كسب الأصدقاء والمحافظة عليهم
في هذا المقال نناقش هذا الموضوع من نواحي عدة، بحيث عرضنا مختلف وجهات النظر العلمية والبحثية حول كسب الأصدقاء الجدد، كذلك حول كيفية المحافظة على الصداقات القديمة أو تجديد العلاقة مع أصدقاء الطفولة والدراسة والجامعة.
الصداقة تطيل العمر وتدعم صحة الإنسان النفسية والجسدية
يجب أن نستثمر الوقت في الصداقة وهذا الأمر واضح.. بسبب الآثار الضارة للعزلة الاجتماعية والعوامل الإيجابية للترابط، كما يزيد الشعور بالوحدة من خطر ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والسكتة الدماغية ويزيد من احتمال الوفاة بنسبة 26 ٪.، ومن من غير الواضح تماماً السبب في أن الوحدة ضارة جداً، لكن يبدو أن الاستجابات المناعية قد تغيرت لدى أولئك الذين يفضلون الوحدة.
كما تجعلنا الصداقة نشعر بأننا أفضل، فالتأثير الاجتماعي للصداقة يزيد من إنتاج الأوكسيتوسين (Oxytocin) وهو الهرمون الذي يلعب دوراً في الترابط الاجتماعي والعلاقات الإنسانية، كما تعزز الصداقة إطلاق الإندروفين (Endorphin) وهو هرمون ذو تأثير مسكن، كما ننتج كمية أقل من الكورتيزول في المواقف العصيبة، عندما نكون مع صديق ويمكننا تحمل الصعاب لفترة أطول بعشرة أصدقائنا، لذا فإن الالتزام بالحفاظ على العلاقات التي تبقينا بخير وتحقق لنا فوائد تكيفية؛ هو جزء مهم من استراتيجية المحافظة على الصحة عموماً...
في المحصلة. يمكن للعلم أن يشرح لماذا تحتاج إلى أصدقاء وأهميتهم، لكن هل يمكن أن يساعدك في صنع بعض الصداقات أيضاً؟ فكيف تستطيع تحسين رصيدك من الأصدقاء؟
- معاودة الاتصال بأصدقاء قدامى: أظهرت الأبحاث أن تجديد الاتصال بالأصدقاء السابقين؛ يمكن أن يولد فوائد اجتماعية ملموسة وبلغة مجردة عن الأوراق الأكاديمية ونتائج البحث العلمي؛ هذا سريع وسهل.. مقارنة بصنع صداقات جديدة، حيث أن البعض ليست لديهم الموهبة في تكوين الصداقات بسرعة، وتكون المهمة صعبة وتعطي دراسات حديثة مؤشراً على الوقت الذي يستغرقه تكوين صداقة جديدة، فالانتقال من التعارف إلى الصداقة غير الرسمية يستغرق حوالي 50 ساعة من التواصل ويستغرق 200 ساعة لتعزيز الصداقة "القريبة"، فإذا استغرق الحدث الاجتماعي العادي ساعتين، فهناك 25 تفاعلًا لتكوين صديق غير رسمي، بشكل أكثر بكثير إذا كنت تعتقد أن تكوين الصداقة يأتي بنمط معين من التفاعل أنت تفضله؛ فكيف وضمن العمل والتزاماتك العائلية أن تصل إلى هذا الحد من عدد الأصدقاء الذين تعرفهم؟
- ليس من الضروري أن تكون كل صداقات الصغر جيدة لك: عندما تحاول استعادتها على أساس أنها أعمق مما يمكن أن تكونه من صداقات جديدة، وتقول الاستشارية النفسية الدكتورة سالي أوستن (Sally Austen):"بينما قد يربطنا الأصدقاء القدامى بذكريات سعيدة، فإنهم يربطوننا أيضاً بالأوقات السيئة، حيث استطعنا أن ننال فرصة ونبدأ من جديد، لذلك إذا كان هناك احتمال أن يمنع الأصدقاء القدامى نمونا الشخصي والتطور الذي وصلنا إليه في شخصيتنا؛ ربما من الأفضل ألا نستعيد علاقاتنا معهم"..
- حتى لو كان الشخص غريب الأطوار يمكن أن يصبح صديقاً! أظهر علماء الاجتماع أنه كلما رأيت شخصاً ما، كلما زاد احتمال تقبلك له، حتى لو كان شخصاً غريباً ولفّ نفسه بحقيبة سوداء كبيرة!.. ففي بحث عام 1968، انضم شخص ملتف تماماً في حقيبة سوداء إلى فصل دراسي؛ تطورت مواقف الطلاب الآخرين بمرور الوقت؛ من العداء للحقيبة السوداء إلى الفضول وأخيراً إلى الصداقة"، يمكنك أن تجرب ذلك.. لا أعني أن تلف نفسك بحقيبة سوداء بالمعنى الحرفي للكلمة، ففي بعض الأحيان عندما تبدأ العمل في مكان جديد ومع زملاء تتمنى أن يصبحوا أصدقائك؛ يمكنك أن تجرب بعض الأمور المميزة، التي تتصل مباشرة بشخصيتك.
- "قل لي من تصادق أقول لك من أنت": إن النصيحة الكلاسيكية حول تكوين صداقات، هي الانضمام إلى مجموعة تقوم بشيء تستمتع به، وهذا ما دعمته دراسة في عام 2017، على أن الأصدقاء يعرضون تفضيلات متشابهة وخصائص شخصية متقاطعة، كما أن لدى الأصدقاء استجابات عصبية متشابهة لمجموعة من مقاطع الفيديو، وهذا ما تلاحظه على مواقع التواصل الاجتماعي، فيما يخص مجموعات الاهتمامات المشتركة.
من الصعب تكوين الصداقات الحقيقية بعد عمر الثلاثين!
في الثلاثينيات والأربعينات من العمر يدخل الكثير من الأشخاص الجدد إلى حياتك، من خلال العمل ومصاحبة الأطفال إلى الحدائق وأماكن اللعب والنزهات، وبالطبع فيسبوك (Facebook) ووسائل التواصل الاجتماعي، لكن الأصدقاء الحقيقيين فعلياً هم النوع الذي تقيمه أيام الدراسة وفي أيام الدراسة الجامعية، أما هؤلاء المعارف في منتصف العمر، فإنهم لا يشبهون الأصدقاء أيام الشباب؛ عندما كنت تشعر وأن الحياة لا تنتهي.. تذبل هذه الطريقة رويداً.. رويداً، لتصبح لديك المواعيد المضغوطة كما تتغير الأولويات في الحياة بالنسبة لك، بالإضافة إلى أن الناس في كثير من الأحيان يصعب إرضائهم فيما يريدون من أصدقائهم!
- صلاحية الصداقة بعد الثلاثين: بصرف النظر عن الصداقات التي كونتها في هذا العمر (الثلاثينات)؛ هناك شيء قدري يتعلق بانتهاء صلاحية النمط الذي اتبعته مع أصدقائك أيام الشباب، فقد حان الوقت للتخلي عن مجرد الأصدقاء والمعارف في الوقت الحالي، في الوقت الذي قد يصعب عليك إعادة لم الشمل مع أصدقاء أيام الشباب لا سيما في الظروف المعيشية الحالية، هذا ما فعلته أنا مثلاً.. ففي عيد ميلادي الأخير حيث بلغت السابعة والثلاثين، لم تشاركني فعلياً في احتفاليتي إلا صديقتي الوحيدة والتي غادرت قبل أشهر قليلة خارج البلاد، عملياً مع وجود 500 من أصدقائي الافتراضيين على مواقع التواصل الاجتماعي؛ لم يكن أمامي إلا إغلاق حساباتي.. فلا أجد أحد هؤلاء الأصدقاء موجود فعلياً إلا من خلال تعليق أو إعجاب على صورة أو كلام يُقال، المهم أنني عاودت التواصل (عبر الهاتف) مع الكثيرين من أصدقاء المدرسة والجامعة.
- تقلص الزمن يؤثر على الصداقات الجديدة: في دراسات لمركز ستانفورد لطول العمر في كاليفورنيا على مجموعة من الأقران؛ لاحظت أستاذة علم النفس ومديرة المركز الدكتورة لورا كارستنسين (Laura L. Carstensen) أنه: "يميل الناس إلى التفاعل مع عدد أقل من الأشخاص أثناء انتقالهم نحو منتصف العمر، ولكنهم يصبحون أقرب إلى أصدقائهم الذين تربطهم معهم علاقات فعلية"، كما تفسر أن الناس لديهم ساعة منبه داخلية تنطلق في أحداث الحياة الكبيرة، مثل الانتقال في العمر إلى 37 (حالتي) مما يذكرهم أن الآفاق الزمنية آخذة في التقلص، لذا فهي نقطة للتراجع عن الاستكشاف والتركيز هنا والأن في الوقت الحاضر، تقول الدكتورة كارستنسين: "أنت تميل إلى التركيز على ما هو أكثر أهمية بالنسبة إليك، لذا فأنت غير مهتم بالذهاب إلى الحفلات مثلاً، لكنك مهتم في قضاء بعض الوقت مع أطفالك".
- الشروط الخارجية للصداقة: تحدث علماء الاجتماع منذ خمسينات القرن المنصرم حول الشروط الخارجية التي تؤثر على الصداقة وتفعلّها؛ التقارب والجوار- التكرار والتجدد- التفاعل غير المخطط له، تقول أستاذة علم الاجتماع وعلم الشيخوخة في جامعة نورث كارولينا بالولايات المتحدة الأمريكية، الدكتورة ريبيكا آدمز (Rebecca G. Adams): "إن هذه الشروط هي ما تشجع الناس على أن يكونوا مندفعين بأريحية ويثقون في بعضهم البعض.. ولهذا السبب يجتمع الكثير من الناس مع أصدقاء عمرهم مدى الحياة أثناء الدراسات الجامعية".
علاقات الصداقة في العمل نادراً ما تستمر
في العالم الوظيفي أنت تعرف كما أعرف، بأنه من الصعب المحافظة على شرط القرب من الأصدقاء.. لأنك قد تترقى في المنصب الوظيفي أو ينتقل صديقك إلى وظيفة أخرى أو العكس أنت قد تنتقل، لا سيما في الوظائف التي تعتمد على التنقل والسفر والمشاريع المستمرة والتي تنتهي في فترة ما حتماً، كما أن المنافسة أو أعداء النجاح هي ما يتصاعد غالباً في العالم المهني، لذلك يتعلم الناس إخفاء نقاط الضعف والمراوغات مع الزملاء، كما أنه غالباً ما تأخذ صداقات العمل هدف المصلحة وتسيير المعاملات، كما تؤدي الاختلافات في الوضع المهني والدخل إلى تعقيد الأمور.. لذا فمن من الصعب القول أين ينتهي هذا الشكل من التواصل في العلاقات مع زملاء العمل وتبدأ الصداقة الحقيقية!
بعد الزواج على الشريكين تقبل أصدقاء بعضهما البعض
بمجرد أن يبدأ الناس بالاقتران، فإن التحديات تزداد هذا كل ما في الأمر، فإن تكوين صداقات مع الأزواج الآخرين "يشبه التوفيق بين شخصين"، حيث لا يقلقك فقط ما إذا كانت زوجة صديقك تستلطف العلاقة مع عائلتك وتحب زوجتك أم لا، أنت قلق أيضاً إذا كان زوجتك تتقبل أصدقائك... وحلقة مفرغة من القلق بسبب الصداقة!
بالمحصلة.. تحلّ المشاكل الزوجية (فيما يخص هذا المضمار) على حياة أي زوجين لا يتقبلان هذا الالتزام الاجتماعي.
كيف يؤثر الأطفال على صداقات الكبار؟.. صداقة الوالدية.. حديث آخر، حيث يمكن أن تكون الصداقات الناتجة عابرة، كما تخضع لنزوات الأطفال أنفسهم، فإضافة الأطفال إلى الخليط ربما يفسد الأمور أكثر.. فجأة أنت محاط بدائرة جديدة من الأصدقاء، لكن الروابط العاطفية يمكن أن تكون ضعيفة في أحسن الأحوال، حيث تقضي أياماً كاملة مع الناس، كما لو أنك عالق معهم إلى الأبد دون أن تختارهم، لكن أطفالكم هم من اختاروا بعضهم البعض، وبالمناسبة من دون أي أسس أو معايير؛ إلا أنهم في نفس العمر وربما الطول! فتجد نفسك منخرط في تنظيم حفلات أعياد الميلاد مثلاً.. وربما تضطر لاستبعاد بعض أصدقاء عمرك من الدعوة.. ببساطة لأنهم لم يتزوجوا بعد أو لم ينجبوا أطفالاً حتى الآن!
ما الذي اختلف في الصداقة بعد عمر الثلاثين؟
في دراسة أجريت عام 2008 وجدت أن الصداقات طويلة الأمد هي تلك، التي يتواصل فيها الطرفان مع بعضهما بشكل متماثل، لذلك.. العوامل الخارجية ليست هي العقبة الوحيدة بعد بلوغك عمر الثلاثين، فغالباً ما يعاني الناس من تغيرات داخلية في كيفية التعامل مع الصداقة، عندما تكون أصغر سناً، فإنك تحدد ما يعنيه حقاً أن تكون صديقاً بطريقة أكثر جدية، كنت تتخذ من الصداقة أخوّة ويكون ولائك للصديق الفعلي كاملاً.. مع تقدمك في العمر، يصبح هذا النموذج غير واقعي.. للأسف، لكنك مع ذلك أقدر على توقع الجوانب السلبية في العلاقات الجديدة ولن تنصدم من إهمال صديق ما لمواساتك في ظرف سيء مثلاً، فتكون أقل احتمال للتعرض للإحباط، كما أنك لا ترفع توقعاتك عالياً فيما يخص أي علاقة صداقة جديدة تبدأها، حيث لم تعد تتبع ذلك النهج الشامل في ولائك لصديق صدوق وقت الضيق والفرج، فهناك صديق في العمل وصديق العائلة، كذلك أصدقاء الزواج والأطفال.. وهكذا.
في النهاية.. أثبت لي العمل على هذا المقال فكرة لطالما أرقتني وتسألت حولها، بأن بعض من اعتبرتهم أصدقاء في الماضي؛ لم يكونوا أصدقاء فعليين، فقد ينسى الكثيرون منهم ما كانت تعنيه علاقة الولاء والصداقة مدى الحياة معك، ربما عندما وُفقوا وانطلقوا في الحياة؛ اتجهوا إلى نسيان الماضي بما يحمله حتى من وجوه وأسماء أصدقاء حقيقين لهم، لا أظن أني طبقت هذا النهج الغبي في حياتي حتى الآن ولن أفعل، حيث لدي إيمان بأن الصداقة في الصغر كالنقش على الحجر... مع ذلك اعترف أن أعز وأقرب صديقاتي.. هي ممن تعرفت عليهم بعد عمر الخامسة والثلاثين وربما هذا استثناء للقاعدة التي تحدثنا عنها في هذا المقال!.. شاركنا رأيك من خلال التعليقات؛ من هم أفضل أصدقائك؟ وهل لديك صعوبات في تكوين صداقات؟ هل تستطيع المحافظة على أصدقاء الصغر.. كيف؟