"القسطرة القلبية" دواعي قسطرة القلب ومخاطرها
بعد إجراء أول عملية قسطرة قلبية عام 1929 أحدثت هذه التقنية الجديدة ثورة في عالم الطب؛ لأنها أصبحت نافذة جديدة للنظر إلى الجسم وتشخيص أمراضه، كما فتحت المجال أمام أساليب علاجية لم تكن لتوجد لولا اختراع هذه الوسيلة.
إلا أن هذا الإجراء الدقيق لا يخلو من المخاطر، فما هي هذه المخاطر؟ وما الأمراض التي يمكن علاجها أو تشخيصها باستخدام القثطرة القلبية؟
تعرف القثطرة أو القسطرة القلبية (بالإنجليزي: Heart Catheterization) بأنها إجراء طبي تشخيصي بشكل أساسي (قد يستخدم لأسباب علاجية) يتم فيه إدخال أنبوب رفيع ومرن إلى أحد الأوعية الدموية في الذراع أو الفخذ أو العنق، ثم دفع هذا الأنبوب بشكل تدريجي حتى يصل عبر هذه الأوعية الدموية إلى القلب.
يمكن للقثطرة القلبية أن تفيد في عدد من الإجراءات التشخيصية والعلاجية، على سبيل المثال قد يحقن الطبيب عبر أنبوب القثطرة نوعاً خاصاً من الصباغ الذي يظهر على الصور الشعاعية، وبعد أن ينتشر هذا الصباغ في الدوران الدموي إلى القلب، تظهر الأوعية الدموية المغذية للقلب بشكل كامل؛ مما يعطي تصوراً عن حالتها الصحية، وهذا ما يدعى باسم تصوير الأوعية الإكليلية (Coronary Angiography).
كما تُستخدم القسطرة القلبية في بعض حالات قصور القلب من أجل تركيب شبكة (Stent) أو نفخ بالون لتوسيع الأوعية الدموية المغذية للقلب، عادة ما تجرى هذه العملية في المشفى وهي لا تعتبر عملاً جراحياً خطيراً بالمعنى المفهوم، إلا أن ذلك لا ينفي المضاعفات الخطيرة أو حتى المميتة التي قد تنجم عن أي خطأ في إجراء القثطرة .
من يحتاج المريض للقسطرة القلبية؟
القسطرة القلبية من أكثر الوسائل أماناً وفعالية من أجل الوصول إلى القلب وفحصه أو علاجه، لذلك يتم استخدامها كإجراء تشخيصي هام في أمراض القلب، فهي تمكِّن الطبيب مما يلي:
- التصوير الوعائي (Angiogram): وتحديد أماكن التضيق أو الانسداد في الأوعية الدموية القلبية، يمكن أن يسبب هذا الانسداد ألماً صدرياً يدعى باسم خناق الصدر، أو احتشاء العضلة القلبية (أي تموّت النسيج العضلي القلبي بسبب عدم وصول كمية كافية من الدم إليه).
- التقييم الهيموديناميكي: أي قياس ضغط الدم وتركيز الأكسجين ضمنه عند عبوره كل جوف من أجواف القلب.
- تصوير البطينات القلبية (Ventriculogram): البطينات القلبية هي الأجواف التي تدفع الدم خارج القلب، يملك القلب بطينين (أيمن وأيسر)، يضخ البطين الأيمن الدم إلى الرئتين من أجل تزويده بالأكسجين وتخليصه من غاز ثنائي أكسيد الكربون، ويعود هذا الدم إلى القلب ثم يضخه البطين الأيسر لينتشر داخل الجسم، وتفيد تقنية القثطرة القلبية بالإضافة إلى أجهزة دقيقة حساسة للضغط في حساب قوة الدفق التي يملكها القلب، وفعالية هذا الدفق لدى المريض.
- أخذ الخزعات النسيجية (Biopsies): الخزعات قطع صغيرة من نسيج ما يتم قطعها من أجل استخدامها كعينات للدراسة تحت المجهر مثلاً.
- تشخيص الآفات القلبية الولادية: إذ يولد بعض الأطفال بتشوهات قلبية تؤدي إلى عدم قدرة القلب على العمل بشكل فعال، أو تحميله عبئاً زائداً فوق طاقته، لكن استخدام القثطرة القلبية محدود في هذه الحالات لأن التصوير بالصدى (Echo) أسرع وأقل خطورة.
- البحث عن الأمراض أو التشوهات التي تصيب صمّامات القلب.
القسطرة كعلاج للأمراض القلبية
أما الاستخدامات العلاجية فهي عديدة لا حصر لها، إذ تدخل القثطرة القلبية في العديد من التدابير العلاجية للأمراض القلبية، ومن هذه العلاجات:
- سد الثقوب وإصلاح التشوهات الولادية الأخرى: في الماضي كانت عمليات القلب المفتوح السبيل الوحيد من أجل إغلاق الثقوب بين أجواف القلب، والتي قد تدفع بالدم إلى الدوران بشكل عشوائي ضمن القلب بدلاً من التحرك خارجه من أجل تروية أعضاء الجسم، وهذا ما يدفع بالقلب إلى العمل بجهد مضاعف حتى يعوض النقص الناتج عن هذه الثقوب، أما الآن يمكن عن طريق القثطرة القلبية إدخال سدادة ووضعها في الثقب بدلاً من إجراء عملية خطرة.
- توسيع الشرايين الإكليلية: الشرايين الإكليلية الوسيلة الأساسية لتروية عضلة القلب، لذلك يمكن أن يؤدي انسدادها أو تضيقها إلى موت الخلايا العضلية القلبية، وتتضمن عملية توسيع الشرايين الإكليلية إدخال أنبوب القثطرة القلبية إلى المنطقة المتضيقة من الشريان، ومن ثم نفخ بالون صغير ضمنه حتى يتوسع، كما يمكن بعد ذلك وضع دعامة معدنية تدعى باسم الشبكة (Stent) تسند جدار هذا الشريان المتضيق، وتحافظ عليه في حالة صحية قدر الإمكان.
- إصلاح اضطرابات النظم القلبي (Heart Arrhythmia Treatment): حتى تؤدي العضلة القلبية واجباتها على أكمل وجه، يجب أن تحدث التقلصات العضلية بشكل متناسق ومتزامن ضمن أجزاء القلب المختلفة مما يحقق دفع الدم نحو الأمام بكفاءة وفعالية، أما في حالات اضطراب النظم القلبي يكون هناك مناطق نسيجية شاذة في عضلة القلب تعرف باسم بؤر اللانظمية ترسل إشارات للمناطق المجاورة لها لكي تعمل بشكل غير متناسق، وهنا تفيد القثطرة القلبية في إدخال وسيلة العلاج التي قد تكون سائلاً بارداً مثل النتروجين السائل الذي يقتل الخلايا الشاذة، أو جهاز ليزر يخرب بؤرة اللانظمية.
ما هي المخاطر المحتملة في القسطرة القلبية؟
لا تعتبر القثطرة القلبية إجراءً طبياً خطيراً بشكل عام، لكنها تصنف كاختبار طبي غازٍ أو قاطع (Invasive Procedure) (أي أن هذا الإجراء يتضمن إحداث ثقب في الجلد لإدخال الأنبوب ومن ثم حقن مواد ظليلة في الدم، على عكس الإجراءات غير الغازية التي تعتبر أكثر أماناً مثل التصوير الشعاعي البسيط أو التصوير بالإيكو)، يتم اتخاذ تدابير وقائية للتقليل من خطورة حدوث المضاعفات التي أصبحت نادرة، ومن هذه المخاطر:
- النزيف: من مكان إدخال الأنبوب.
- اضطراب نظم القلب: في حال ملامسة الأنبوب لعضلة القلب من الداخل، وهو لا يعتبر خطيراً أو مهدداً للحياة عادة.
- حدوث تحسس: بعض الأشخاص حساسون للمركبات الكيميائية المكونة للصبغة التي يتم حقنها في تصوير الأوعية.
- حدوث خثرات دموية: قد تمر هذه الخثرات دون أعراض، أو قد تُحدث أعراضاً مخيفة مثل السكتة الدماغية أو احتشاء العضلة القلبية.
- إنتان الجرح: في حال عدم اتباع إجراءات النظافة والتعقيم على نحو سليم يمكن أن تصيب الجراثيم مكان جرح إدخال القثطرة القلبية.
- ثقب وعاء دموي: ذكرنا أن القثطرة القلبية تتضمن إدخال أنبوب دقيق عبر الأوعية الدموية باتجاه القلب، ويمكن أثناء إدخال هذا الأنبوب أن يتم ثقب الوعاء الدموي، مما يؤدي إلى نزيف داخلي قد يكون خفيفاً أو شديداً.
ماذا يجب أن تخبر الطبيب قبل القسطرة القلبية؟
قبل إجراء العملية، يجب أن يسألك الطبيب عدداً من الأسئلة التي تساعده على تقدير خطورة الحالة، أو التعامل معها بشكل خاص في حال كانت لها خصوصيتها، ومن أجل ذلك يُفضل أن تخبر الطبيب فيما إذا كان لديك ما يلي:
- إذا أجريت في السابق اختبار قسطرة قلبية وحدثت لديك حساسية ضد المادة الظليلة، أو إذا كان في سوابقك الطبية أي تحسس من الأصبغة الحاوية على اليود.
- إذا كانت لديك حساسية تجاه إحدى المواد المستخدمة في العملية (مثل مادة اللاتيكس التي تصنع منها بعض الأنابيب)، أو تجاه أحد الأدوية المستخدمة في العلاج.
- في حال كنت تتناول أي نوع من الأدوية (حتى الفيتامينات وأدوية الأعشاب)، لأنها يمكن أن تزيد من احتمال حدوث النزيف خلال العملية، أكثر هذه الأدوية شيوعاً دواء أسبيرين (Aspirin) الذي يزيد زمن نزيف الجروح بشكل عام، كما أن دواء فياغرا يمكن أن يضع المريض في خطر النزف، لذلك لا يجب أن تتجاهله أو تخجل من ذكره.
- إذا كنتِ حاملاً أو مرضعاً.
- إذا كنت مصاباً بالربو، أو بأي نوع من التفاعلات التحسسية الشديدة (مثلاً لدغة نحلة قبل موعد إجراء القسطرة).
- إذا كنت مصاباً بأحد أمراض الكلية، لأن المادة الظليلة قد تكون سامة للكلية.
وفي الختام، بالرغم من كون القثطرة القلبية إحدى أهم الإجراءات المستخدمة في الطب القلبي فهي عملية لا تخلو من المخاطر، لكن ما لا شك فيه أن التطور العلمي في مجال الطب سوف يحدّ من المخاطر المتعلقة بها يوماً بعد يوم، ويستمر في اكتشاف وسائل أكثر دقة وأماناً في مجالات تشخيص الأمراض وعلاجها.