيله، تُدعى هذه الخلايا الخام في هذه المرحلة بالخلايا الجذعية (Stem cell).
إذاً يكون الهدف الحصول على هذه الخلايا الجذعية الخام ومن ثم محاولة التحكم في الجينات وتوجيهها لدفع الخلية لتتميز وتتخصص بالعضو الذي نحتاجه، فعلى سبيل المثال يتم أخذ الخلية الجذعية ومن ثم محاولة تفعيل الجينات المسؤولة عن جعلها خلية منتجة للأنسولين، وبعد تفعيل هذه الجينات تتحول الخلية من الحالة الخام إلى حالة خلية منتجة للأنسولين يمكن زراعتها في البنكرياس مكان الخلايا التالفة في حالة مرض السكري.
تحمل الخلايا الجذعية التي نستنسخها المادة الوراثية نفسها للكائن الذي أخذنا منه النواة في البداية والذي نريد علاجه، هذا يجعلها موثوقة لكي تُزرع في جسم هذا الكائن الذي نريد علاجه لأنها تحمل نفس مادته الوراثية وبالتالي لا يرفضها الجهاز المناعي ولا يهاجمها.
تطبيقات وفوائد الاستنساخ
قد يكون الاستنساخ يحمل سمعة سيئة نتيجة ضعف الاطِّلاع حوله أو الفكرة الخاطئة عنه، لكن على النقيض فاستخداماته واسعة وشاملة ومفيدة وهي داخلة في حياتنا أكثر مما نعتقد، فمن الزراعة وتحسين المحاصيل إلى الإنتاج الحيواني والعلاج الطبي كلها أمور تشكِّل ساحة للاستنساخ وتطبيقاته وفوائده، وسنعرض فيما يلي أهم التطبيقات والفوائد للاستنساخ بأنواعه:
- تحسين الإنتاج الحيواني والنباتي: في حال وجود نوع من الحيوانات يتميز بإنتاجية عالية من اللحم أو الحليب مثلاً بشكل أكبر من غيره كنوع من الأبقار على سبيل المثال؛ يمكن للاستنساخ التكاثري كما ذكرنا سابقاً أن يوفِّر أعداداً أكبر من هذا النوع وبالتالي يزيد من الإنتاج ويحسِّنه، هذا الأمر ينطبق أيضاً على النباتات ذات المردود العالي.
- علاج ومتابعة الأمراض الوراثية: هناك مجموعة من الأمراض التي تنتقل عن طريق الجينات بالوراثة من أحد الأبوين لذلك يمكن ومن خلال تقنية الاستنساخ الجيني متابعة هذه الجينات المسببة للمرض ومحاولة استبدالها أو تعديلها لتفادي ظهور المرض.
- تعويض الخلايا التالفة: كما هو الحال في بعض الأمراض كالسكري الناجم عن فقدان الخلايا المنتجة للأنسولين أو الزهايمر الناتج عن فقدان خلايا عصبية في الدماغ أو حتى في حالة فقدان الأعضاء كفقدان يد أو قدم لسبب ما، باستخدام تقنيات الاستنساخ العلاجي يتم الحصول على خلايا جذعية مستنسخة من خلايا المريض المراد علاجه وتحريض جينات هذه الخلايا الجذعية للتمايز لأي نوع من أنواع الخلايا التالفة، ومن ثم زرعها في المريض لتعويض التلف، هذه الخلايا كونها تحمل نفس المعلومات الوراثية ومطابقة للمريض فلن يرفضها الجسم ومناعته ولن يعتبرها خلايا غريبة.
- إنتاج بعض المواد الطبية: يمكن من خلال الاستنساخ الحصول على بعض أنواع الجراثيم التي تحمل مورثات تُنتج مواد معينة كالأنسولين المستخدم في علاج مرضى السكري أو بعض أنواع الفيتامينات.
- حل مشكلة العقم: لاسيما عند الأزواج العقيمين تماماً وليس لديهم فرصة للحصول على ابن، يشكِّل الاستنساخ وأخذ المادة الوراثية من أحد الأبوين ووضعها في بويضة ومن ثم زرعها لتنمو في الرحم حلَّاً لهؤلاء الأشخاص.
- تجريب الأدوية: في حال إنتاج دواء جديد ومحاولة تبيُّن تأثيره وعمله بدقة يمكن للاستنساخ توفير نسخ متطابقة من فئران التجارب وذلك لتطبيق الدواء وتجريبه دون وجود خلل أو تغيُّر في المورثات.
السلبيات والخلافات حول الاستنساخ
على الرغم من التطبيقات الواسعة التي من الممكن أن يقدمها الاستنساخ كما استعرضنا قبل قليل فإنه وبالجهة المقابلة لازال يملك العديد من السلبيات والمخاطر، يمكن رد معظم هذه المخاطر والسلبيات لموضوع غياب الدراسة والفهم الكافي للاستنساخ من قبل العلماء حيث أنه لايزال الموضوع قيد التجربة والفهم لحد الآن، بالإضافة إلى أن التقنيات والأدوات المستخدمة في المخابر لإجراء الاستنساخ بحاجة لتطوير أيضاً، وأخيراً يبقى موضوع المشكلة الأخلاقية التي تحيط بالاستنساخ بحد نفسه كفكرة، وتكون أهم سلبيات ومخاطر الاستنساخ ما يلي:
• معدل فشل عالٍ: عملية نقل المادة الوراثية من الخلية الجسمية ووضعها في البويضة للحصول على بيضة ملقحة في المخبر عملية معقدة وتحمل نسب فشل عالية، فنسبة نجاح نقل المادة الوراثية لا تتجاوز ثلاثة بالمئة، وبالتالي لايزال أمراً صعباً ومكلفاً الوصول لبيضة ملقحة مستنسخة.
• مشاكل صحية: الكائنات المستنسخة تعاني بنسبة أعلى وأكبر من الكائنات الطبيعية من موضوع حدوث التشوهات وحدوث الأمراض والاضطرابات وهذا يجعل استمرارها في الحياة أمراً أصعب.
• حدوث الخلل والاضطراب الجيني: أثناء عملية نقل المادة الوراثية وزرعها في البويضة قد يحدث خلل في النقل، هذا الخلل قد يسبب تخرُّباً في أجزاء من المادة الوراثية أو خلل في بنية الجينات، وبالتالي في حال حدوث الخلل في الجينات يضطرب تعبيرها عن مهمتها ووظيفتها في توجيه الخلية وبالتالي تكون المحصلة اضطراب الخلية وموتها.
• الخلل في عمر الخلايا المستنسخة: المادة الوراثية والجينات من مكونات الخلية وتتأثر بعمرها، ففي حالة أخذنا هذه الجينات من شخص بعمر معين تكون المادة الوراثية موافقة لعمر الشخص، فإذا أخذنا هذه المادة الوراثية من هذا الشخص ونقلناها للبويضة لاستنساخها تصبح لدينا بيضة ملقحة تحوي المادة الوراثية والجينات الخاصة بالشخص نفسه، ويكون عمر هذه المادة والجينات موافقاً لعمر الشخص الأصلي، هذا يجعل الخلايا الجديدة المستنسخة تحمل مادة وراثية ذات عمر كبير، مما يجعل عمر الخلايا أقصر من الخلايا الطبيعية وتموت بشكل أسرع؛ لأن مادتها الوراثية استهلكت جزءاً من عمرها من قبل الشخص الأصلي قبل الاستنساخ.
• المشكلة الأخلاقية: على الرغم من أنه وليومنا هذا لم يتم توثيق أي نجاح لعملية استنساخ بشرية لكائن بشري كامل مشابه لكائن آخر لكن يبقى هذا الموضوع من المواضيع الشائكة والخلافية التي قد تسبب مشاكل في حال نجحت وأصبح بالإمكان استنساخ بشر كانوا أو ما زالوا موجودين على قيد الحياة، نقطة الاعتراض على الاستنساخ البشري تكون من مبدأ احتمالية إساءة استخدام الكائنات المستنسخة وتوظيفها في أغراض ليست جيدة في أذية بقية الأشخاص وتقمُّص هوية الأشخاص الأصليين.
ونهايةً.... لا بد من القول أن الاستنساخ يشكِّل بتطبيقاته ومجالاته مفتاحاً لحل العديد من الأمراض والمشاكل الصحية التي كانت مستعصية لفترة طويلة، لكن في المقابل فهو بحاجة للمزيد من البحث والتطوير للوصول إلى النتائج المرجوة منه بدقة وموثوقية ووضع ضوابط له لحل الخلافات المتعلقة به.