متلازمة داون والمخاطر الصحية المرتبطة بها
تعتبر متلازمة داون (Sown Syndrome) من الاضطرابات الوراثية الشائعة حول العالم، وتسبب الكثير من المشاكل على المستوى الصحي والعقلي لدى المصاب بها، لذلك كثر الحديث عنها في السنوات الأخيرة، واحتدم الجدال بين أطراف تراها مشكلة صحية عالمية يجب تجنبها والقضاء عليها بالإجهاض قبل إنجاب طفل غير مؤهب لعيش حياة طبيعية، وبين أطراف أخرى تؤيد حق مرضى داون في الحياة بالرغم من جميع العوائق.
علينا في البداية أن نفهم ما هي متلازمة داون، وما السبب في جميع ما يحدث لدى المصاب بها، وهذا ما سنتحدث عنه في المقال التالي.
ما هي متلازمة داون؟
داخل كل خلية حية في جسم الإنسان هناك نواة تختزن فيها المادة الوراثية (الجينوم البشري) على شكل 23 زوجاً من الكروموزومات (الصبغيات) التي تحمل جميع المورثات المعبرة عن صفاتنا الوراثية، أما في متلازمة داون فيكون العدد هو 47 كروموزوماً بدلاً من 46، وذلك بسبب وجود نسخة إضافية كاملة أو جزئية من الصبغي 21، أي يصبح لدينا 3 نسخ من الصبغي 21 بدلاً من أن يكون زوجاً كباقي الصبغيات، ولهذا تعرف متلازمة داون باسم تثلث الصبغي 21 (Trisomy 12).
تؤدي هذه المادة الوراثية الإضافية إلى اضطرابات تطورية متنوعة، تظهر على شكل الصفات والملامح الجسدية المميزة لهذه المتلازمة، وهناك أمر مهم لا يعلمه الجميع هو أن الأعراض ليست ذاتها لدى جميع مرضى داون إنما تكون على درجات حسب شدة الشذوذ الوراثي.
تعتبر متلازمة داون أكثر الاضطرابات الوراثية الصبغية شيوعاً في العالم على الإطلاق، والسبب الأول لصعوبات التعلم لدى الأطفال، كما أنها تعرض الطفل للإصابة بالكثير من المشاكل الصحية مثل التشوهات في القلب والجهاز الهضمي.
ما هي المظاهر النموذجية التي نراها على مريض متلازمة داون؟
هناك عدد كبير من المظاهر والعلامات الجسدية والعقلية التي تشير إلى وجود متلازمة داون، وليس من الضروري أبداً أن تكون مجتمعة لدى الشخص المصاب بمتلازمة داون، بل إنها متنوعة إلى درجة تسمح لنا بالقول أن كل مصاب بمتلازمة داون هو حالة خاصة بحد ذاته، فالأعراض قد تكون خفيفة أو متوسطة أو شديدة مثل الإصابة بالتشوهات القلبية الخطيرة.
يمكننا بشكل عام أن نحدد مجموعة من الصفات والملامح المميزة لمتلازمة داون والتي تعرف باسم سحنة داون (Down Facies) أو السحنة المنغولية، ومن هذه المظاهر الشائعة:
- قامة قصيرة.
- وجه مسطح.
- رأس صغير.
- عنق قصير.
- لسان كبير بارز من الفم.
- انحراف الشق الجفني إلى الأعلى، أي أن الخط الفاصل بين الجفنين يكون متجهاً إلى الأعلى على الجانبين.
- أذنان صغيرتان أو مشوهتان.
- ضعف في العضلات.
- يدان قصيرتان ومسطحتان.
- وجود خط واحد على راحة اليد.
- أصابع قصيرة، كما تكون اليدان والقدمان صغيرتين.
- بقع بيضاء صغيرة على قزحية العين تدعى باسم بقع براشفيلد (Brushfield Spots).
قد يكون الطفل المصاب بمتلازمة داون طبيعي الوزن والطول عند الولادة، ثم ينمو ببطء ويصبح أقصر من الأطفال الآخرين من نفس العمر.
أما من الناحية العقلية، فيعاني معظم مرضى متلازمة داون من نقص في القدرات العقلية، وتأخر في تعلم اللغة وباقي المهارات الذهنية من ذاكرة قصيرة وطويلة الأمد، وحتى هذا العرض ليس ثابتاً وهو متفاوت بشكل كبير من ذكاء مشابه للطبيعي وحتى التأخر العقلي الشديد.
ما هو السبب وراء أعراض متلازمة داون؟ وما هي أنواعها؟
ذكرنا أن الخلية البشرية الطبيعية تحوي 23 زوجاً من الصبغيات، ويتحدد هذا النمط الوراثي منذ الإلقاح إذ يجتمع 23 صبغياً من الأب (في الحيوان المنوي) مع 23 صبغياً من الأم (في البويضة) لتشكيل البيضة الملقحة الحاوية على 23 زوجاً صبغياً، وهي ما يتطور لتشكيل الجنين.
تحدث متلازمة داون عندما تنقسم الخلايا بشكل شاذ ويحدث خطأ في نسخ الكروموزوم 21، مما يؤدي إلى ظهور نسخة ثالثة منه في الخلية، ويمكن لكل من هذه الحالات أن تتسبب بحدوث متلازمة داون.
• تثلث الصبغي 21: وهو الشكل النموذجي، إذ تمثل 95% من مجموع حالات متلازمة داون، وهنا يوجد نسخة ثالثة كاملة من الصبغي 21 بدلاً من نسختين في جميع خلايا الجسم، ويكون الخطأ هنا في الانقسامات الخلوية المشكلة للحيوان المنوي الذكري أو البويضة لدى الأنثى.
• متلازمة داون الموزاييكية: وهي شكل نادر لا تكون جميع خلايا الجسم مصابة به، فيكون الجسم من الناحية الوراثية شبيها بفسيفساء مكونة من خلايا سليمة وخلايا شاذة، وهنا تكون شدة الأعراض متناسبة مع نسبة الخلايا الشاذة إلى الطبيعية.
• الشكل المرتبط بالإزفاء الصبغي (Translocation Down Syndrome): يمكن أن تحدث متلازمة داون عندما يرتبط جزء من الصبغي 21 بصبغي آخر قبل الإلقاح أو بعده، يبدي المصاب مظاهر وعلامات متلازمة داون مع أن نواته تحوي 23 زوجاً من الكروموزومات ظاهرياً.
ما هي الفئات المعرضة بشكل إضافي لحدوث متلازمة داون؟
بعض الأهالي معرضون بشكل أكثر من الآخرين لإنجاب أطفال مصابين بمتلازمة داون، ومن عوامل الخطر التي تزيد هذا الاحتمال:
- تقدم عمر الأم: تزداد فرصة إنجاب طفل مصاب بمتلازمة داون كلما ازداد عمر الأم الحامل، وذلك لأن احتمال حدوث الطفرات الوراثية في البويضات التي ينتجها المبيض يزداد مع العمر، ولهذا يعتبر الحمل بعد عمر الـ 35 عامل الخطورة الأهم في حدوث متلازمة داون.
- كون أحد الوالدين حاملاً للإزفاء الصبغي: هذا الأمر نادر ولا يشكل سوى واحد في المئة من مرضى داون على أكثر تقدير، وهنا يكون أحد الأبوين حاملاً للمشكلة الوراثية المسببة لداون في عدد من خلايا الخصية أو المبيض، مما يؤدي إلى تشكيل حيوانات منوية أو بويضات شاذة ويحكم على الجنين بالمرض قبل الإلقاح حتى.
- سوابق ولادة طفل مصاب: إن إنجاب طفل مصاب بمتلازمة داون في السابق قد يعني أن الوالدين معرضان أكثر من الناحية الوراثية لتكرار حدوث هذا الأمر في الولادات اللاحقة.
مشاكل صحية قد ترافق الإصابة بمتلازمة داون
هناك عدد كبير من التشوهات والاضطرابات الجسدية التي تنتشر بشكل شائع لدى المصابين بمتلازمة داون، وهي لا تصيب الجميع، كما أنها قد تكون بدون أعراض خلال الطفولة المبكرة وتصبح أكثر وضوحاً مع الزمن، ومن هذه المضاعفات:
- تشوهات قلبية: يعاني حوالي نصف المصابين بمتلازمة داون من تشوهات قلبية ولادية متباينة في الشدة والخطورة، يمكن أن تكون مهددة لحياة الطفل مما يحتاج إلى إجراء عملية جراحية خلال فترة الطفولة المبكرة.
- تشوهات في الجهاز الهضمي: تحدث شذوذات تطور الجهاز الهضمي بشكل شائع لدى الأطفال المصابين بمتلازمة داون، وتشمل تشوهات الأمعاء والمري والشرج على سبيل المثال، كما تزداد فرصة وجود انسداد خلقي في الجهاز الهضمي.
- اضطرابات المناعة: نتيجة الخلل في عمل آليات المناعة، يكون الأطفال المصابون بمتلازمة داون معرضين أكثر من غيرهم للأمراض المناعية الذاتية، بعض أشكال سرطان الدم، إضافة إلى الإصابة بالجراثيم والفيروسات بشكل أكثر تكراراً وخطورة من باقي الأطفال.
- البدانة: يكون المصابون بمتلازمة داون أكثر قابلية للبدانة من باقي الأفراد.
- الخرف: مرضى متلازمة داون معرضون لحدوث خرف الشيخوخة في عمر مبكر نسبياً (حوالي الخمسين عام)، كما يزداد احتمال حدوث داء ألزهايمر بشكل كبير أيضاً.
- تأخر التطور العقلي الحركي: إذ نلاحظ تأخر وصول الطفل إلى النقاط الرئيسية من إنجازات الطفولة المبكرة مثل البدء في الكلام، الوقوف دون مساعدة ومن ثم المشي.
- مشاكل صحية أخرى: وهي كثيرة مثل الاضطرابات الغدية، تشوهات العمود الفقري، انقطاع التنفس أثناء النوم، مشاكل الأسنان، ومشاكل الرؤية والسمع.
لهذه الأسباب السابقة، يكون العمر المتوقع لمريض داون مرتبطاً بالمشاكل الصحية والتشوهات الخلقية الخطيرة التي قد ترافق المرض، لذلك لا يكمل بعضهم سنوات الطفولة، بينما يعيش آخرون لأكثر من 60 عاماً دون مشاكل حقيقية، كما ازداد العمر المتوقع الوسطي بشكل كبير في السنوات الأخيرة بسبب تطور الإجراءات الطبية المستخدمة في علاج المضاعفات مثل الجراحة القلبية للأطفال وطب غدد الأطفال.
كيف يمكن التشخيص المبكر لمتلازمة داون خلال الحمل؟
هناك نوعان من الاختبارات الطبية الخاصة بمتلازمة داون والمستخدمة أثناء الحمل وهما:
- اختبارات المسح (Screening Tests): وهي ليست اختبارات مؤكدة بشكل حاسم، إنما تشير إيجابية الاختبار إلى وجود احتمال كبير لكون الطفل مصاباً بمتلازمة داون، يلجأ لها الأطباء كإجراءات مبدئية نظراً لأمانها وسهولة إجرائها، منها أنواع خاصة من تحليل الدم أو الإيكو.
- الاختبارات المشخصة (Diagnostic Tests): يُلجأ إلى هذه الاختبارات لتأكيد التشخيص في حال أشارت اختبارات المسح إلى احتمال كبير لوجود متلازمة داون، ومن هذه الاختبارات نذكر البزل الأمنيوسي أي إدخال إبرة عبر البطن إلى داخل الرحم، وأخذ عينة من السائل المحيط بالجنين، كما يمكن إجراء الخزعة الكوريونية أي أخذ عينة من خلايا المشيمة وفحص هذه الخلايا لتحديد النمط الوراثي للجنين.
ما هي الخيارات العلاجية الممكنة لمرضى داون؟
لا يوجد حتى الآن علاج معتمد لمتلازمة داون، إنما تعتمد العلاجات الحالية على حالة المصاب الصحية والعقلية بالإضافة إلى نقاط القوة والضعف الخاصة بكل فرد، والهدف من جميع العلاجات هو إبقاء المصاب بحالة صحية جيدة والحد من تأثير المضاعفات المرتبطة بمتلازمة داون، بالإضافة إلى ضمان اندماج الفرد بالمجتمع وإيجاد مهارات ونشاطات مناسبة له.
يمكن أن يحتاج كل طفل إلى مساعدة في جانب مختلف من حياته، بدءاً من المساعدة على الوقوف والمشي، مروراً بالتدريب على لفظ مخارج الحروف والنطق، وصولاً إلى العمليات المعقدة لعلاج التشوهات القلبية أو الهضمية أو العظمية.
كما لا يجب أن ننسى دور مشاركة الوالدين في جلسات للدعم النفسي والتأهيل التربوي من أجل تجاوز الصدمة وتقبل طبيعة الحياة الجديدة وتحديات وجود طفل مصاب بمتلازمة داون في المنزل، إضافة إلى خصوصيات التعامل مع هذا الطفل، ومساعدته على تجنب العوائق الجسدية والذهنية الموجودة لديه.
موقع حلوها مستعد دائماً لتلقي استفساراتكم ومناقشة مشاكلكم النفسية مع المختصين عبر هذا الرابط
وفي الختام.. علينا أن نتذكر جميعاً أن المصاب بمتلازمة داون هو إنسان له قيمته الإنسانية وعلينا أن نعامله بأسلوب إنساني بدلاً من اضطهاده أو استغلاله بمختلف الأشكال، ومن الجميل أن نرى النشاطات والمبادرات الاجتماعية التي ساهمت في دمج أفراد داون في المجتمع وتحويلهم إلى أفراد فاعلين بدلاً من فئة منبوذة على هامش المجتمع.