دواء كزوسباتا (Xospata) أحدث علاج للسرطان
أعلنت إدارة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة الأميركية (FDA) -والتي تعتبر مرجعية عالمية هامة في تصريح أمان الأدوية الجديدة- في 28 نوفمبر تشرين الثاني موافقتها على طرح دواء كزوسباتا (Xospata) كعلاج كيميائي لسرطانات الدم التي تحمل نمطاً وراثياً معيناً، وجاء ذلك بعد يومين من الإعلان عن دواء فيتراكفي الذي تحدثنا عنه أيضاً في مقال منفصل.
هذا وقد جاء هذان الإعلانان نتيجة التعجيل بالإجراءات القانونية المتعلقة بسلامة التجارب السريرية وظهور معدل جيد من حالات الشفاء، إذ يعتبر التأكد من آثار الدواء الخطرة خطوة أساسية قبل التصريح بطرح هذا الدواء في السوق.
حبوب كزوسباتا (Xospata) ودورها في علاج الأورام
يعرف هذا الدواء عالمياً باسم (Gilteritinib) أما كزوسباتا فهو الاسم التجاري، وصرحت إدارة الغذاء والدواء أن «هذا الدواء هو علاج للمرضى البالغين الذين يعانون من لوكيميا نقوية حادة (AML) من النمط الناكس أو المستعصي مع وجود الطفرة FLT3»، فما المقصود من هذا التصريح؟
اللوكيميا أو الابيضاض النقوي الحاد (Acute Myeloid Leukemia) هو أحد أنواع سرطان الدم التي يغلب أن تكون عالية الخطورة، كما أنها غير قابلة للاستئصال الجراحي بسبب عدم وجود كتلة ورمية صلبة قابلة للفصل عن الجسم، إضافة إلى ذلك فهي تتطلب نقل الدم بشكل مستمر لأن المريض يعاني من نقص شامل في جميع الأجزاء الأساسية المكونة للدم من كريات حمر وظيفتها نقل الأكسجين إلى الخلايا والأنسجة الحية، وكريات بيض تلعب الدور الأساسي في المناعة، وصفيحات دموية وظيفتها تنشيط تخثر الدم وإيقاف النزوف.
من الجدير بالذكر أن البيان وافق على بروتوكول تشخيصي جديد لتحديد وجوة الطفرة FLT3، وحدد إجراء هذا الاختبار كشرط لكشف قابلية المريض للاستجابة على هذا الدواء بما أنه يمارس تأثيره على تلك الطفرة الوراثية بالتحديد.
يتضمن هذا الاختبار التشخيصي الجديد أخذ عينات من الدم أو عينة من نقي العظم عند عدم القدرة على الوصول إلى نتيجة مؤكدة بدراسة عينة الدم، ويمكن دراسة العينات بعدد من الوسائل المعقدة التي تحدد النمط الوراثي للخلايا المأخوذة من العينة، وتحدد الطفرات التي قد تكون موجودة، أصبح البحث عن الطفرة FLT3 إجراءً روتينياً فور تشخيص سرطان الدم من النمط (AML) لأن وجود هذه الطفرة من عدمه أمر هام في تحديد الخطة العلاجية، بالإضافة إلى تقدير مدة البقيا المتوقعة للمريض.
ذكر الدكتور ريتشارد بازدور (Richard Pazdur) طبيب الأورام ومدير مركز علم الأورام التابع لإدارة الغذاء والدواء في تصريح له: «يملك حوالي 25 إلى 30 في المئة من مرضى الـ (AML) طفرة في المورثة FLT3، ويعتبر وجود هذه الطفرات مرتبطاً بالأشكال العدائية لهذا الورم والتي تحمل خطورة عالية للنكس».
ماذا كشفت التجارب السريرية من إيجابيات وسلبيات لدواء كزوسباتا؟
في إحدى التجارب السريرية لهذا الدواء على مجموعة من مرضى اللوكيميا النقوية الحادة من الشكل الناكس أو المستعصي على العلاجات الأخرى، وجد أن 21 في المئة من المرضى قد وصلوا إلى مرحلة الهجوع الكامل للورم، كما أن ثلث المرضى لم يعودوا يحتاجون إلى نقل كريات الدم الحمراء التي يحتاجها مريض هذا الورم بشكل مستمر، وكانت النتائج الرائعة لهذه التجربة عاملاً مشجعاً في تعجيل الإجراءات القانونية والموافقة على استخدام الدواء في 28 نوفمبر من عام 2018.
تشمل الآثار الجانبية الشائعة لدواء كزوسباتا:
- الألم في العضلات (Myalgia).
- ألم المفاصل (Arthralgia).
- التعب.
- الحمى.
- الإسهال.
- الغثيان.
- الدوار.
- توذم الجلد.
- الطفح الجلدي.
كما قد تحدث آثار جانبية خطيرة في حالات نادرة نسبياً قد تستدعي إيقاف الدواء أو تعديل جرعته ومنها:
- الإصابة الدماغية: تعرف هذه الإصابة طبياً باسم متلازمة الاعتلال الدماغي الخلفي العكوس، وتتصف سريرياً بحدوث الصداع، التخليط الذهني، نوبات شبيهة بالصرع وفقدان الرؤية.
- الإصابة القلبية: وتظهر على شكل اضطراب في انتظام ضربات القلب يظهر على تخطيط القلب الكهربائي (ECG) بصورة مميزة تدعى تطاول المسافة QT وهي حالة قد تكون خطيرة لأنها تجعل المريض عرضة لأزمة قلبية حادة، ولذلك فهي تتطلب المراقبة والعلاج بشكل دقيق.
- اضطراب وظيفة الكبد: يعتبر تخرب عدد من الخلايا الكبدية وتحرر الإنزيمات الموجودة داخلها في الدم أمراً شائعاً ومتوقعاً لدى استعمال هذا الدواء، وهو عادة لا يسبب مشكلة صحية هامة ما عدا نسبة قليلة من المرضى الذين تطورت لديهم إصابة كبدية شديدة بسبب استخدام هذا الدواء.
- تشويه الأجنة: لذلك يجب اتباع وسيلة مضمونة لمنع الحمل لدى تعاطي هذا الدواء، كما يصبح الإجهاض ضرورياً إذا اقتضت الحاجة أن يتم استخدام هذا الدواء لدى سيدة حامل.
- أذية الرضيع: من المعروف أن الإرضاع ممنوع لدى النساء الخاضعات للعلاج الكيميائي، وهذا الدواء يتبع لهذه القاعدة بالطبع.
- التهاب البنكرياس: يظهر هذا الاختلاط نموذجياً على شكل ألم حاد في منطقة أعلى البطن يمنع المريض من النوم ويخف في حالة الانحناء إلى الأمام.
هل علينا أن نتحمس عندما نقرأ عنواناً عن دواء جديد يعالج الحالات المستعصية من السرطان ويتمكن من شفائها؟ من الصعب الإجابة على هذا السؤال بـ نعم أو لا.
من ناحية أولى؛ أصبحنا معتادين اليوم على قراءة عناوين من هذا القبيل كل صباح، وكثيراً ما تكون غير مبنية على أسس منطقية وقائمة على العبارات الفارغة، أو تكون مبالغات من قبل المواقع التي تتسابق في تضخيم أخبار حقيقية في سبيل شد القراء وجذب الانتباه، وهذا ما يؤدي إلى خيبة الأمل لدى المصابين بهذا المرض ممن قد يبحثون عن أي بريق أمل ممكن ليتعلقوا به.
ومن ناحية أخرى فالإنجازات الطبية في السنوات الأخيرة وخاصة في مجال معالجة السرطان لا يستهان بها على الإطلاق، كما أن هذه الأدوية الجديدة التي تم التصريح باستخدامها أعطت نتائج مبهرة وسوف تمنح الكثير من المرضى فرصة أخرى للحياة بعد انقطاع الأمل فهل يمكننا الاستهانة بهذا الإنجاز؟
على أية حال، فالدواء ما يزال جديداً ولا يمكن معرفة آثاره الجانبية على المدى البعيد منذ الآن، ولذلك لن يتم استخدامه من قبل جميع المرضى الذين قد يحتاجونه، إنما سوف ينحصر تطبيقه في المستقبل القريب على حالات الأورام العدائية والمستعصية التي لم تبد استجابة على العلاجات التقليدية.
وفي الختام.. ليس من المنطقي في ظل المعطيات الحالية أن نتوقع نهاية عهد السرطان في المستقبل القريب، ولكن الأمل كبير في توسيع نطاق العلاجات ضده، وهذا ما نراه حالياً في ظل ظهور علاجات جديدة لكبح الأورام التي لطالما اعتبرت ميؤوساً منها وعصية على العلاج.