محاربة القلق والتخلص من التوتر
يعاني الكثيرون من قلق ما حول أمور حياتية ومهنية، فمن منا لم يقلق بسبب اقتراب موعد نهائي لتسليم عمل أو امتحان ما؛ كيف يؤثر القلق على قدرتك المعرفية والإدراكية ويفسح المجال أمام العواطف على إدارة أهم القرارات في حياتك؟ ما هي الطرق التي تساعدك على إيقاف هجمات القلق وهزيمة هذا الاضطراب قبل أن يتحول إلى هلع وريبة؟
كيف تجعل دماغك يتوقف عن القلق؟
وفقاً للمعهد الوطني للصحة العقلية بالولايات المتحدة الأمريكية، فإن نسبة أكثر من 18% من البالغين يعانون من اضطرابات القلق، التي وصفت بالقلق أو التوتر المفرط الذي غالبا ما يؤدي إلى أعراض جسدية أخرى، ويقول أستاذ العلوم العصبية وعلم النفس في جامعة نيويورك جوزيف لادكوس (Joseph LeDoux): "إن الروابط بين الأنظمة العاطفية وتلك المعرفية (التفكير والذاكرة والتخيل وتعلم الكلمات والإدراك)، أقوى من الروابط بين الأنظمة المعرفية والأنظمة العاطفية"، ما يتحدث عنه الدكتور لادكوس هو النظام الحوفي (عبارة عن نظام معقد من الأعصاب والشبكات داخل الدماغ، وهي المعنية بالمزاج، كما يتحكم النظام الحوفي بالعواطف الأساسية كالخوف، السرور، والغضب، كذلك الدوافع الأساسية كالجوع، الجنس، حب السيطرة والهيمنة، ورعاية النسل)؛ هذه البنى العميقة داخل النفس والتي تستحضر الاستجابة العاطفية (هي الجزء الأقدم في الدماغ البشري)، أم الجزء الأحدث فهي قشرة الفص الجبهي الأمامي، والذي يساعدنا على تفسير لماذا..
على الرغم من أننا مخلوقات ذكية فإننا في أحيان كثير نتخذ قرارات غبية؛ ويمكنني توصيف هذه الحال بقدرتنا غير المفسرة على الشعور بالندم إذا لم نقدْم على شيء ما! أن تشتري سلعة ما مثلاً خوفاً أن ينتهي مفعولها وأنت لست بحاجة لها أصلاً!..
فلماذا تسيطر على أدمغتنا هذه الثنائية من الخوف والندم في معظم قراراتنا؛ حتى في رغبتنا بإنجاب أطفال فقط لأن الآخرين يفعلون ذلك وخوفنا أن نندم، ثم نندم لأننا اتخذنا هذه الخطوة في حياتنا... الخ، أحاول فقط سرد بعض الأمثلة على سبيل توضيح الحالة التي يمرّ بها دماغنا في تفسير لماذا؟
وهنا نأتي لموضوع مقالنا الرئيسي القلق:
فالقلق يعطل قدرة الدماغ المعرفية (الفكرية والإدراكية)؛ خلال اللحظات التي يسيطر فيها على تفكيرك، ولن تخطئ عندما تفكر إنه لا بد لك من التفوق على القلق، لأنك في عصر متسارع وتعمل 24 ساعة لمدة 7 أيام في الأسبوع!.. فإن التحفيز سواء كان إيجابياً أو سلبياً يسيطر عليك، ومهما يكن فإن هذا التحفيز ينشط استجابة الدماغ... فالتحفيز (Overwhelm) زائد الإفراط في التحفيز أو الإرباك (Overstimulation)؛ يساوي قرارات سيئة.. تذكر هذا المعادلة جيداً (تحفيز+ إرباك= قرارات سيئة).
السيطرة على النظام الحوفي (المعرفي) في الدماغ
لو افترضنا أنك استطعت رؤية نشاط دماغك؛ عندما ترى سلعة ما تُفرحك (ملابس- أحذية – رجل وسيم- امرأة جميلة)؛ سترى مستوى هائل من الطاقة الكهربائية تنطلق من النظام الحوفي وتضرب الجزء الأحدث من دماغك أي القشرة المخية الأمامية.
النظام العاطفي سيخبر نظام دماغك الحوفي (الإدراكي والمعرفي) ماذا يفعل:
فالخبر السار هو أنه يمكنك التغلب على ميل نظامك الحوفي للسماح للعواطف بالتحكم في حياتك، أما الخبر السيئ هو أن الأمر يتطلب بعض الوقت والجهد.. لكن إذا كنت ترغب في استثمار هذا الوقت والجهد، فستجني بعض الفوائد التي لا تُصدق!
حسناً أخرج ورقة وقلم واكتب ثلاث فوائد إذا لم تكن العواطف تتحكم بحياتك؛ سأفعل ذلك أنا بدوري:
1- أن أكون أقل توتراً.
2- توفير المزيد من المال.
3- أن أكون أكثر إنتاجية.
هل انتهيت من قائمتك؟ احتفظ بها لتكن بمثابة محفز عظيم لك، عندما تصبح الأمور صعبة.
خطوات السيطرة على القلق الشديد
الهدف هو عكس المسار الافتراضي للدماغ من الجهاز الحوفي إلى القشرة المخية، لتعزيز قدرة قشرة دماغك على توجيه النظام الحوفي فيما يجب القيام به، سنناقش خمس خطوات، إذا درستها ومارستها بانتظام، سوف تساعدك على التحكم بالدماغ القلِق، حيث تتطلب هذه الخطوات الخوض في أفكارك، كما أن كتابتها على الورق له فائدتان: أولهما.. مساعدتك على تذكر الخطوات الخمس، والفائدة الثانية توفير سياق لأفكارك العابرة.
ولا بد أن نذكر أن قواعد هذه الخطوات الخمس للتغلب على القلق، مأخوذة عن البرفسورة في علم النفس وعلم الدماغ في جامعة ماساتشوستس أمهرست؛ الدكتورة سوزان كراوس وايتبورن (Susan Krauss Whitbourne)، للسيطرة بنجاح على النظام الحوفي:
1- اختبار معتقداتك غير العقلانية: غالباً ما يكون لديك معتقدات غير منطقية تقودك إلى رؤية تهديد حيث لا يوجد أي تهديد فعلياً، وتتضمن معظم هذه المعتقدات حاجتك إلى الارتقاء إلى مستوى الحياة الذي (يجب) أن تصل إليه معيشياً ومهنياً، لذا ابحث عن توازن أكثر واقعية بين معتقداتك المثالية وشخصيتك الحقيقية.. وستتراجع مخاوفك والقلق كنتيجة.
2- تعلم كيف تناقش طريقتك في التفكير من خلال مشاعرك: يتعلم من يخضع للعلاج السلوكي المعرفي مواجهة أفكاره غير المنطقية ومخاوفه بتقييم أكثر وضوحاً وبشكل مباشر، حيث تتضمن هذه العملية استبدال الطرق السلبية التي تفكر بها؛ بأفكار أكثر حيادية وإيجابية أيضاً.
3- ضع مشاعرك جانباً عندما تتخذ قرارات مهمة: حيث تتأثر القرارات بالحجج العاطفية بسهولة، مثل ما يقوم المحامي خلال المحاكمات.. بعمل ناجح من خلال جذب انتباه القضاة، على أمل أن يجعلوا تعاطفهم مع موكله أكثر ترجيحاً لأحكامهم من المسؤولية القانونية، ولن يكون أي إنسان في حالة قلق بعيداً عن مثل هذه المواقف، لذلك كلما زادت قدرتك على فصل المنطق عن العاطفة، زادت احتمالية قيامك باختيارات وقرارات عادلة ومعقولة.
4- احصل على دعم شخص يمكنه مساعدتك: تتفاعل مشاعرنا بقوة في مواقف معينة يتعرض لها أقرب الأشخاص إلينا، ونحاول قدر استطاعتنا مساعدتهم، إذ لا يمكننا كبح جماح هذه المشاعر، حيث يمكن أن يكون الشخص الآخر المقرب منك بمثابة "القشرة المخية" لديك؛ عندما يتأثر جسمك بقسوة تحت تأثير الضغط، الذي يمكن أن يحكم نظامك المعرفي والإدراكي.
5- بناء الثقة في ضبط نفسك: وفقا لمفهوم الكفاءة والفعالية الذاتية؛ يمكن للناس أن يسيطروا على سلوكياتهم الإشكالية والصعبة والمريبة أيضاً، عندما يدركون قدرتهم على ممارسة هذه السيطرة، فكلما اكتسبت قوة بفعل القرارات الجيدة التي تتخذها (من خلال قدرتك على قهر مخاوفك والانتصار عليها، أو السيطرة على دوافعك واستجابات جسدك)؛ سوف تجد تدريجياً أن تلك السيطرة على الدوافع والمخاوف قلّت أكثر وأكثر، بالتالي مستوى القلق انخفض.
طرق لوقف هجمات القلق
من المقبول أن يكون هناك توتر فيما يتعلق بالمواعيد النهائية في العمل، أو جدول زمني مزدحم أو النشاط اليومي، مع ذلك عندما يبدأ القلق بالتأثير على كامل يومك.. يصبح اضطراباً، لذا يمكنك السيطرة على هجمات القلق ووقف تأثيراتها على جسدك من خلال:
- درب نفسك على الشعور بأن لحظات الهلع والقلق ستمر: عليك تدريب دماغك على فهم أن الوضع مؤقت، وعلى الرغم من شعورك أن قلبك على وشك التوقف عندما تقلق بصورة مضاعفة؛ فيجب أن تذكر نفسك بأنها سوف تمر، حيث تستمر معظم نوبات القلق بين 3-10 دقائق، وسيختفي الشعور بالإجهاد بعدها، في المرة القادمة التي تقلق فيها بشكل مفاجئ، يمكنك تذكير نفسك أن هذه المشاعر حدثت من قبل، لكنك تخلصت منها بسرعة، حيث يمكنك تقليل حدة القلق عن طريق تهدئة نفسك خلال سيطرته عليك.
- تعلم فن التنفس العميق: واحدة من أفضل الطرق للتغلب على القلق، فعندما تكون الأم في المخاض، تساعدها تمارين التنفس في السيطرة على آلام الولادة، يتم استخدام نفس النظرية للمساعدة في أي حالة من الذعر أو القلق الشديد، حيث يساعد الاستنشاق العميق والزفير ببطء على تدفق الأكسجين، فهل تعاني من إحساس الاختناق عند التعرض لهجوم؟ لأن معظم الناس عندما يقلقون لا يحصلون على الأكسجين الذي يحتاجونه في هذه اللحظات، مع ذلك يمكن أن يساعد تمرين التنفس العميق في تقصير مدة سيطرة القلق عليك، كما يمكن أن يساعدك إتقان فن التنفس على التحكم بالقلق غير المرغوب فيه أيضاً.
- أضف التمارين الرياضية إلى يومك: ممارسة التمارين الرياضية لها تأثير أكبر من تأثيرها على تخفيض السعرات الحرارية والوزن، حيث يمكن أن تعالج بقدر الدواء المضاد للاكتئاب، فعندما تحرك جسمك، فإنك تسبب تفاعل كيميائي يطلق الأندورفين (هرمون السعادة) في دماغك، ويساعدك "الشعور بالهرمونات الجيدة" على موازنة النواقل العصبية وتحسين مستوى المزاج والقلق لديك، هناك العديد من القصص على الإنترنت للأشخاص الذين زادوا من تمارينهم وقللوا من حالة الهلع والاكتئاب، وحسنوا من نظرتهم للحياة برمتها.
- تعلم كيف تتصور أمكنة تحبها: من الصعب أن تكون متوتراً عندما تصوّر نفسك مستلقياً على شاطئ تستمتع بأشعة الشمس؛ التصور هو أداة عظيمة ويجدها الكثيرون فعّالة، يجب عليك تحرير عقلك من القلق لتهدئة نفسك، وفي المرة التالية التي تقع فيها ضحية للقلق؛ قم بتمارين التنفس العميق وتخيّل نفسك في مكان تحبه، حيث يأخذ البعض أنفسهم إلى الجبال التي تصل إلى القمة بعد صعود طويل، أو البعض الآخر يريدون الذهاب إلى منزل الجدة واستذكار الأيام القديمة، فابحث عن "مكان ما" يجلب لك السلام ويجعلك تشعر بالرضا، بالتالي واحدة من أفضل الطرق للتغلب على القلق، هي نقل عقلك إلى مكان أكثر سعادة.
- استخدم الحديث مع الذات: أخبر نفسك أشياء مثل:
1- "هذا وضع مؤقت".
2- "لقد حدث هذا لي من قبل وكنت بخير".
3- "هذه الأحاسيس ليست مهددة لحياتي".
4- "أنا لا أعاني من نوبة قلبية أو سكتة دماغية".
5- "يمكنني المرور من خلال هذا".
في النهاية.. من خلال إعطاء تعزيزات إيجابية خلال الأوقات العصيبة، يمكنك تعلّم التقليل من تأثيرها، هزيمة القلق ليست شيئاً يتم بين عشية وضحاها، مع ذلك يمكنك تقليل التكرار والتأثير وتعلم كيفية إدارة هذه الحالة المنهكة، شاركنا من خلال التعليقات رأيك بما طرحناه أعلاه.. وكيف تتغلب على القلق عادة؟