أسباب البلوغ المبكر وآثاره الصحية
يعلم جميع الآباء أن مرحلة البلوغ هي مرحلة صحية حرجة وحساسة، لذلك فهي قد تكون مقلقة بالنسبة إلى الأبوين الذين يفكران فيما إذا كان الطفل مؤهباً من الناحية النفسية والجسدية لخوض هذه المرحلة، أما إذا حدثت علامات البلوغ في عمر مبكر فمن المؤكد أن تكون هذه المخاوف مضاعفة.
في المقال التالي سنتحدث عن أهم الأسباب والعوامل التي تؤدي إلى البلوغ المبكر، وبعض المعلومات عن الآثار الصحية الناتجة عنه.
ما هو البلوغ المبكر؟ وما هي أنواعه؟
مرحلة البلوغ (Puberty) هي مرحلة طبيعية من التطور الجسدي والنفسي يدخل بها الأطفال بين عمر 8 و 13 عاماً لدى الإناث (وسطياً في عمر 10)، وبين عمر 9 و 14 عاماً لدى الذكور (وسطياً في عمر 11)، تتميز هذه المرحلة بحدوث زيادة في الطول وتطور الصفات الجسدية الذكرية والأنثوية.
يعرف البلوغ المبكر (Precocious Puberty) بأنه ظهور علامات البلوغ وتطورها قبل عمر التاسعة عند الأطفال الذكور، أو قبل السابعة من العمر لدى الطفلات الإناث (بعض المصادر العلمية تعتمد الثامنة من العمر كمعيار للبلوغ المبكر لدى الإناث)، يحدث البلوغ المبكر لدى طفل واحد من كل 5000، وهو لا يحتاج إلى علاج في كثير من حالاته، أما في الحالات التي تحتاج إلى علاج هرموني فيمكن اعتباره ناجحاً عموماً في كبح علامات البلوغ المبكر حتى وصول الطفل إلى عمر مناسب.
يقسم البلوغ المبكر من الناحية الطبية إلى نوعين بناء على الآلية التي أدت إلى حدوثه:
- البلوغ المبكر مركزي المصدر: وهو الشكل الأكثر شيوعاً من البلوغ المبكر، يحدث بآلية مشابهة لعملية البلوغ الطبيعية والفرق الوحيد هو العمر، يتم في البلوغ المبكر المركزي تحريض الغدة النخامية (وهي الغدة الأساسية في الجسم التي تقع على الوجه السفلي للدماغ داخل الجمجمة وتتحكم بعمل الغدد الأخرى) لإنتاج هرمونات تدعى محرضات الغدد التناسلية (Gonadotropins)، تعمل هذه الهرمونات على تفعيل الخصيتين عند الذكور والمبيضين عند الإناث لإنتاج الهرمونات الجنسية مثل التستوستيرون عند الذكور أو الإستروجين عند الأنثى، والتي تعتبر مسؤولة عن إحداث التغيرات الجسدية الذكرية والأنثوية.
- البلوغ المبكر محيطي المصدر: أو ما يدعى باسم البلوغ الكاذب (Pseudo Puberty) وهو حالة مختلفة وأقل شيوعاً، هنا أيضاً تتطور الصفات الجنسية نتيجة ارتفاع مستوى الهرمونات الجنسية سابقة الذكر، ولكن الفرق هنا أن إنتاج الهرمونات لا يكون بتحريض من الغدة النخامية، إنما يكون تالياً لسبب موضعي مثل أورام الخصيتين والمبيضين، أو القصور الشديد في عمل الغدة الدرقية.
هناك حالات أخرى مشابهة للبلوغ المبكر قد تثير قلق الوالدين وتدفع إلى الشك بسبب مرضي مثل:
- النهود المبكر (Premature Thelarche): أي تطور الثديين وزيادة حجمهما لدى الطفلات الصغيرات، وهي ليست مشكلة كبيرة إذا حدثت بشكل معزول وعادة ما تقف عند حدها ويعود حجم الثدي ليتناسب مع عمر الطفلة خلال فترة قصيرة، لذلك لا تحتاج إلى علاج ولكن التحاليل الهرمونية قد تكون ضرورية لنفي البلوغ المبكر.
- النمو المبكر لشعر العانة (Premature Pubarche): أو شعر الإبط، وهي قد تكون معزولة عن البلوغ المبكر وناتجة عن تفعيل باكر للغدتين الكظريتين (Adrenal Glands)، وهما غدتان صغيرتان تقعان فوق الكليتين وتفرزان عدداً من الهرمونات الجنسية الإضافية، بالإضافة إلى الأدرينالين والكورتيزون وغيرهما من الهرمونات، يمكن أن تكون هذه الحالة مثيرة للقلق لأنها من العلامات المشيرة إلى مشاكل في الغدة الكظرية، ولكنها غالباً تحدث بشكل معزول ولا تحتاج إلى علاج.
ما هي المظاهر التي قد تشير إلى حدوث البلوغ المبكر عند طفلك؟
عادة ما تكون مظاهر بدء البلوغ المبكر مشابهة لتلك الحاصلة في عملية البلوغ الطبيعية، أما الفرق الأهم فهو العمر، ومن هذه المظاهر:
عند الفتيات:
- النهود (Thelarche): أي زيادة حجم الثديين وبروزهما، وهو العلامة الأولى للبلوغ لدى الفتيات في الحالة الطبيعية، إضافة إلى البلوغ المبكر.
- ظهور الطمث (Menstruation): عادة ما تأتي الدورة الشهرية بعد ظهور أولى علامات البلوغ بحوالي السنتين.
- ظهور حب الشباب.
- تسارع النمو.
- ظهور شعر الإبط والعانة.
عند الذكور:
- نمو الأعضاء التناسلية: أي زيادة حجم الخصيتين أو القضيب أو كيس الصفن.
- خشونة الصوت: وهي من العلامات التي تحدث بشكل متأخر نسبياً.
- ظهور حب الشباب.
- زيادة سريعة في الطول.
- ظهور شعر الإبط والعانة.
لماذا يتم تحريض عملية البلوغ لدى بعض الأطفال أبكر من غيرهم؟
في معظم الحالات يكون البلوغ المبكر المركزي مجهول السبب وخاصة لدى الفتيات، إذ تتفعل الغدة النخامية بشكل غامض وتبدأ في العمل، وفي بعض الحالات يكون البلوغ ناتجاً عن مشكلة صحية، ويكون البلوغ المبكر الناتج عن مشكلة صحية خفية أكثر شيوعاً لدى الذكور من الإناث وخاصة تحت سن السادسة وتطورت مظاهر البلوغ بشكل متسارع، ومن هذه الأسباب المرضية الخفية:
- الأورام: منها الأورام الخبيثة أو الأورام الحميدة المنتجة للهرمونات وتحديداً أورام الغدة النخامية.
- الإصابات الدماغية: وهي ناتجة إما عن العمليات الجراحية أو التعرض لضربة على الرأس مما يحدث اضطرابات هرمونية شديدة بسبب أذية الغدة النخامية أو المراكز العصبية المتحكمة بها.
- الالتهابات داخل الجمجمة: مثل التهاب السحايا أو التهاب الدماغ.
بالرغم من خطورة الأمراض الموجودة في اللائحة السابقة ولكنها لا يجب أن تدعو إلى القلق في الحقيقة لأنها شديدة الندرة ولا تشكل سوى نسبة بسيطة من حالات البلوغ المبكر مركزي المنشأ، لذلك لا يجب أن نرتعب ونفكر بسرطان الدماغ إذا لاحظنا ظهور بعض الأشعار أو زيادة بسيطة في نمو الثدي.
ما هي الفئات المعرضة لحدوث البلوغ المبكر بشكل إضافي؟
هناك عدد من العوامل الوراثية والعرقية والهرمونية التي قد تزيد من احتمال حدوث البلوغ المبكر لدى الطفل، ومنها:
- الجنس: الفتيات معرضات لحدوث البلوغ المبكر أكثر من الذكور بـ 10 أضعاف.
- المورثات: أحياناً يتحرض البلوغ المبكر عبر حدوث طفرات وراثية مطلقة للهرمونات الجنسية لدى شخص ما، وفي الكثير من الحالات نشاهد قصة عائلية أي حدوث البلوغ المبكر لدى فرد أو أكثر من أفراد الأسرة.
- العرق: لا أحد يعلم السبب بدقة، ولكن سن البلوغ يبدأ لدى الفتيات من العرق الأسود بشكل أبكر من قريناتهم البيض، والفارق الزمني ليس صغيراً فهو يبلغ حوالي السنة، لذلك يذكر بعض الخبراء أن الحد العمري لتشخيص البلوغ المبكر لدى الفتيات السود يجب أن يكون 6 سنوات.
- البدانة: أظهرت العديد من الدراسات وجود ارتباط بين البدانة وتطور الصفات الجسدية الأنثوية بشكل مبكر لدى الفتيات وهناك عدد من النظريات المطروحة لتفسير هذه الظاهرة، أما عند الذكور فلا يبدو أن هناك أي ارتباط بين الوزن والبلوغ الباكر.
ما هي التبعات الجسدية والنفسية الناتجة عن البلوغ الباكر؟
يمكن أن يؤدي البلوغ المبكر إلى الكثير من المشاكل الصحية والنفسية وخاصة إذا حدث في سن صغير جداً وبدون علاج طبي مناسب، ومن هذه المشاكل نذكر:
- قصر القامة: عادة ما يكون الطفل المصاب بالبلوغ المبكر طويلاً مقارنة بأقرانه، ولكنه يصبح قصيراً نسبياً بعد الوصول إلى نهاية سن النمو، والسبب هو دخول الطفل في مرحلة تسارع النمو الطولي في عمر أصغر من أقرانه، ليزداد طوله بسرعة ومن ثم يتوقف بشكل باكر في حين يستمر الأطفال الآخرون في عمره بالنمو ويمرون بمرحلة تسارع النمو الطولي فيصلون إلى طوله ويفوقونه طولاً في النهاية.
- التوتر النفسي: نعلم أن مرحلة سن البلوغ عبء جسدي ونفسي ثقيل على الأطفال الذين يمرون بها في سنوات المراهقة، فكيف بطفل لم يتجاوز المرحلة الابتدائية؟ فقد يشعر الطفل بأنه غريب عن أقرانه أو يصعب شرح الدورة الشهرية لفتاة لم تصل إلى العمر المناسب للحديث عن الأعضاء التناسلية، وهناك الكثير من التعقيدات النفسية والاجتماعية الأخرى.
- مخاطر صحية أخرى: يبدو أن هناك علاقة بين البلوغ المبكر لدى الإناث وزيادة بسيطة تطور سرطان الثدي في مرحلة لاحقة من حياة المرأة، ولا تزال الدراسات جارية حول هذا الموضوع.
ماذا عليك أن تفعل إذا دخل طفلك باكراً في مرحلة البلوغ؟
من المهم أن تتذكر دوماً أن مظاهر البلوغ المبكر لا تعني دوماً وجود مشكلة حتى أنها في كثير من الأحيان تكون عابرة ولا تحتاج إلى أي علاج، وهذا لا يعني أن نتجاهل الأعراض بالطبع بل يجب أخذها على محمل الجد واستشارة طبيب الأطفال (ويفضل زيارة أطباء الأطفال ممن يحملون اختصاصاً فرعياً في طب الغدد لدى الأطفال)، وفي حال كان السبب مشكلة هرمونية فإن الأمر ليس مخيفاً إذ يؤدي العلاج الهرموني عموماً إلى نتائج إيجابية ومرضية لدى معظم المرضى.
تذكر هذه المعلومات دوماً:
- غالباً ما تكون الأعراض الموجهة إلى البلوغ المبكر مثل زيادة حجم الثديين معزولة وتزول من تلقاء نفسها.
- عندما يحدد الطبيب خطة علاجية هرمونية، من المهم أن تلتزم بها بحذافيرها فهي غالباً فعالة وكافية للتغلب على الأعراض ومنع حدوث المضاعفات.
- ينمو معظم الأطفال الذين أصيبوا خلال الطفولة بالبلوغ المبكر ليصبحوا سليمين من الناحية الصحية الجسدية والنفسية والاجتماعية.
وفي الختام.. لم يبق لنا سوى التأكيد على أهمية الدعم النفسي والاجتماعي للطفل الذي يمر بالبلوغ المبكر، فمن الضروري ألا يشعر الطفل بأنه شاذ ومختلف عن أقرانه، وأن يتفهم أن هذه المرحلة طبيعية ويمر بها الجميع في عمر ما.